رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 15 يوليو، 2024 0 تعليق

السنن الإلهية (2)

في زيارة قصيرة إلى الرياض، عاصمة المملكة، استقبلني صاحبي في المطار، وكعادته لم يترك لي المجال أن أنزل إلا في بيته، وهكذا اعتدنا منذ أكثر من خمس عشرة سنة، إذا زار الكويت فمكانه منزلي وإذا زرت الرياض مكاني منزله، وصلت بين صلاة العصر والمغرب، وكنت قد جمعت صلاتي الظهر والعصر قبل الصعود للطائرة. - سوف تتفاجأ وتنبهر لما ستراه من تغير في مدينتنا. - إيجابا أم سلبا؟ - لا يخلو أمر في الدنيا من هذين، ولكن أظن الإيجابيات أكثر من السلبيات، أخبرني عن آخر مشاريعك الكتابية؟ - انتهيت -بفضل الله- من  (أعمال القلوب، والطاعات والذنوب)، وبدأت أكتب عن  (السنن الإلهية). - ما شاء الله! اختيارك للعناوين جميل جدا، يلفت الانتباه، ويشوق القارئ لمعرفة المحتوى، لقد اطلعت على (أعمال القلوب)، من خلال موقعك على الشبكة العنكبوتية، واستمتعت بكثير من المواضيع بل واستفدت كثيرا. وماذا في (السنن الإلهية)؟ - سنن الله -سبحانه وتعالى- وقوانينه الثابتة في الكون، والأمم،  والأفراد، قوانين العزة والتمكين، قوانين الهلاك والعذاب، قوانين النذر، قوانين الرزق، وهكذا، كانت الطريق سالكة، بالقرب من المطار، ولكنها أخذت في الازدحام كلما اقتربنا من مركز المدينة، وظهرت مشاريع البناء والطرق والمباني الجديدة. تابعنا حديثنا بعد التعليق على هذه المشاريع وتفاصيلها. - ولماذا سميتها (سنن إلهية) وليس (سنن ربانية)؟ - الله -سبحانه وتعالى- وصفها بذلك، يقول -تعالى-: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب). ويقول -تعالى-: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الفتح). ويقول -تعالى-: {وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} (الإسراء). ويقول -عز وجل-: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر). قاطعني (أبو محمد). - إن  لم تخني الذاكرة، كلمة سنة، تكتب في المصحف بتاء مفتوحة وتاء مربوطة، هل من سبب لذلك؟ مع أنها في الإملاء ينبغي أن تكون بتاء مربوطة. - أحسنت أبا محمد، نعم  لقد لفت نظري هذا الأمر منذ فترة، وبحثته في الكتب التي تناولت الرسم العثماني للقرآن، وإن لم تخني الذاكرة هناك ثلاث عشرة كلمة وردت بهذا الشكل، وهي: (رحمة - رحمت) (نعمة - نعمت) (سنة - سنت) (امرأة- امرأت) (ابنة - ابنت) (لعنة - لعنت) (شجرة - شجرت) (جنة - جنت) (معصية - معصيت) (فطرة - فطرت) (قرة - قرت) (بقية -بقيت) (كلمة - كلمت). والسبب -كما قال أهل الاختصاص-: إن التاء المربوطة تأتي إذا كان الأمر عاما ولا يتعلق بمخصوص، وتأتي بالتاء المفتوحة إذا كانت مرتبطة بشخص أو فئة، أو مكان أو حدث محدد، ودعني أوضح لك بأمثلة. قوله -تعالى-: {لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّه} (الزمر:53)، شاملة عامة لجميع الذين أسرفوا، بل للبشر جميعا، وقوله -تعالى-: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} (هود:73)، جاءت لإبراهيم وزوجه عندما بشر بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب -عليهم السلام-، فهذه خاصة بهم، ولو رجعنا إلى موضوعنا، (سنة الله)، تأتي بالتاء المربوطة، إذا كانت عامة، لا تحدد فئة، كما في قوله -تعالى-: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب)، وتأتي بالتاء المفتوحة إذا كانت في فئة: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر:43)، هذه خاصة بعذاب أهل المكر السيء. ووردت (سنت) بالتاء المفتوحة خمس مرات في كتاب الله. - أول مرة أعرف هذه المعلومة الدقيقة عن رسم القرآن. - علوم القرآن لا يحيط بها أحد، وإنما يجتهد العلماء في دراستها وفهمها وشرحها، هذا كلام الله -عز وجل-، المعجزة، الحجة على البشر جميعا، بكل ما فيه من أخبار، ووعد، ووعيد، وبيان، وهداية، بعد الرسل وآخرهم رسول الله محمد بن عبدالله -[-، حجة الله على الخلق، كتابه العزيز: {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت:42).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك