السنن الإلهية (4) في القرآن
صاحبي متخصص في علوم اللغة، أستمتع بحديثه إذا شرح آية من كتاب الله -عز وجل-، قد تستمع إليه لأكثر من خمسين دقيقة وهو يتناول تفسير (سورة الكوثر)، ثلاث آيات فقط! اجتمعنا في المكتبة، الرواد الدائمون للمسجد، بعد صلاة العصر، وكنا صياما، بدأ الدكتور زياد حديثه. - القرآن كتاب الله -عز وجل-، فيه الهدى والبيان، لكل ما يحتاجه العبد، فصّل ما يحتاج إلى تفصيل، وأوجز ما لا حاجة إلى زيادة بيان، في العقيدة والعبادة والمعاملات والأخلاق، والعلاقات البشرية، كتاب كامل لا نقص فيه ولا عيب ولا زيغ، كما قال -تعالى-: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل:89). أخذ المصحف الذي كان أمامه، وقد وضع فيه قصاصات ليصل إلى الآيات التي يريد الاستشهاد بها. - لو تتبعنا مادة (السنن) في كتاب الله، لوجدناها ترد في سياقين {سنة الأولين} (الأنفال:38 - الحجر:3- الكهف:55- فاطر:43)، و{سنة الله} (الإسراء:77- الأحزاب:62- فاطر:43- الفتح:23)، وكلام التعبيرين مترادفان؛ لأنهما يشيران إلى ما أنزل الله من العذاب بالأمم السابقة، ممن كذبوا أو استهزؤوا بالأنبياء، ولو تتبعنا بدقة كلمة (سنة)، لوجدنا أن هذا اللفظ ورد في ستة عشر موضعا، منها أربعة عشر موضعا بالإفراد، وموضع فيه بالجمع، وبتفصيل آخر، تسعة مواضع مضافة إلى الله -عز وجل- وموضع واحد مضاف إلى الرسل وأربعة مواضع مضافة إلى الأولين، وموضع واحد مضاف إلى (الذين من قبل)، وجاء في موضع واحد نكرة مجردا عن الإضافة بصيغة الجمع. قطع حديثه الجاد مازحا. - هل تتابعون الأرقام، حتى تتأكدوا أن المجموع ستة عشر أم أن الصيام أتعبكم وتريدون الاستماع دون تركيز؟! أجبته: - بل كنت أجمع الأرقام: (14+2) و(9+1+1+4+1). - كنت أمزح معكم، لنرجع إلى موضوعنا (سنن الله). - هذه الكلمة توزعت في عشر سور، خمس منها مكية، وهي: (الحجر والإسراء والكهف وفاطر وغافر)، وخمس مدنية، وهي: (آل عمران، والنساء، والأنفال، والأحزاب، والفتح)، وهي الآيات التي وضعت القصاصات عندها في هذا المصحف. ولو أردنا أن نلخص محور هذه الآيات يمكن أن نقول: إنها أخبار عن نهوض الأمم وسقوطها، وربط الأسباب بالمسببات والمقدمات بالنتائح بطريقة أشبه ما يكون بالمعادلات الرياضية التي تحكم عالم المادة، هذه الآيات تحض المؤمنين على السير في الأرض -سيرا حسيا أو معنويا، للتفكر في أحوال هذه الأمم، وفيها حض للتفكر وإعمال العقل، ليلتفت إلى السنن التي توجه الأحداث. وغاية هذه الآيات الإيمان بالسنن الإلهية والعمل بمقتضاها، أفرادا ومجتمعات وأمما، وإليكم بعض الآيات، وأنصح بقراءة تفسيرها: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} (الأنفال:38). {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} (فاطر). {وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلً} (الإسراء). {مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب). {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلً} (الأحزاب). {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلً} (الفتح). {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (آل عمران). {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} (النساء). ومن الآيات التي ذكرت سننا إلهية دون استخدام (سنن): {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران:160). {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:7). {لَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج). {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (المجادلة:21). وغيرها كثير في كتاب الله فلنتدبرها.
لاتوجد تعليقات