رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد آل رحيم 15 يناير، 2019 0 تعليق

السلفية بين الإقصاء والادّعاء (12) السلفية ومقاصد الشريعة (4)


مما أُلصق بالدعوة السلفية من شبهات تفتقد لأبسط قواعد الإنصاف، عدم درايتها بمقاصد الشريعة وهذه فرية عجيبة؛ فإذ لم تعتن الدعوة السلفية بمقاصد الشريعة فمن؟

- أولاً: تعريف مقاصد الشريعة لغةً وشرعًا

- لغةً: المقاصد في اللغة جمع مقصد وهو الوجهة أو المكان المقصود (موسوعة الكويت 329ج38)، وقيل: الاعتزام والاعتماد وطلب الشيء وإتيانه،  ومنه استقامة الطريق قال -تعالى-: {وَعَلَى اللَّـهِ قَصدُ السَّبيلِ}(النحل: 9)، ومنه العدل والوسط بين الطرفين،  قال -تعالى-: {وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ} (فاطر: 32)، ومنه القرب قال -تعالى-: {لَو كانَ عَرَضًا قَريبًا وَسَفَرًا قاصِدًا لَاتَّبَعوكَ}  (توبه: 42)، (مقاصد الشريعة ص43).

- شرعاً: لا يوجد تعريف محدد له؛ فمن العلماء من قال: هي من تتبع مقاصد الشرع فى جلب المصالح ودرء المفاسد، كالعز بن عبد السلام -رحمه الله- ومنهم من قال : المقصود من شرع الحكم إما جلب مصلحة، أو دفع مضرة، أو مجموع الأمرين، كالآمدي -رحمه الله- (مقاصد الشريعة ص46)، وغير ذلك من تعريفات العلماء.

- تعريف الشريعة: وقد عرفها شيخ الإسلام -رحمه الله- فقال :- الشرعة هي الشريعة  قال -تعالى-: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة: 48)، وقال -تعالى-: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا}(الجاثية: 18)؛ فالشرعة بمنزلة الشريعة للنهر، والمنهاج هو الطريق الذي سلك فيه، والغاية المقصودة هي حقيقة الدين (مقاصد الشريعة ص52).

تقسيم المقاصد

     الدين جاء لسعادة البشر، يقول السعدي -رحمه الله-: إن الدين جاء لسعادة البشر؛ إذ الدين مبني على مصالح الخلق، وبهذا تحصل سعادتهم (القواعد الفقهية)، قال الشاطبي -رحمه الله-: وتكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام وهي: (ضرورية – حاجية  - تحسينية ). فأما الضرورية؛ فمعناها: أنها لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا؛ بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد، وتهارج، وفوت حياة، وفى الآخرة فوت النجاة، والنعيم والرجوع بالخسران المبين.

والحفظ لها يكون بأمرين:

- الأول: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك يكون في مراعاتها من  جانب الوجود.

- الثاني: مايدرأ عنها الاختلال الواقع، أو المتوقع فيها؛ وذلك يكون في مراعتها من جانب العدم؛  فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود، كالإيمان والنطق بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وما أشبه ذلك.

والعادات راجعة إلى حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضاً، كتناول المأكولات، والمشروبات، والملبوسات، والمسكونات وما أشبه ذلك، والمعاملات راجعة إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود وإلى حفظ النفس والعقل أيضاً، لكن بواسطة العادات.

والجنايات يجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم،  ومجموع الضروريات خمسة وهي: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، (الموافقات ص237ج1-2).  

ويقول ابن القيم: الشريعة مبناها على الحكم ومصالح العباد فى المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة ومصالح كلها (انتهى).

  أمثلة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة -رضي الله عنهم

- أولاً: ترك النبي صلى الله عليه وسلم هدم الكعبة وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم، على الرغم من المصالح الدينية؛ وذلك لأن المفسدة  التى ستترتب على ذلك أكبر من المصلحة التي تترتب على تصحيح بناء الكعبة.

- ثانياً: ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل المنافقين، وفي قتلهم مصالح عظيمة، ولكن المفسدة من قتلهم كبيرة؛ فهل يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم رضي بالنفاق؟ (حاشاه)!

- ثالثاً: نهي عمر رضي الله عنه عن التزوج بالكتابيات، بل وأمر من فعل ذلك بطلاقهن؛ فهل كان عمر رضي الله عنه يخالف آيات القرآن  التي أباحت ذلك الزواج؟ بالطبع لا ولكنه رأى أن الزواج من الكتابيات كان سبباً فى انتشار العنوسة بين المسلمات، وكذلك خوفاً من تغلغل أهل الكتاب بين المسملين؛ فكانت مصلحة المنع أقوى من مفسدة الإباحة.

- رابعاً: إنكار ابن تيمية على من أنكر على التتار شرب الخمر، وهل بذلك نقول: إن ابن تيمية أحل الخمر؟ بالطبع لا، ولكنه رأى في سكرهم وهو محرم مفسدة، أقل من مفسدة عدم سكرهم وجعلهم ينتهكون أعراض المسملين

- خامساً : إباحة أكل الميتة ولحم الخنزير على حرمتها العظيمة، ولكن ذهاب النفس أكبر مفسدة من أكل لحم الخنزير، وشرب الخمر، وليس فيه إقرار بحلهما، مع عدم وجود الإثم لمن فعل ذلك اضطراراً.

إعمال المصالح والمفاسد

     قال ابن تيمية -رحمه الله-  للفقهاء الذين لا يجيزون إعمال المصالح والمفاسد في المشاركة لتخفيف الظلم: «والذي ينهى عن ذلك لئلا يقع ظلم قليل لو قبل الناس منه تضاعف الظلم والفساد عليهم؛ فهو بمنزلة من كانوا في طريق وخرج عليهم قطاع الطريق؛ فإن لم يرضوهم ببعض المال، أخذوا مالهم وقتلوهم؛ فمن قال لتلك القافلة لا يحل لكم أن تعطوا لهولاء شيئاً من الأموال التي معكم للناس؛ فإنه يقصد بهذا  حفظ ذلك القليل الذي ينهى عن دفعه، ولكن لو عملوا بما قال لهم ذهب القليل والكثير وسلبوا مع ذلك؛  فهذا مما لا يشير به عاقل، فضلاً على أن تأتي به الشرائع؛ فإن الله -تعالى- بعث الرسل لتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان».  

     وقال: فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما؛ فقدم أوكدهما لم يكن الآخر، في هذه الحال واجباً ولم يكن تاركه تاركاً لواجب، وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة، وإن سُمي هذا ترك واجب، وهذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر، ويُقال في مثل هذا ترك الواجب لعذر، وفعل المحرم للمصلحة الراجحة، أو للضرورة، أو لدفع ما هو أحرم (انتهى).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك