رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود عبد الحميد 11 أبريل، 2011 0 تعليق

السلفيون ومراعاة المصالح والمفاسد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فالمصلحة مطلب شرعي لأن شرع الله مصلحة كله، وهي هدف أسمى في المنهج السلفي إلا أن المصلحة مسألة نسبية، وليست مطلقة، وهي تختلف من حالة إلى حالة، ومن شيء إلى شيء، ومن زمان إلى زمان، وما من شيء فيه مصلحة إلا فيه في الغالب مضرة إلى جانب تلك المصلحة.

      قال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (البقرة: 219).

       فلابد لمعرفة المصلحة والمفسدة من الرجوع إلى الشرع الحنيف حتى نعمل بما فيه مصلحة غالبة، ونبتعد عما فيه مضرة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقلَّ أن تعوز النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالاتها على الأحكام»؛ ولذلك ينبغي العناية بالتفقه في قضية المصالح والمفاسد.

         والأمر في الجملة كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال: «وجماع ذلك داخل في القاعدة فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد؛ فإن الأمر والنهي -وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة- فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته»  (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الإسلام ابن تيمية ص11-19).

        فاعلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، قال [: «يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهدهم بكفر لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين، باب يدخل الناس وباب يخرجون» ففعله ابن الزبير. رواه البخاري

          قال الحافظ ابن حجر: «ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه، وأن الإمام يسوس رعيته بما فيه صلاحهم، ولو كان مفضولاً ما لم يكن محرماً» فتح الباري1/225.

          وقال النووي في شرح الحديث: «وفي الحديث دليل لقواعد من الأحكام، منها: إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة، وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدأ بالأهم؛ لأن نقْضَ الكعبة وردَّها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم -عليه السلام- مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريباً، وذلك لما كانوا يعتقدون من فضل الكعبة فيرون تغييرها فتركها [» شرح النووي على صحيح مسلم9/89.

        واعلم أن النهي عن المنكر وسيلة إلى دفع مفسدة ذلك المنكر المنهي عنه، ورتبته في الثواب والفضل مبنية على رتبة درء مفسدة الفعل المنهي عنه في باب المفاسد إلى أن تنتهي إلى أصغر الصغائر، فالنهي عن الكفر بالله أفضل من كل نهي في باب النهي عن المنكر، ومن استطاع الجمع بين درء أعظم المفسدتين ودرء أدناهما جمع بينهما؛ لأنه متى كان قادراً على دفع المنكر دفعة واحدة لزمه ذلك، وإن قدر على دفع أحدهما دفع الأفسد.

       وإن علم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن أمره ونهيه لا يفيدان شيئاً أو غلب على ظنه سقط الواجب، ويبقى الاستحباب؛ لأن الوسائل تسقط بسقوط المقاصد، وقد كان [ يدخل في المسجد الحرام وفيه الأنصاب والأوثان، ولم يكن ينكر ذلك كلما رآه، وكذلك لم يكن كلما رأى المشركين أنكر عليهم، وكذلك كان السلف لا ينكرون على الظلمة والفسقة كلما رأوهم لعلمهم أنه لا يجدي إنكارهم، وقد يكون من الفسقة من إذا قلت له: اتق الله، أخذته العزة بالإثم، فيزداد في فسوقه وفجوره.

        وعلى هذا فإذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعاً أو يتركوهما جميعاً، لم يجز أن يُؤْمَروا بمعروف ولا يُنْهوا عن منكر، بل ينظر إذا كان المعروف أكثر أمروا به، وإن استلزم ما دونه من المنكر، ولم يُنهوا عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله [ وزوال فعل الحسنات.

         وإن كان المنكر أغلب نهى عنه، وإن استلزم فوات ما دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمراً بمنكر وسعياً في معصية الله ورسوله.

          وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما، فتارة يصلح الأمر، وتارة يصلح النهي، وتارة لا يصلح أمر ولا نهي، حيث كان المعروف والمنكر متلازمين وذلك في الأمور المعينة الواقعة.

        وعلى هذا فالضرر لا يزال بضرر مثله أو أكبر منه، وإذا كان لابد من ارتكاب أحد الضررين فيرتكب أخف الضررين وأهون الشرين، ويحتمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأكبر، ويحتمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.

        وكذلك تقدم المصلحة الكبيرة على المصلحة الصغيرة، وتقدم مصلحة الأمة على مصلحة الفرد، وتقدم المصلحة المتيقنة على المصلحة المظنونة أو المتوهمة، وتقدم المصلحة الدائمة على المصلحة العارضة أو المنقطعة، وكذلك فإن المفسدة الصغيرة تغتفر من المصلحة الكبيرة، ولا تترك مصلحة متحققة من أجل مفسدة متوهمة.

       قال العز بن عبد السلام -رحمه الله-: «إذا اجتمعت مصالح ومفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالاً لأمر الله -تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن: 16)، وإن تعذر الدرء والتحصيل، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة؛ قال الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (البقرة: 219)، حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما، وإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة حصلنا المصلحة مع التزام المفسدة، وإن استويت المصالح والمفاسد فقد يتخير بينهما وقد يتوقف فيهما».

          إذاً فدعوة الإسلام تقوم على تحقيق المصلحة، قال ابن القيم: «إن الشريعة مبناها وأساسها العدل، وتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشرعية وإن أدخلت فيها بالتأويل».

 

جماعة أنصار السنة المحمدية: ليس من منهجنا إحراق آثار أو أضرحة ولا تولي إقامة الحدود ولا الاعتداء على المخالفين

 

       أصدرت جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر بيانا، أكدت فيه أنه ليس من منهجها إحراق آثار أو أضرحة، ولا تولي إقامة الحدود؛ لأن ذلك كله منوط بالولاة والحكام، ولا الاعتداء على المخالفين من المسلمين أو دون ذلك، وأضاف البيان أن السلفيين يتعرضون في هذه الفترة لهجوم شديد كما يدعي عليهم المهاجمون بأنهم سلفيون متشددون، وقد نسبوا إليهم كثيرا من الحوادث التي تقع، والجرائم التي تحدث من عموم الناس بدون بينة ولا تحقيق، وهذا ليس منهج أي عاقل عادل، والله تعالى يقول: {... فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} (الحجرات: 6).

          وأكدت الجماعة في بيانها، أن جماعة أنصار السنة المحمدية ومن على شاكلتها في منهجها الذي يقوم على اتباع النبي [ وأصحابه بلا غلو ولا تفريط، يمارسون الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعليم الناس دينهم بلا قهر ولا تشدد ولا تعسف، ووفق مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المقررة في الشريعة الإسلامية، مؤكدين أن مصر تمر في هذه الفترة بظروف حساسة تحتاج إلى تعاون أهلها من جميع الطوائف بنوع من الصدق، ونبذ كل صنوف العداء والكراهية، بل بالتحاور فيما بينهم بالأسلوب اللين والحكمة والموعظة الحسنة.

          وأكدت الجماعة أن بناء المساجد على القبور منهي عنه، لكنها لم تفتِ بحرقها أو هدمها، موضحة أنه إذا كنا ندين الله عز وجل بأن رفع القباب وبناء المساجد على القبور منهي عنه في شريعة الإسلام من خلال ما قرره النبي [، وما ذهب إليه الأئمة الأعلام في الأزهر الشريف وغيرهم من أمثال: الشيخ محمد عبده في فتواه في ذي الحجة 1319، وذكره أيضا الشيخ عبدالمجيد سليم، وأيضا الشيخ عطية صقر، وغيرهم من أكابر علماء الأزهر الشريف، لكننا لا نحرقها ولا نهدمها، ولا ذلك من سلطة آحاد الناس.

          وأشارت الجماعة إلى أن اتهام الناس بدون بينة ظلم شنيع لا يقل حجما عن الظلم الذي وقع فيه ظالمون سابقون، فعاقبهم الله بظلمهم وجعلهم عبرة لمن يعتبر {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}، مؤكدين أن ما جاء في البيان هو شريعة يلتزمون بها، ليس ضعفا بسبب خوف، ولا تشددا بسبب عنف.

         ودعت الجماعة أهل مصر جميعا إلى التعاون وعدم الانسياق وراء الشائعات ومروجيها، كما تدعوهم إلى ضبط النفس وعدم التسرع في الحكم على الناس واتهام نياتهم، كما أهابت بالصحافيين والإعلاميين والمتحدثين في القنوات الفضائية ألا يبالغوا في نشر الأخبار غير الموثوق بها، من أجل سبق صحافي، أو مكسب مادي؛ لأن ما يقولونه شهادة أمام الله عز ورجل {ستكتب شهادتهم ويسألون}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك