السياسة الشرعية (14) السلطة والمال
لا شك أن البشر يختلفون من فرد إلى آخر, فمنهم من يريد الرياسة ويسعى إليها بشتى السبل، ومنهم من يريد المال وليس أي مال، يريد الثراء الفاحش والعياذ بالله، وغاية مريد الرياسة أن يكون كفرعون, وجامع المال أن يكون كقارون, وقد بيّن الله تعالى في كتابه حال فرعون وقارون, فقال تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ} (غافر:21).
ولذلك فإن الناس أربعة أقسام:
- القسم الأول: يريدون العلو على الناس والفساد في الأرض وهؤلاء الملوك والرؤساء المفسدون كفرعون وحزبه, وهؤلاء هم شرار الخلق. قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ...} (القصص:4) وقال أيضا: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات:24)، فكان جبارًا متكبرًا, قال رسول الله [: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر» رواه مسلم, فها نحن أولاء نرى مَن يطلب الرياسة أو يجمع المال لكي يتكبر على خلق الله, ويسعى في الأرض فسادًا, ولكن قد يسأل السائل كما سئل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : أنا أحب أن يكون ثوبي حسنًا, ونعلي حسنة, أفمن الكبر ذاك؟ يقول النبي [: «لا, إن الله جميل يحب الجمال، ولكن الكبر بطر الحق, وغمط الناس» رواه مسلم. فبطر الحق: دفعه وجحده, وغمط الناس: احتقارهم وازدراؤهم, وهذا حال من يريد العلو والفساد.
- القسم الثاني: الذين يريدون الفساد بلا علو, كالسراق المجرمين من سفلة الناس, فهؤلاء همهم الأكبر وشغلهم الشاغل جمع المال بأي طريقة كانت حلالاً أو حرامًا، المهم أن يكونوا أثرياء أغنياء فقط.
- القسم الثالث: الذين يريدون العلو بلا فساد, كالذين يفتخرون بعلمهم ودينهم, يريدون أن يعلوا به على غيرهم من الناس, لكي يقال: هذا عالم, هذا رجل متدين, فقد نال حظه من الدنيا, وما له في الآخرة من نصيب.
- القسم الرابع: هم أهل الجنة الذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا، نسأل الله أن نكون منهم، مع أنهم قد يكونون أعلى من غيرهم دينًا ونسبًا وشرفًا, كما قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل عمران:139).
فها نحن أولاء نرى كثيرا من الناس من أهل العلم والإيمان يُقَدَّمون على ذوي الجاه والمال, يُقدّمون في القلوب, ويُقدمون تقديمًا حسيًا في المجالس؛ لأنهم لا يريدون العلو ولكن الله تعالى قد أراد ذلك لهم؛ فمن تواضع لله رفعه، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة:11)، ولكن قد نرى في زماننا هذا كثيرا من متخذي القرار إن رأوا رجلاً عاملاً مجتهداً ناجحاً في عمله أو دعوته لا ينصبونه خوفاً على كراسيهم منه... اتقوا الله فليس كل عامل ناجح يريد علواً في الأرض.
- أخي المسلم: إياك أن تغتر بمنصبك وتتكبر وتتجبر على خلق الله, ولا تحسبن أن المنصب أو كثرة المال هما اللذان سيرفعان من شأنك في المجتمع, ويعليان من قدرك وسط الناس، فكم ممن يريدون العلو لا يزيدهم ذلك إلا سفولاً، واعلم أن المال ما هو إلا فتنة يُبتلى بها المرء، فإما أن يشكر وإما غير ذلك، فلتجعل سلطانك ومنصبك في خدمة الناس لا ظلمهم, ولتجعل مالك سبيلا للتقرب إلى الله، وتذكر أن الكفن ليس له جيوب, فإذا توفاك الله, وحُملت على الأكتاف, ووُضعت تحت الثرى, رجع عنك مالك وأولادك, ولم يبقَ إلا عملك فى الدنيا.
والله الموفق والمستعان.
والله الموفق والمستعان.
Abuqutiba@hotmail.com
لاتوجد تعليقات