رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 6 أكتوبر، 2024 0 تعليق

السنن الإلهية (14) سنن التمييز بين الطيب والخبيث

- من القوانين الإلهية أنه -سبحانه- لا يساوي بين المختلفات، ولا يفرق بين المتماثلات. - هذه عبارة مجملة، صعبة الفهم، هلاّ ذكرتها بكلمات أسهل، وبأمثلة حتى يفهمها عامة الحضور. كانت هذه مقدمة درس حضرته في إحدى ديوانيات رواد المسجد، يجتمعون كل ثلاثاء بعد صلاة العشاء، ربما يقرؤون كتابا يشرحه أحدهم، أو يدعون شيخا أو متخصصا في مجال الاقتصاد أو الطب أو العلوم السياسية؛ ليلقي لهم الضوء على جونب من تخصصه. الحضور متقاعدون أغلبهم، وبعض طلبة الجامعة. - من الممكن أن نعطي أمثلة كثيرة من كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذه القاعدة، مثل قول الله -تعالى-: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} (السجدة). وقوله -تعالى-: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم). وقوله -عز وجل-: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الأنفال:37)، وقوله -سبحانه-: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت). وقوله -عز من قائل-: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} (العنكبوت:11). هذه الآيات وغيرها كثير تبين أن سنة الله في البشر أن يميز الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، والصالح من السيء، ومن آمن بصدق وإخلاص ومن أظهر الإيمان وأخفى غيره. وإليكم بعض ما ورد في كتب التفسير في بيان هذه السنة الإلهية والقانون الرباني. لم يجعل الله إيمان النّاس حاصلاً بخوارق العادات، ولا بتبديل خَلْق العقول، بل جعله -سبحانه- باختيار العبد وجعل للإيمان اختبارات ليميز الخبيث من الطيب وهذا هو القانون الذي بينه -سبحانه- بقوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت:3)، وقوله -سبحانه-: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} (العنكبوت:11)، فيكون معنى: {وليعلمن اللهُ} لِيُظْهِرَ عِلْمَهُ لِلنَّاسِ بِظُهُورِ الْمَعْلُومِ لَهُ، أَيْ يَعْلَمُ النَّاسُ ذَلِكَ وَيُميّزُونَهُ. وَجَعَلَ جَهَنَّمَ مَأْوَى لِلْكُفَّارِ وَحْدَهُمْ فِي الآخِرَةِ ; لِأَجْلِ أَنْ يُمَيِّزَ الْكُفْرَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْحَقَّ وَالْعَدْلَ مِنَ الْجُوْرِ وَالطِّغْيَانِ، فَلَنْ يَجْتَمَعَ فِي حِكْمَتِهِ سُبْحَانَهُ الضّدَّانِ، وَلَا يَسْتَوِي فِي جَزَائِهِ النَّقِيضَانِ {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَفْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (المائدة:100) الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ الْمَعْنَوِيَّانِ فِي حُكْمِ الْعُقَلَاءِ وَالْفُضَلَاءِ، كَالْخَبِيثِ وَالطَّيِّبِ الْحِسَيَّيْنِ فِي حُكْمِ سَلِيمِي الْحَوَاسِ.. فَالْخَبِيثُ فِي الدُّنْيَا خَبِيثٌ فِي الْآخِرَةِ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا} أَيْ وَيَجْعَلُ -سُبْحَانَهُ- الْخَبِيثَ بَعْضَهُ مُنْضَمًّا مُتَرَاكِبًا عَلَى بَعْضٍ بِحَسَبِ سُنَّتِهِ -تَعَالَى- فِي اجْتِمَاعِ الْمُتَشَاكِلَاتِ، وَانْضِمَامِ الْمُتَنَاسِبَاتِ، وائتلاف الْمُتَعَارِفَاتِ، وَاخْتِلَافِ الْمُتَنَاكِرَاتِ، ومن حكمته -سبحانه- ألا يطلع عباده على الغيب الذي يعلمه، فاقتضت حكمته الباهرة أن يبتلي عباده ويفتنهم بما به يتميز الخبيث من الطيب من أنواع الابتلاء والامتحان فأرسل رسله، وأمر بطاعتهم، والانقياد لهم، والإيمان بهم، ووعدهم على الإيمان والتقوى الأجر العظيم. فانقسم الناس بحسب اتباعهم للرسل قسمين: مطيعين وعاصين، ومؤمنين ومنافقين ومسلمين وكافرين، ليرتب على ذلك الثواب والعقاب وليظهر عدله وفضله، وحكمته لخلقه. وقوله -سبحانه-: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم). وإنكار جعل الفريقين متشابهين كناية عن إعطاء المسلمين جزاء الخير في الآخرة و حرمان المشركين منه؛ لأن نفي التساوي وارد في معنى التضاد في الخير والشر في القرآن وكلام العرب، قال -تعالى-: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ} (السجدة:18)، وقال: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (ص:28)، أفنجعل أيها الناس في كرامتي ونعمتي في الآخرة الذين خضعوا لي بالطاعة، وذلوا لي بالعبودية وخشعوا لأمري ونهيي كالمجرمين الذي اكتسبوا المآثم، وركبوا المعاصي، وخالفوا أمري ونهيي؟ كلا، ما الله بفاعل ذلك. فذلك معنى نفي المشابهة كقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} (الرعد:16)، وقوله -عز وجل-: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (19) عن قتادة قوله: «أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِنَا كَمَنْ كانَ فاسِقا لا يَسْتَوُونَ» قال: لا والله ما استووا في الدنيا ولا عند الموت ولا في الآخرة».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك