السنن الإلهية (١٣) سنن الله في الظالمين
- ما حكم معرفة السنن الإلهية؟
- السنن الإلهية من فروض الكفاية، ولكن معرفتها تزيد المؤمن تعظيما لله واطمئنانا لوعده ويقينا بوعيده، وتيسر للعبد استشراف الأحداث قبل وقوعها، وذلك أن المقدمات تؤدي إلى نتائج محتومة، الماديون يتنبؤون بالنتائج بناء على معطيات مادية بحتة، أما المؤمن فهو أدق في معرفة الأحداث ونتائجها؛ لأنه أعلم بالقوانين الإلهية الثابتة والمطردة والشاملة لكل زمان ومكان ولكل الأمم والأفراد. صاحبي، كثير الأسئلة، يجب أن يعرف تفاصيل الأشياء، لا يكتفي بالعموميات، يزورني في المسجد مرة كل شهر بين المغرب والعشاء، أحاديثنا لا تخرج عن قضايا العقيدة والأحاديث النبوية، شرحا، وإسنادا.
- وما هي سنة الله في الظلم والظالمين؟
- أظنك تعرف الإجابة، ولكن دعني أذكر بعض آيات التي تبين هذه السنة الإلهية، يقول -تعالى-: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام:44-45)، ويقول -سبحانه-: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} (إبراهيم:13)، ويقول -عز وجل-: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (هود:102)، ويقول -سبحانه-: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} (الحج:45)، ويقول -عز وجل-: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} (الحج:48)؛ فهذه الآيات تبين أن الله يهلك الأمم الظالمة، وربما (يملي لها) أحيانا أي يتركها لفترة، ثم يأخذها أخذا شديدا؛ فسنة الله في الأمم الظالمة، إهلاكها، وإن كانت مسلمة، كما قال ابن تيمية -رحمه الله-: «إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة»، أما الأفراد، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيّن أن الظالم ينال جزاءه -في الغالب- في الدنيا قبل الآخرة، كما في الحديث عن أبي بكرة نفيع بن الحارث - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من ذنب أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والبغي» (صحيح أبي داوود)، وكذلك تحذيره - صلى الله عليه وسلم - من دعوة المظلوم، عندما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، فقال له: «اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» (البخاري).
- هذه الأحاديث يعرفها الجميع وقليل من يطبقها، وذلك أنهم يرون الظالمين يتمتعون ويمرحون، والمظلومون باقون في قهرهم ومظلمتهم. قاطعته: وهنا يأتي التفاوت في الإيمان واليقين، الناس درجات في إيمانهم بوعد الله ووعيده، منهم من لا يعتريه أدنى شك، أن وعد الله حق، ولا يخلف الله الميعاد، وأنه يهلك الظالم وينتصر للمظلوم، ولو بعد حين، وأن الله يمهل ولا يهمل، هذه العقيدة تضعف أحيانا عند بعض الناس إن لم يرو النتائج أمام أعينهم، أما أصحاب اليقين، فلا يشكون في أي من هذه الأمور؛ لأنها ثبتت في كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما قال -تعالى-: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا} (الإسراء:33)، وحرم الله -عز وجل- الظالمين (الفلاح)؛ فقال -عز وجل-: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (الأنعام:21)، وقال -تعالى-: {وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (القصص:37). دخل المؤذن كعادته قبل الموعد بعشر دقائق، شاركنا المجلس ينتظر أن يحين الوقت. - وفي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنه الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (هود:102)، ومن الهدي النبوي، أن المسلم يجب عليه نصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم، ومنع وقوع الظلم، كما في الحديث: عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده» ( صحيح ابي داوود). وفي تفسير قول الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأنعام:129) نجعل بعضهم أولياء بعض، وجعل الفريقين ظالمين؛ لأنّ الذي يتولّى قوماً يصير منهم ، فإذا جعل الله فريقاً أولياء للظالمين فقد جعلهم ظالمين، قال -تعالى-: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (هود:113)، وقال: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة:51)؛ ولذلك قال المفسرون: يجوز أن يكون معنى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} نجعل بعضهم ولاة على بعض، أي نسلّط بعضهم على بعض، وقد تشمل الآية بطريق الإشارة كل ظالم، فتدل على أنّ الله سلّط على الظالم من يظلمه، ومن أجل ذلك قيل: إن لم يُقلع الظالم عن ظلمه سُلّط عليه ظالم آخر. قال الفخر: إن أراد الرّعيّةُ أن يتخلّصوا من أمير ظالم، فليتركوا الظلم.
لاتوجد تعليقات