رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبو عاصم البركاتي المصري 16 مارس، 2015 0 تعليق

السنة التقريرية ودلالتها على الأحكام الشرعية (1)

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد: فإن الاهتمام بدراسة السنة النبوية ودلالتها على الأحكام الشرعية دأب عليه الباحثون في القديم والحديث؛ وذلك لأن الغاية من النصوص الشرعية إدراك الحكم الشرعي الذي جاءت النصوص لأجله والعمل بمقتضاه إن كان حكما عمليًا، أو الإيمان والتصديق بما دل عليه من الغيبيات والعقائد.

وفي هذه المقالات نعتني -حسب الوسع- بدراسة السنة التقريرية، وبيان إفادتها للأحكام الشرعية ودلالتها عليها، لاسيما وقد اتفق الأصوليون على أن السنة التقريرية أحد أقسام السنة مع السنة القولية والسنة الفعلية، وزاد آخرون السنة الوصفية لرسول الله صلى الله عليه وسلم  يعني ما وصفه به الصحابة -رضي الله عنهم- من صفاتٍ خُلُقِيَّةٍ أو صفاتٍ خَلْقِيَّةٍ.

أولا: التعريف بالتقرير:

التقرير لغة: بمعنى الإقرار وهو الموافقة والإذعان والاعتراف.

وفي الاصطلاح: عدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم  قَوْلاٍ أو فِعْلاٍ قِيلَ أو فُعِلَ بين يَدَيْهِ أو في عَصْرِهِ وَعَلِمَ بِهِ، وقد يكون التقرير بالقول أو بالإشارة.

     قال الزركشي في البحر المحيط(2/270): التَّقْرِيرُ  وَصُورَتُهُ أَنْ يَسْكُتَ النبي صلى الله عليه وسلم  عن إنْكَارِ قَوْلٍ أو فِعْلٍ قِيلَ أو فُعِلَ بين يَدَيْهِ أو في عَصْرِهِ وَعَلِمَ بِهِ فَذَلِكَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ فِعْلِهِ في كَوْنِهِ مُبَاحًا؛ إذْ لَا يُقِرُّ على بَاطِلٍ اهـ

     وقال ابن النجار في شرح الكوكب المنير(2/194): «وَإِذَا سَكَتَ» النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  «عَنْ إنْكَارِ» فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ، فُعِلَ أَوْ قِيلَ «بِحَضْرَتِهِ أَوْ» فِي «زَمَنِهِ مِنْ غَيْرِ كَافِرٍ» وَكَانَ النَّبِيُّ[ «عَالِمًا بِهِ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ» حَتَّى لِغَيْرِ الْفَاعِلِ أَوِ الْقَائِلِ فِي الأَصَحِّ. ا هـ

ثانيًا: صور تقريرات الرسول صلى الله عليه وسلم :

(1) التقرير بالقول: أخرج البخاري في صحيحه برقم (1968) من حديث أبي جحيفة أن  سَلْمَان -رضي الله عنه-  قال لأبي الدرداء -رضي الله عنه-: «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : صَدَقَ سَلْمَانُ».

(2) التقرير بالفعل: ومثاله أكل النبي صلى الله عليه وسلم  من لحم الحوت في قصة سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى سيف البحر.

وصيامه صلى الله عليه وسلم ليوم عاشوراء بعد أن رأى اليهود يصومونه.

     ويدخل في الإقرار بالفعل الإقرار بالإشارة أو بالهم بفعل شيء، ومثال التقرير بالإشارة إشارته صلى الله عليه وسلم  بأصابعه العشر إلى أيام الشهر ثلاث مرات، وقبض في الثالثة واحدة من أصابعه.(أخرجه أحمد وابن ماجه).

     ومثال التقرير بالهم ما هَمَّ بفعله ولم يفعله صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك أنه هم بمصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة ونحو ذلك؛ فقال الشافعي ومن تابعه: إنه يستحب الإتيان بما هَمَّ به صلى الله عليه وسلم ، ولهذا جعل أصحاب الشافعي الهمَّ من جملة أقسام السنة، وقالوا: يقدم القول، ثم الفعل، ثم التقرير، ثم الهمُّ.

ورد الشوكاني ذلك بقوله: والحق أنه ليس من أقسام السنة؛ لأنه مجرد خطور شيء على البال من دون تنجيز له . إلخ (راجع إرشاد الفحول للشوكاني 3/118).

(3) ومثال التقرير بالسكوت ما يلي: -

     أخرج أحمد (17812) وأبو داود (334) وصححه الألباني في الإرواء(154) عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه  قَالَ: «احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْح،َ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الِاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا».

ومثاله أيضاً: عدم إنكاره صلى الله عليه وسلم على الجاريتين اللتين أنشدتا بغناء يوم بٌعَاث؛ إذ اليوم كان يوم عيد.

(4) ومما يدخل في التقرير قول الصحابي: «كنا نفعل كذا»، أو: «كانوا يفعلون كذا»، وإضافة ذلك إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم . ويدل على ذلك احتجاج جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- على جواز العزل بفعلهم له في زمن نزول الوحي، فقال: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ» أخرجه البخاري.

والله من وراء القصد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك