السنن الإلهية (9) الأسباب والمسببات
- نعم، الله قادر على أن يرزقك مليون دينار، وبين يوم وليلة تصبح ثريا واسع الثراء، تملك كل ما يخطر على بالك، ولكن أفعال الله -عز وجل- ليست عشوائية، فهو الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه الصحيح، العليم الذي يفعل كل شيء وفق علم محيط بكل شيء؛ ولذلك جعل لكل أحداث الحياة أسبابا، خلق قانون الأسباب والمسببات، مع تذكيره عباده ألا ينسوا الله، وهم يتعاملون مع هذا القانون. أخي الأصغر (جابر) يحلم بأمور كثيرة، أصفها بأنها مجرد (أماني)، أحلامه تتطلب أمورا كثيرة لا يملكها، ولا يملك الجهد ليبذله من أجل تحصيلها. - الماديون يؤمنون بالأسباب والمسببات مطلقا، بمعنى تفعل كذا يحصل كذا، وهذه النظرة المادية، يجب أن تكون عند المؤمن، مع إضافة الاستعانة بالله والتوكل عليه لتحقيق الأهداف، مثلا: إذا اجتمعت ظروف معينة، يتكون السحاب في السماء، وإذا أضيفت لها ظروف أخرى، نزل المطر، ولكن وراء كل ذلك، إرادة الله، كما قال -تعالى-: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} (فاطر:9)، ويقول -تعالى-: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأعراف:57). كان (جابر) ينصت إنصات التلميذ الذي يحاول أن يفهم شرح الدروس من معلمه. - فالإنسان يتعلم هذه الأسباب حتى يتمكن بتنبؤ الأحوال الجوية، وعلم البشر محدود، مهما تقدموا؛ فالله -عز وجل- يعلم بسقوط كل قطرة ماء، متى وكيف؟ ولله المثل الأعلى، فعلم الأرصاد الجوية ليس من علم الغيب، وإنما من الأسباب والمسببات، وكلما عرف البشر تفاصيل الأسباب كان تنبؤهم أدق. - دعنا من الظواهر الكونية، نعلم أنها كلها أسباب ومسببات من عند الله، الليل والنهار، الصيف والشتاء، الشمس والقمر، ماذا عن الأمور التي تخص البشر؟ الرزق مثلا. - الأهم من الرزق، الهداية، وذلك أن كثيرا من الناس يحتج بآيات من كتاب الله بأن الهداية من الله، ولا دخل للإنسان فيها، وهذا خطأ فادح، وذلك: «أن من طلب الهداية بصدق وبذل أسبابها الصحيحة، ينال الهداية»، بتوفيق الله مع بالأسباب. قاطعني: - ولكن آيات كثيرة، عن كتاب الله ورد فيها: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (البقرة:272). {لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (النور:46). أخذ صاحبي يبحث في هاتفه، وهذه آيات أخرى: {إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (فاطر:8). {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} (المدثر:31). {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (إبراهيم:4). استوقفته.. - هذه الآيات وغيرها التي تذكر مشيئة الله، (من يشاء)، تحمل على مشيئة الله (ليست عشوائية)، وضع عشرة خطوط تحت هذه (ليست عشوائية)، بل بحكمة وعلم ولطف ورحمة، العبد الذي يبذل أسباب الهداية، وهي الإخلاص والصدق واتباع الرسول وتطبيق أوامر الله، يهديه الله، والذي يعرض عن الصلاة والقرآن وأوامر الله، يتركه الله لما اختار، وهذا معنى (يضله الله)، أسباب الهداية، تؤدي للهداية، وأسباب الضلال تؤدي إلى الضلال، وهذه الآيات تشبه الآيات الأخرى التي تذكر مشيئة الله، مثل قوله -تعالى-: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (المائدة:40)، فهل يعذب الله الصالحين، المؤمنين، التائبين، كلا، وهل يغفر للمشركين، كلا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (النساء:48). الله خلق الأسباب والمسببات، أمرنا أن نأخذ بها دون أن ننسى خالق الأسباب والمسببات، هذه هي العقيدة الصحيحة، أما التعلق المادي التام بالأسباب، فإنه إلحاد، وإن كان يؤدي إلى التقدم والرفعة والتمكن في الحياة الدنيا، وإما إلغاء الأسباب والمسببات والتقاعس، فإنه يؤدي إلى الهلاك والضلال والضياع في الدنيا والآخرة، كما قال الله -تعالى- عن المشركين: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}(الأنعام:148). وكذلك: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (النحل:35). خلاصة الأمر يا (أبا جراح)، أن الله جعل لهذا الكون وللمجتمعات وللأفراد قانونا وسنة إلهية هي الأسباب والمسببات، إذا توفرت الأسباب تحققت النتائج، في الظواهر الكونية، البشر يتعلمونها ليتأهلوا للاستعداد لما سيأتي، وفي المجتمعات والأفراد، ينبغي أن يأخذ المرء بالأسباب حتى يعيش كما يرضى الله، ويموت على ما يرضي الله، إن كان يريد الخير لنفسه ولمجتمعه.
لاتوجد تعليقات