رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبو عبد الأعلى محمد سعد عبد السلام 16 سبتمبر، 2014 0 تعليق

السنة النبوية من العهد النبوي إلى التدوين

هناك حيث قناة مظلمة سوداء تبث سمومها جلس هذا المتورم على كرسيه منتفخا يحسب نفسه شيئا يتكلم ملء فيه يقول :

يكفينا القرآن !! لا نريد الأحاديث !!! البخاري هذا مشكوك فيه !!!! وغير ذلك من الأباطيل

وكأني بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- يخبرنا فيه عن هذا وأمثاله فيقول: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ» أخرجه أبو داود في سننه (4604) ، والترمذي في سننه (2664) ، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (2870).

انطلاقا من هذا الحديث : هذه سلسلة بعنوان (السنة النبوية من العهد النبوي إلى التدوين).

نجيب من خلالها عن أسئلة عدة ينبغي على المسلم أن يكون على علم بها ، وذلك حتى يعلم دينه ويحصنه قبل ورود الشبهات ، فكثير ممن بُثت فيهم سموم هؤلاء المتورمين إنما كانت من قبيل قول مجنون بني عامر:

أتانِي هواها قبلَ أنْ أعرفَ الهوَى

                                     فصادفَ قلبِاً خالياً فتمكَّنا   

                                                                                                                   الحيوان للجاحظ (1/111)

 

     لذا ينقل لنا ابن القيم نصيحة شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول ابن القيم: «قَالَ لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عَنهُ، وَقد جعلت أورد عَلَيْهِ إيرادًا بعد إِيرَاد: لا تجعل قَلْبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها فَلَا ينضح إلا بهَا, وَلَكِن اجْعَلْهُ كالزجاجة المصمتة تمر الشُّبُهَات بظاهرها, وَلَا تَسْتَقِر فِيهَا, فيراها بصفائه, ويدفعها بصلابته، وَإِلَّا فإذا أشربت قَلْبك كل شُبْهَة تمر عَلَيْهَا صَار مقرًّا للشبهات.

                                                                                              مفتاح دار السعادة (1/140)

 

لذا يجب على العلماء والدعاة وطلاب العلم أن يحصنوا قلوب المسلمين بأن يُشربوهم الحق فحينئذ تأتي الشبهات فتجد قلبا صلبا بالحق الذي فيه.

هذه الأسئلة مثل:

1- ما هي السنة ؟

2- هل هي لازمة أم يكفينا القرآن؟

3- هل هي وحي من عند الله وحق ؟

4- كيف جاءتنا السنة ؟

5- هل دونت وكتبت ؟ ومتى ؟

6- من هو البخاري؟ وما هي قصة كتابه الصحيح ؟

7- ماذا نفعل في الأحاديث التي لا تدخل عقولنا؟

وغير ذلك من الأسئلة التي تشغل بال الكثيرين من جماهير المسلمين اليوم

فبداية نقول - والله المستعان وعليه التكلان -:

أما السؤال الأول : ما هي السنة ؟

فالجواب : السنة في لغة العرب: «الطريقة والعادة مرضية كانت أو غير مرضية».

التعريفات للجرجاني (ص161)

 

     وأما المقصود بالسنة هنا: فهي كل ما أضيف ونسب للنبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف، فكل ما صدر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قولا أو فعلا أو تقريرا أو وصفا هذا هو ما يسمى بالسنة ، ويسمى كذلك بالحديث النبوي الشريف، ويسمى كذلك بالأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولنأخذ مثالا على كل قسم من هذه الأقسام:

القول: هو ما يقوله النبي -صلى الله عليه وسلم- سواء كان ابتداء منه دون سبب حادث أو لأجل سبب ورد لأجله القول .

مثال القول :

ما رواه البخاري (8) ومسلم  (19) في صحيحيهما عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»

الفعل : أن يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فعلا فينقله لنا أحد أصحابه

مثال الفعل:

ما رواه البخاري (168) ، ومسلم (268) في صحيحيهما عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها-، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ»

ففي هذا الحديث تنقل أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – فعلا للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو التيمن أي البداءة باليمين في لبسه النعل، وترجله، وطهوره ، وفي شأنه كله .

     التقرير: هو أن يُقرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قولَ غيره أو فعلَ غيره ، إما بسكوته عنه أو أن يُقره بالقول ، أو يُقره بالفعل؛ حيث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مأمور بالبيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة في حقه لا يجوز ، ولا يصح منه – صلى الله عليه وسلم – أن يسكت على باطل ومنكر.

مثال التقرير بالقول:

     ما رواه البخاري (1968) في صحيحه عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ؟ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ: سَلْمَانُ قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ سَلْمَانُ»

ففي هذا الحديث قال سلمان لأبي الدرداء « إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» ، فأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله :«صدق سلمان»

مثال التقرير بالفعل :

     ما رواه البخاري (2570) ، ومسلم (1196) عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَازِلٌ أَمَامَنَا وَالقَوْمُ مُحْرِمُونَ، وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي، فَلَمْ يُؤْذِنُونِي بِهِ، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، وَالتَفَتُّ، فَأَبْصَرْتُهُ فَقُمْتُ إِلَى الفَرَسِ، فَأَسْرَجْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ، وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا: لاَ وَاللَّهِ، لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَغَضِبْتُ، فَنَزَلْتُ، فَأَخَذْتُهُمَا، ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا وَخَبَأْتُ العَضُدَ مَعِي، فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ العَضُدَ، فَأَكَلَهَا حَتَّى نَفِدَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ.

ففي هذا الحديث أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأكله من الصيد جواز أكل المحرم ما صاده الحلال، إذا لم يُصَدْ من أجله.

مثال التقرير بالسكوت

     ما رواه البخاري (5207)، ومسلم (1440) في صحيحهما ، واللفظ لمسلم،  عَنْ جَابِرٍ – رضي الله عنه - قَالَ: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمْ يَنْهَنَا».

ففي هذا الحديث بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أصحابه يعزلون فلم ينههم عن ذلك ، فدل سكوته وعدم إنكاره على جواز ذلك .

القسم الرابع: ما أضيف للنبي -صلى الله عليه وسلم- من وصف ، وهذا قسمان:  أحدهما: وصف خُلُقي ، والثاني: وصف خَلْقي

مثال الوصف الخُلُقي:

ما رواه البخاري (3562)، ومسلم (2320) في صحيحيهما عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا»

فهنا يصف أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – حياء النبي صلى الله عليه وسلم – وهذه صفة خُلُقية له.

مثال الوصف الخَلْقي:

     ما رواه البخاري (3548) ، ومسلم (2347) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ بِالطَّوِيلِ البَائِنِ، وَلاَ بِالقَصِيرِ، وَلاَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ، وَلَيْسَ بِالْآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ القَطَطِ، وَلاَ بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ»

فهنا ينقل لنا أنس -رضي الله عنه- جملة من أوصاف النبي -صلى الله عليه وسلم- الخَلْقية .

وبهذا نكون قد أجبنا عن السؤال الأول وهو : ما هي السنة ؟

وكان الجواب : هي كل ما أضيف للنبي -صلى الله عليه وسلم -من قول ، أو فعل، أو تقرير، أو وصف .

وقد أعطينا مثالا على كل قسم منها .

وفي المقال الثاني إن شاء الله -تعالى- نجيب عن سؤال آخر .

ألقاكم على خير بإذن المولى الكريم 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك