السياسة الشرعية – انتشار دعوة محمد بن عبد الوهاب (2)
لم تقتصر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية على الجزيرة العربية ومصر فقط, بل امتدت جذورها إلى مناطق متعددة، مثل: الشام والعراق والمغرب العربي.
أما الشام: فقد أُعجب الولاة العثمانيون بهذه الدعوة منذ أن بدأت تهب إليهم رياحها العطرة؛ نظرًا للارتباط التجاري بين بلاد الشام وبلاد نجد, وتوافر علماء المذهب الحنبلي وكتبهم مما سهل ذهاب طلبة العلم من نجد إلى الشام لدراسة المذهب الحنبلي. لذلك رفض والي الشام وكذلك العراق غزو نجد ودولة آل سعود, فزعموا للسلطان العثماني بأن مصر وحدها قادرة على غزو الحجاز.
وكانت هناك أصوات تدعو للإصلاح واتباع الدعوة الإصلاحية، مثل الشيخ جمال الدين القاسمي, والشيخ عبد الرزاق البيطار وغيرهم؛ حيث درسوا دعوة الشيخ محمد وأُعجبوا بها, فقاموا بنشرها في شتى أرجاء الشام, وقد لاحقت الدولة العثمانية الشيخ جمال الدين القاسمي, وأحالته للقضاء بتهمة نشر الدعوة (الوهابية) وذلك سنة 1908م, لكن القضاء برّأه. قال الأستاذ محمد كرد علي في صحيفة القبس: وقلما رأينا شعبًا من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والإخلاص مثل هؤلاء القوم, وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم سنين طويلة, فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد أنملة.
والأستاذ أمين سعيد في كتابيه: سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب, وتاريخ الدولة السعودية؛ حيث كان متأثرًا بالمنهج الإصلاحي للدعوة التصحيحية, وكان مما قاله عنها: وانتشرت الدعوة في بلاد العرب, وبلاد الإسلام, وسرى نورها في أرجائها؛ فأقبل عليها الكثيرون, وأخذوا بها، وتفاعلوا معها, واستجابوا لها, فكانت الأم الكبرى لهذه النهضات التي عمت بلاد العرب وبلاد المسلمين, وضرب الشيخ محمد, صاحب الدعوة «الوهابية» الأمثال على تجرده ونزاهته، وعلى أنه لم يرد من دعوته سوى وجه الله وحده, وإصلاح حال أمته، والنهوض بها، وإنقاذها من ظلمات الجهالة التي كانت تغمرها.
وفي العراق: عرف كثير من أهل السنة حقيقة الدعوة الإصلاحية, منذ امتداد الدولة السعودية الأولى التي وصلت إلى كربلاء والسماوة, وبعد سقوط الدرعية وتدميرها, هاجر كثير من الأسر، وسكنوا بغداد, فضلاً عن بقية مدن العراق التي سكنها كثير من جاليات نجد, فضلاً عن التبادل التجاري بين الجزيرة العربية والعراق, كل هذا سمح بجذور راسخة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
وتأثر بتلك الدعوة كثير من علماء العراق، منهم: عائلة الألوسي التي تتمثل في السيد محمود شكري الألوسي الذي ألّف كتاب: تاريخ نجد, والسيد يحيي الأثري, والشيخ عبد الوهاب أفندي، وغيرهم.
أما في المغرب العربي: فقد أثّر في أهل المغرب كتاب الإمام سعود بن عبد العزيز، الذي أرسله إليهم بعد دخوله مكة, وبان هذا الأثر في أربعة من سلاطينهم، وهم: محمد بن عبد الله العلوي, سليمان بن محمد بن عبد الله, إبراهيم بن سليمان بن محمد بن عبد الله, الحسن الأول, فقد اهتموا بهذه الدعوة, ورأوا أنها على حق وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
والله الموفق والمستعان.
لاتوجد تعليقات