رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى مال الله فرج 24 فبراير، 2020 0 تعليق

السلفية هي الوسطية


السلفيون هم أتباع منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، والقرون المفضلة في تلقي الدين وفهمه في اعتقاداتهم، ومعاملاتهم، وأحكامهم، وتربيتهم، ودعوتهم، وتزكية نفوسهم، وهذا التلقي دليل على الملتزمين بهذا المنهج قديماً وحديثاً، والمقصود بالوسطية: الاعتدال، قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، أي: عدلاً، خياراً ومن لوازم وسطيتهم عدالتهم ولذا صح أن يكونوا شهداء على الناس يوم القيامة: لأن الشاهد لابد أن يكون عدلاً حتى تقبل شهادته. ووسطية هذه الأدلة كونها على الحق بين باطل من غلا، وباطل من جفا، وما عدا الوسط فأطراف داخلة تحت الخطر، فأهل السنة وسط فيها بين أهل التعطيل، وأهل التمثيل (التشبيه).

أهل التعطيل

     فأهل التعطيل غلوا في التنزيه، دون إثبات، وأخذوا نصف الدليل فقط، وهو قوله -تعالى-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} حتى إن غلاتهم كالجهمية لم يثبتوا لله صفة؛ فهم ينكرون صفات الله كلها، كالمعتزلة: الذين يثبتون الأسماء وينفون الصفات والأشاعرة الذين يثبتون سبع صفات والغلاة كالجهمية.

أهل التمثيل (التشبيه)

وأهل التمثيل الذين غلوا في الإثبات على نحو ما عليه صفات المخلوقين وأسمائهم دون تنزيه، وأخذوا نصف الآية الآخر {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، فهم يثبتونها مع التشبيه بخلقه؛ لهذا قيل: إن المعطل كعابد عدم والمشبه كعابد وثن.

أهل السنة والجماعة

     وأما أهل السنة والجماعة: فإنهم أخذوا بالآية كلها: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وهم يثبتون الأسماء والصفات دون تمثيل أو تشبيه أو تكيف، وعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا، وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا فَجَمَعُوا حَطَبًا، فَأَوْقَدُوا نَارًا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ، فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِرَارًا مِنَ النَّارِ أَفَنَدْخُلُهَا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ».

من الحكام وولاة الأمور؟

      ولاة الأمر: هم من أوجب الله طاعتهم من الولاة والأمراء، وهذا قول جماهير السلف والخلف من المفسِّرين والفقهاء وغيرهم. وقيل: «هم العلماء» وقيل: «هم الأمراء والعلماء»، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية: «إلى أنهم العلماء والأمراء والزعماء وكل من كان متبوعاً»، ومن ألقابهم: (الحكَّام والأمراء والخلفاء والملوك والأئمة والرؤساء والسلاطين)، وكذلك من تغلّب بالقوة على الحكم.

أقسام الناس

انقسم الناس تجاه الحكام إلى ثلاثة أقسام:

الغلاة

- القسم الأول: من غلا في الحكام وأعطاهم ما لا ينبغي أن يعطى إلا لله كالفراعنة في القديم. كما قال -تعالى- عن فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي وقال -تعالى-: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}، وقال -تعالى-: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}، وكالفرق الباطنية والصوفية في الحديث.

الذين يسبون

القسم الثاني: الذين يسبون الحكام ويخرجون عليهم: كالخوارج في القديم، وداعش والقاعدة وأشبهاهم في العصر الحديث.

أهل السنة والجماعة

القسم الثالث: أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح.

أقسام طاعة ولاة الأمر

أوامر ولاة الأمر تنقسم إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: ما لا يجوز طاعته

     وذلك إذا أمر بمعصية الله فهذا لا يجوز طاعته فيه؛ لأن الله -تعالى- قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} فطاعة أولي الأمر على سبيل التبع؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إنما الطاعة في المعروف.

القسم الثاني: مالا يجوز مخالفته

كأن يأمر بما أمر الله ورسوله من العبادات، فهذا إن كان واجباً مثل أن يأمر بصلاة الجماعة ويتفقد الناس عليها، فطاعته هنا واجبة من وجهين:

- الوجه الأول: أنها واجبة في الشرع دون أمر ولي الأمر.

- الوجه الثاني: تزداد تأكيداً إذا أمر بها ولي الأمر.

- القسم الثالث: ما لا تلزم طاعته

 كأن يأمر بعبادة غير واجبة ولكنها مشروعة، مثل أن يأمر الناس بالصيام، يقول: أيها الناس صوموا غداً، فإننا سوف نخرج إلى الاستسقاء، نستسقي ودعاء الصائم مستجاب فصوموا غداً، فهذا لا تلزم طاعته؛ لأن هذا بين العبد وبين ربه فلا تلزم طاعته.

القسم الرابع: ما تجب طاعته

وإن لم تكن عبادة، كأن يأمر بما فيه حفظ الأمن وصلاح المجتمع، فهذا تجب طاعته فيه، كالأوامر الآن في النُظم واللوائح ففيه حفظ الأمن وصلاح المجتمع، فهذا تجب طاعته.

حقوق ولاة الأمر

1) السمع والطاعة لهم

السمع والطاعة لهم بالمعروف في العسر واليسر والمنشط والمكره: وعن وائل الحضرمي - رضي الله عنه - قال: «سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراءُ يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه ثم سأله، فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة؟ فجذبه الأشعث بن قيس، فقال قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم».

2) تعظيمهم واحترامهم وإكرامهم

فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ».

3) توقيرهم وتعزيرهم

     عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: «عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «في خمس من فعل منهن كان ضامنا على الله: «من عاد مريضاً، أو خرج مع جنازة، أو خرج غازيًا في سبيل الله، أو دخل على إمام يريد تعزيره وتوقيره، أو قعد في بيته فيسلم الناس منه ويسلم».

4) نصحهم وإرشادهم وتوجيههم

     فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ - رضي الله عنه -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا لِمَنْ؟ قال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»، وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أنه قيل له: «ألا تدخل على عثمان لتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أُكلمه إلا لأُسمعكم؟ والله لقد كلَّمتهٌ فيما بيني وبينه، ما دون أن أفتح أمراً لا أُحبُّ أن أكون أول من فتحه».

5) الدعاء لهم

     قال أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله-: «ونرى طاعتهم من طاعة الله -عزّ وجلّ- فريضة مالم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة»، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهم رحمهم الله يقولون: «لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان»، وقال البربهاري -رحمه الله-: «وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان، فاعلم أنه صاحب بدعة، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سُنة».

6) الصلاة خلفهم والحج والجهاد معهم

     ونرى الصلاة خلف كل برّ وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم، والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما، لأن الحج والجهاد فرضان يتعلقان بالسفر، فلا بد من سائس يسوس الناس فيها، ويقاوم العدو، وهذا المعنى كما يحصل بالإمام البّرّ يحصل بالإمام الفاجر.

7) الصبر على جورهم وظلمهم

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال: النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». وعنه - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كره مِنْ أَميره شيئاً، فليصبر عليه، فإنه ليس أَحدٌ من الناس خَرَجَ من السلطان شبراً، فمات عليه، إلا مات ميتةً جاهليةً».

9) عدم إعانتهم على ظلمهم

      وإعانتهم على ظلمهم قد تكون بمجالستهم ومؤازرتهم، وقد تكون بتسويغ أخطائهم، بل قد تكون بالسكوت عنهم وعدم إنكار المنكر عليهم، قال سفيان الثوري: «من دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يعصى الله في أرضه»، قال شيخ الاسلام ابن تيمية: «وقد قال غير واحد من السلف: أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنه لاق لهم دواة أو برى لهم قلمًا. ومنهم من كان يقول: بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم، وأعوانهم هم أزواجهم المذكورون في الآية»، يقصد قوله -تعالى-: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ.

 فعن عبدالله بن عمر: أن أُناسًا قالوا له: إنا ندخلُ على سَلاطِينِنا فنقولُ لهم بخِلافِ ما نَتَكَلَّمُ إذا خَرَجْنا من عندِهِم! قال ابنُ عمرَ -رَضِيَ اللهُ عنهما-: كنا نَعُدُّ هذا نِفاقًا على عهدِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم .

10) عدم سبهم والتشهير بهم

     وسبّ المسلمين والتشهير بهم مخالف للشريعة، فكيف بالاشتغال بسبِّ العلماء والأمراء؟ فهي شرارة الخروج، الذي هو فساد الدنيا والدين، وأدلة ذلك ما يلي: قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}، وقال أبو عمرو بن عبد البر -رحمه الله-: «إن لم يتمكن نصح السلطان، فالصبر والدعاء، فإنهم كانوا ينهون عن سب الأمراء».

تنبيه: ويستوي في هذا أميرك أو أمير أي دولة إسلامية أخرى.

11) عدم تهييج الشارع عليهم

     ومن صوره (الاعتصامات والمظاهرات والثورات): قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وألا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عنه؛ فهذا عين المفسدة، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس، كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى.

12) عدم الخروج عليهم

      ولا يشرع الخروج على أئمة المسلمين، وإنما النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة؛ لما في ذلك من المفاسد الكبيرة منها: «الفتنة - وسفك الدماء - وانتهاك الأعراض - ونقص الدين - وضعف المسلمين- وانتشار الجهل - وتسلط الأعداء على الأمة»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا رَقَبَةَ الآخَرِ». وَعَنْ عَرْفَجَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك