رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 9 سبتمبر، 2024 0 تعليق

السنن الإلهية (10) سنة المدافعة

في مجلس خاص جمعني وثلاثة من الأصدقاء القدامى، زملاء الدراسة في المرحلة الجامعية الأولى، طرحت موضوع السنن الإلهية. - هل تصنفه  ضمن مواضيع العقيدة؟ - نعم، ولست أنا الذي يصنف، وإنما هكذا تكلم عنه العلماء المختصون؛ وذلك أنه يتعلق بالله -عز وجل-، سنن الله في الكون والأفراد والمجتمعات. - لا نسمع كثيرا من يتحدث عنه، ولا نرى كتبا تشرحه كما في أبواب العقيدة الأخرى، مثل التوحيد والشرك والأسماء والصفات والنفاق والتوسل والشفاعة، وغيرها. - أظنك أصبت يا (أبا فهد)، رغم أهمية الموضوع، من درسه حق دراسته يستطيع أن يستشرف النتائج  قبل وقوعها، وإذا عرفها المؤمن يطمئن قلبه ويعلم أن الله -عز وجل- (بالغ أمره)، ويرى حكمة الله وعدله في البشر، دون محاباة، وذلك أن سنة الله ثابتة ومنها: عدم التفرقة بين المتماثلات وعدم التسوية بين المختلفات كما قال -تعالى-: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين}. كان مضيفنا هو أبو عبدالله  (أنور)، وأبو عبدالله (علي) رابعنا، كان الحوار هادئا هادفا مفيدا، كعادتنا في هذه المجموعة. تدخل  أبو فهد (عبدالرحمن): - أسمع عن سنة (التدافع)، ولم أبحث أو أقرأ عنها، فهل لك أن تبينها، إن كنت بحثتها؟ - نعم، (سنة التدافع) هي من قول الله -تعالى-: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة:251)، وتسمى (سنة المدافعة)، أو الصراع بين الحق والباطل، وهي سنة ماضية إلى يوم القيامة، تكون بالحجة والكلام والسلاح، وبكل أنواع المدافعة والصراع، يقول الله -تعالى-: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا} (الكهف:56)، وفعل المضارع (يجادل) يدل على الاستمرارية والدوام، ويذكر الله -عز وجل- نتيجة هذه المجادلة في الأمم السابقة في سورة غافر: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} (غافر:5). وفي سورة الحج يقول -تعالى-: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج:40). - دعوني أقرأ لكم ما ظهر لي في الهاتف بعد البحث وأنت  تتناقشون. أخذ (أبو عبدالله)  يقرأ من هاتفه: - في لسان العرب، الدفع: الإزالة بقوة، وتدافع القوم: دفع بعضهم بعضا، والمدافعة: المزاحمة، والاندفاع: المضي في الأمر، أما في سنن الله، التدافع بين الحق والباطل، لا بد منه لأنهما ضدان، والمقصود التدافع بين أهل الحق وأهل الباطل وذلك أن وجود أحدهما يستلزم إزالة الآخر؛ فلا يتصور أن يعيش أهل الحق وأهل الباطل في سلم من دون غلبة أحدهما على الآخر إلا لعلة، كضعف أصحابهما أو جهلهم أو ضعف تأثير علمهم عليهم. - كلام  جميل! وهنا يجب أن نبين أن للباطل قوة، لذلك لا بد للحق من قوة تحميه وتنصره، كما قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} (الأنفال:36)، والحق لا ينتصر لمجرد أنه حق، بل يجب أن تكون  له قوة مادية، وأسباب دنيوية تنصره على الباطل، فإذا بذل أهل الحق الأسباب، انتصروا وإلا فلا نصر، وقول الله - عز وجل-: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (الإسراء:81)، هذا بعد بذل الأسباب، وليس من فراغ، كما في قوله -تعالى-: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء:18). في تفسير الزمخشري: «ومن سنة الله أن يمحو الباطل ويثبت الحق بكلماته أي بوحيه أو بقضائه». وفي التحرير والتنوير: معنى الآية: أنه لولا وقوع دفع بعض الناس بعضاً بتكوين الله وإيداعه قوة الدفع وبواعثه في الدافع لفسدت الأرض، أي من على الأرض، واختل نظام ما عليها، ذلك أن الله -تعالى- لما خلق الموجودات التي على الأرض من أجناس وأنواع وأصناف، خلقها قابلة للاضمحلال، وأودع في أفرادها سننا دلت على أن مراد الله بقاؤها إلى أمد أراده، ثم إنه -تعالى- جعل لكل نوع من الأنواع، أو فرد من الأفراد خصائص فيها منافع لغيره ولنفسه ليحرص كل على إبقاء الآخر، فهذا ناموس عام، وجعل الإنسان بما أودعه من العقل هو المهيمن على بقية الأنواع. وأعظم مظاهر هذا الدفاع هو الحروب؛ فبالحرب الجائرة يطلب المحارب غصب منافع غيره، وبالحرب العادلة ينتصف المحق من المبطل. والآية مسوقة مساق الامتنان، فلذلك قال -تعالى-: {لفسدت الأرض} لأنا لا نحب فساد الأرض؛ إذ في فسادها بمعنى فساد ما عليها اختلالُ نظامنا وذهاب أسباب سعادتنا، ولذلك عقبه بقوله: {ولكن الله ذو فضل على العالمين}. وأما قوله -تعالى-: {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ هَدِّمَتْ صوامع وَبِيَعٌ وصلوات ومساجد يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّه مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}. اعتراض بين جملة {أذن للذين يقاتلون} (الحج: 39) إلخ، وبين قوله: {الذين إن مكناهم في الأرض} (الحج:41) إلخ، فلما تضمنت جملة: {أذن للذين يقاتلون} (الحج:39) إلخ، الإذن للمسلمين بدفاع المشركين عنهم أتبع ذلك ببيان الحكمة في هذا الإذن بالدفاع ، مع التنويه بهذا الدفاع ، والمتولين له بأنه دفاع عن الحق والدين ينتفع به جميع أهل أديان التوحيد من اليهود والنصارى والمسلمين، وليس هو دفاعاً لنفع المسلمين خاصة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X