رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد الراشد 31 يوليو، 2012 0 تعليق

السياسة الشرعية (15)الشورى

       لا غنى لولي الأمر عن المشاورة؛ فقد أمر الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159)، وعن علي قال: قلت: يا رسول الله إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر ولا نهي فما تأمرنا؟ قال: «شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تمضوا فيه رأي خاصة» رواه الطبراني في (الكبير) وقال الهيثمي: رجاله موثقون من أهل الصحيح.

       فيجب على ولاة الأمور أن يتشاوروا مع معاونيهم ذوي الرأي السديد، وذلك في الأمور المشتركة بينهم وبين الرعية، كالحروب والأمور الجزئية وغير ذلك، أما إن كان الأمر عائدا إلى نفسك كالمأكل والمشرب والملبس، فأنت حر شاور أو لا تشاور، الأمر راجع إليك، فعلى سبيل المثال صاحب العمل أو المدراء المباشرين يجب عليهم المشاورة قبل فصل عامل من عمله, والتأكد من تقصير ذلك العامل بأمور قطعية تثبت هذا التقصير، وعلى أثره اُتخذ قرار عزله من عمله، ولكن إذا اشتبه عليك الأمر، فماذا يكون الحل ؟ الإجابة: لك طريقان:

- الأول: استخارة الله عز وجل.

- الثاني: استشارة ذوي الرأي الأمناء.

       ولكن هل كل إنسان أهل لأن يكون مستشارًا لغيره؟ الإجابة: لا، فلابد في المستشار من أمرين: الأمانة والرأي. فلو فرضنا أننا وجدنا رجلاً متديناً عالماً بالشرع ليس لديه رأي, ولا يعرف أحوال الناس، فبالطبع هذا لا يُستشار، لا لنقص أمانته ولكن لنقص مقدرته، وضيق أفقه وحكمه على الأمور، ولو رأينا رجلاً محنكاً في الرأي معرفة بتجارب الناس، لكنه غير ثقة في دينه، فإننا أيضا لا نستشيره؛ خوفًا من أن تحيد مشورته عما فرضه الله عز وجل وما أنزله على نبيه الكريم[.

المهم أنك إذا أُشكل عليك الأمر، فاذهب أو الجأ إلى: استخارة الله عز وجل أولاً، ثم مشورة ذوي الدين والرأي ثانياً.

       وإذا استشارهم - ولي الأمر - فإن بين له بعضهم ما يجب اتباعه في كتاب الله، أو سنة رسوله[ أو إجماع المسلمين، وجب عليه اتباع هؤلاء، ولا طاعة لأحد في خلاف ذلك، وإن كان عظيمًا في الدين والدنيا، ولكن إذا أدلى كل من المستشارين برأيه، وكان كل رأي مختلفا عن الآخر، فمن نتبع ؟ قال الشيخ ابن العثيمين رحمه الله: «نتبع الرأي الذي فيه مصلحة للناس, والمصلحة فيما جاء في كتاب الله وسنة نبيه[».

       ولذلك فما المانع من أن يستشير الرجل زوجته في أمور دنياهما، وتسيير أمور بيتهما وتربية أبنائهما على المنهج الصالح؟! بل هذا هو الأولى من أن يستأثر الرجل برأيه ويفرضه عليها فرضًا، بل يستحسن له مشاورتها والاستئناس بآرائها, لاسيما في أمور المنزل؛ لأن المرأة بطبيعة الحال أعلم منه بها.

       وما المانع أن يستشير وزراؤنا الأفاضل نوابهم ووكلاء وزاراتهم قبل أن يخرجوا علينا بقرارات ما أنزل الله بها من سلطان، تؤثر على المواطنين سلبًا أو إيجابًا؟! فلابد أن يكون القرار مدروسا ومخططا له قبل أن يخرج إلى العامة لما فيه من صلاح هذه البلاد، وما المانع أن يتشاور نواب مجلس الأمة مع أصحاب الرأي السديد والدين الصحيح، وألا يتركوا للشيطان مجالاً يتخلل بينهم ليفسد الأمر عليهم؟! وأقدّم اقتراح لنوابنا الكرام بأن يجعلوا في أمانة المجلس لجنة تشريعية يرجع إليها في حال احتاجوا مشورة شرعية تكون خاصة بهم غير تابعة لوزارة الأوقاف ويكون رأيهم الشرعي نافذا.

       بل يجب على كل هؤلاء أن يحسنوا اختيار مستشاريهم كما بينا سالفاً, من اتصافهم بالأمانة والرأي؛ لأنه سيعود عليهم بالخير وحسن اختيار المنهج السليم، وليعلم من يستشار قول نبينا الكريم[: «المستشار مؤتمن» رواه أبو داود وصححه الألباني.

والله الموفق والمستعان.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك