رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 15 مارس، 2016 0 تعليق

السلفية.. منهج حياة

تجتاح عالمنا موجات من التغيير، وطوفان من التحديات، ومناهج مخالفة، وأهواء متنافرة من التكفير والتنفير والتفجير، وتعظيم الأشخاص، وتصنيف الأحزاب والانتماءات والمدارس والتيارات والفلسفات والانحرافات.

     فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام محجة بيضاء نقية، لا يزيغ عنها إلا هالك (إن الدين عند الله الإسلام) (آل عمران:19)، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85)، وبعد غزوة بدر ظهر النفاق، وفي آواخر عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ظهر الخوارج، وبعدها ظهر الرافضة الذين رفضوا خلافة الخلفاء الثلاثة، وفي الحديث: «فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل بدعة ضلالة» رواه أحمد من طريق العرباض بن سارية.

     وأيضا في الحديث: «وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ما أنا عليه وأصحابي»؛ ولقد حذرنا ربنا -سبحانه وتعالى- من الاختلاف والشقاق؛ بسبب الجهل، والغفلة، والأهواء، والتعصب، وتزيين الشيطان الرجيم وخطواته ومزالقه، فقال: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم:31-32)، وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (الأنعام:159)، وأوصانا جل في علاه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال:46).

فنتيجة ذلك الاختلاف المنكر أراد الله -عز وجل- تمييز الصفوف بعد الصراع؛ فأمرنا باتباع سبيل المؤمنين أصحاب الفرقة الناجية والطائفة المنصورة والغرباء أهل السنة والجماعة وأهل الأثر.

     لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى يوم القيامة، وهم السلف الصالح، هم الصدر الأول الراسخون في العلم، المهتدون بهدي رسولنا الرحيم رضي الله عنه ، الحافظون لسنته، اختارهم الله -عز وجل- لصحبة نبيه ولإقامة دينه، ورضيهم أئمة مهديين للأمة. وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة-100).

     قال السفاريني - رحمه الله-: «المراد بمذهب السلف ما كان عليه الصحابة الكرام وأعيان التابعين بإحسان، وأتباعهم من أئمة الإسلام العدول ممن شُهد لهم بالإمامة، وعُرف عظيم شأنهم في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلفاً من سلف، دون رمي ببدعة أو شهر بلقب غير مرض. ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : «إنكم قد أصبحتم على الفطرة، وإنكم ستحدِّثون ويُحدَّث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالعهد الأول. وقال أيضاً: أصحاب محمد كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقهم علما، وأقلهم تكلفاً».

     منهج السلف ليس حقبة تاريخية محدودة، ولا جماعة مذهبية محصورة، بل هو منهج مستمر لا يتقيد بزمان، ولا ينحصر بمكان؛  وعليه فإن هذا المنهج ليس حزبا ولا تياراً، ولا حركة ولا تكتلا سياسياً؛ فهو منهج حياة. كان الإمام مالك -رحمه الله- يقول : إذا صح الحديث فهو مذهبي، ويقول ابن باز -رحمه الله-: السلف هم الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين وأتباع التابعين من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وغيرهم ممن سار على الحق، وتمسك بالكتاب العزيز والسنة المطهرة في باب التوحيد والأسماء والصفات وفي جميع أمور الدين! وهذا المنهج ليس مسؤولا عن أخطاء بعض المنتسبين إليه، وإنما تنسب الأقوال والتصرفات إلى أصحابها.

     وأما في حال التنازع فيرجعون إلى الكتاب والسنة وأولي العلم الذين يستنبطون منهم، وطاعة أولياء الأمر والصبر عليهم والنصح لهم؛ ففي حديث عبادة بن الصامت قال: «دعانا النبي فبايعناه علی السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان»(أخرجه البخاري).

     ومن منهجهم النصح للمسملين في إخلاص وصدق وحفظ الحق والمكانة، والبعد عن التشنيع والتشهير أو سلوك مسالك تؤدي إلى التفرقة والشحناء. ومن معالم منهج السلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والابتعاد عن الأهواء، يقول الشاطبي: والعقل إذا لم يكن متبعا للشرع لم يبق إلا الهوى والشهوة.والسلف يقدرون المصالح والمفاسد والعمل لتحقيق الغايات والمقاصد التي هي الدين كله؛ يقول عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله-: سن رسول الله وولاة الأمر من بعده سننا الأخذ بها اتباع لكتاب الله -عز وجل- واستكمال لطاعة الله، وقوة في دين الله ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا.

والسلف يعملون على صيانة النصوص الشرعية من تحريف الغالين، وتأويلات الجاهلين، وانتحال المبطلين؛ فمنهجهم منهج  اعتدال ووسط وسماحة، لا يدعو إلى التشدد والتنطع ولا الميوعة والذوبان وإدخال نزغات النفس والشيطان.

وعلى هذا المنهج يجتمع المسلمون، ويتحقق لهم النصر والتوفيق والرضا من أرحم الراحمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك