رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 21 أكتوبر، 2024 0 تعليق

السنن الإلهية (16) سنة الاستدراج

- لغة، استدرجه، أدناه منه على التدريج فتدرج معه، درجة بعد درجة، وفي (المفردات)، سنستدرجهم، نأخذهم درجة فدرجة، وفي (المفردات)، سنستدرجهم، نأخذهم درجة  فدرجة، فلم نباغتهم، بل نجرهم إلى العذاب قليلا قليلا. يحتاج العبد أن تكون لديه ثوابت، لا يحيد عنها مهما تكالبت عليه المصائب وتغيرت من حوله المعطيات، ثوابت في العقيدة، بتفاصيلها كلها. - هل لنا بتفصيل أكثر شيخنا الفاضل؟ - في زمننا هذا يفتن كثير من الناس بما لدى الكفار والملحدين، بل والفسقة والفجرة، من متاع الدنيا، مع ما في المسلمين من ضعف، وذلة، وفقر، وتخلف؛ وذلك أن حال المسلمين نتيجة ما كسبت أيديهم، وما لدى الكافرين استدراج من الله -عز وجل-، كانت خاطرة علمية، لأحد أساتذتنا في كلية  الشريعة، ألقاها دون سابق ترتيب بعد صلاة المغرب، وعادة شيخنا أنه إذا قدم للصلاة، أن يلقي خاطرة بعدها. - لو تتبعنا آيات الكتاب التي ذكر الله فيها الاستدراج، نجد أن الله يستدرج الكافرين والعصاة والمكذبين بالرسل، بمعنى أن الله يمهلهم، وربما وسع عليهم من أمور الدنيا، ثم إن تمادوا أخذهم فلم يفلتهم، كما في الحديث، ولنقرأ شيئا من هذه الآيات، يقول -تعالى-: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (الأعراف: 182-183)، ويقول سبحانه-: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي هُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينُ} (القلم). أي: دعني والمكذبين بالقرآن العظيم فإن علي جزاءهم، ولا تستعجل لهم {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} فنمدهم بالأموال والأولاد، ونمدهم في الأرزاق والأعمال؛ ليغتروا ويستمروا على ما يضرهم فإن هذا من كيد الله لهم، وكيد الله لأعدائه، متين، قوي يبلغ من ضررهم وعذابهم فوق كل مبلغ. ومعنى {مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} أن استدراجهم المفضي إلى حلول العقاب بهم أحوال وأسباب لا يتفطنون إلى أنها مفضية بهم إلى الهلاك ، وذلك أجلب لقوة حسرتهم عند حلول المصائب بهم. {وَأُمْلِي لَهُمْ} أي: أُمْهِلُهُم حتى يظنوا أنهم لا يؤخذون ولا يعاقبون، فيزدادون كفرا وطغيانا وشرا إلى شرهم وبذلك تزيد عقوبتهم، ويتضاعف عذابهم، فيضرون أنفسهم من حيث لا يشعرون، ولهذا قال: {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي: قوي بليغ. ويبين الله المراد من توسعة متاع الدنيا على الكفار؛ وذلك لتثبيت المؤمنين وبيان سنة إلهية نافذة فيقول -سبحانه-: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)} (آل عمران)، ويقول -سبحانه- نافيا منطق الكفار بأنهم في سعة من عيشهم لمكانتهم عند الله: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا غُلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا تُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (آل عمران : 178)، من جهلهم واغترارهم بمتاع الحياة الدنيا ظنوا أن الآخرة كالدنيا، ينعم عليهم فيها أيضاً بالمال والولد، كما أنعم عليهم في الدنيا - وجاء مبيناً في آيات أخر، كقوله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لي وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً وَلَئِن رَجَعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى} {فصلت:50)، وقوله: {أَفَرَأَيْتَ الذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} (مريم: 77)، وقوله: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذِّبِينَ} (سبأ:35)، وفي أحوال الأمم السابقة عبرة لأولي الألباب ولا سيما عندما ردوا دعوة رسلهم وحاربوهم واستهزؤوا بما جاءت به رسلهم يقول -تعالى-: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ(32)} (الرعد). وقد استهزأ قوم نوح به -عليه السلام-: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} (هود:38)، واستهزأت عاد بهود -عليه السلام-: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الشعراء : 187) ، واستهزأت ثمود بصالح -عليه السلام- {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (الأعراف: 66) ، واستهزؤوا بِشُعيب -عليه السلام-: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} (هود:87)، واستهزأ فرعون بموسى -عليه السلام-: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الزخرف:43). كانت الخاطرة سلسلة مترابطة، مركزة، لم يترك أحد من المصلين مكانه حتى انتهى الشيخ من خاطرته، صاحبته، بعد الأذكار وأداء سنة المغرب. - هذه سنة عظيمة من سنة الله -عز وجل- يغفل عنها الناس. - بل يغفل عنها من لم تتمكن العقيدة من قلبه، ولم يملأ نور العلم صدره، ذلك أن الناس يرون ظاهر الحياة ويغترون بها، وسنن الله، ولاسيما في الأمم لا يراها الإنسان خلال حياته القصيرة؛ لأنها تحدث على مدى مئات السنين، كما قال -تعالى-: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (الحج:47)؛ فالمؤمن يجزم بما سيحدث في الأفراد والأمم، ولا يشك أن وعد الله حق، وسنته -سبحانه- نافذة، وما تأخر حدوثها إلا لحكمة ولكن الإنسان عجول!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك