رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد آل رحيم 31 يناير، 2019 0 تعليق

السلفية بين الإقصاء والادّعاء (12) الإغراق في التنظير وعدم التطبيق الواقعي

 

 

من الشبه التي تثار حول الدعوة السلفية، اتهامها بالإغراق في التنظير وعدم التطبيق الواقعي، وهذه الشبهة التي قالوها من الشبه الساخرة التى يستطيع أى مبتدئ على طريق العلم الرد عليها.  وقولهم الإغراق في التنظير، إن كانوا يقصدون بها الجانب السلبي، نقول: إنها  فى الحقيقة هي شامة على جبين السلفية؛ حيث إنها لم تترك شاردة ولا واردة تخص الشريعة إلا وتحدث فيها علماؤها وبينوها، وفندوا الشبهات التى تحوم حولها، منذ بدء عصر التدوين الذي بدأ  في بداية القرن الهجري الثاني؛ حيث تم تدوين السنة، ومن ذلك انطلق العلماء فى التأليف والشرح والبيان للسنة الصحيحة، واستمر الأمر بظهور الأئمة الأربعة، مرورًا بجم غفير من علماء الأمة من أصحاب المنهج السلفي وإلى اليوم؛ فنتج عن ذلك مؤلفات لا حصر لها حوت العلوم الشرعية كافة، وحافظت على المنهج السلفي نقيًا كما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وكما تمسك به أصحابه وتابعوهم -رضوان الله عليهم- إلى اليوم، وهذا ما يسمونه إغراق فى التنظير، وكأنه سبة للسلفية.

قولهم  عدم التطبيق الواقعى

     وقبل الحديث عن هذا الأمر، نتفق أن السلفية الحقيقية هى التى تتمسك بما كان عليه سلف هذه الأمة المبارك والمعتمد على الكتاب والسنة؛ فإن كانوا يقصدون السلفية بهذا المعنى فالردود موجودة، وإن كانوا يقصدون الجماعات التى تدعي -زورًا وبهتانًا- انتسابها للسلفية؛ فشبهتهم مردوده عليهم؛ لأننا هنا بصدد الحديث عن السلفية الحقيقية الناصعة التى تنتسب للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وليس تلك الجماعات التى تنتسب -زورًا- للسلفية.

أمثلة من التطبيق الواقعي العملي

     الإمام أحمد -رحمه الله- وقد امتحن من ثلاثة  خلفاء في فتنة القول بخلق القرآن، وهم المأمون، والمعتصم، والواثق، حتى جاء المتوكل ورفع منهج أهل السنة والجماعة مرة أخرى؛ فما سمعنا أنه أمر بالخروج عليهم أو مقاتلتهم أوتكفيرهم، وهم الذين آذوه وعذبوه ومنعوه من طلب العلم وتعليمه.

فعن عبد الملك الميمونى قال: ما رأت عيني أفضل من أحمد بن حنبل، وما رأيت أحداً من المحدثين أشد تعظيمًا لحرمات الله -عزوجل- وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إذا صحت عنه ولا أشد اتباعاً منه (من أعلام السلف368).

     وقال الإمام أحمد: ما كتبت حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد عملت به حتى مر بي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة دينارًا فأعطيت الحجام دينارًا، (من أعلام السلف369)؛ فإن لم يكن هذا تطبيقًا واقعيًا؛ فمن أين يأتى التطبيق الواقعي؟  

شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله

     ومن أفضل الأمثله على كثرة التنظير وكثرة التطبيق العملى، هو مثال لعلم من أعلام السلفية وهو شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، ومؤلفاته أشهر من نار على علم؛ فقد ألف في شتي العلوم، وأغرق في التنظير والسؤال؛ فهل أغرق فى التطبيق كما أغرق في التنظير؟

نقول: لقد كان شيخ الإسلام واقعًا عمليًا لما كان يُنظِّر له؛ فقد رد على المبتدعة داعيًا للتوحيد، وكان من يطبق ذلك فى واقعه وواقع الأمة فى زمنه.

قال الذهبي: شيخنا الإمام شيخ الإسلام فرد الزمان بحر العلوم تقي الدين وقال: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية ليس بحديث، وقال: لو حلفت بين الركن والمقام لحلفت  أني ما رأيت بعيني مثله، ولا والله ما رأي هو مثل نفسه في العلم (من أعلام السلف646).

شجاعته وجهاده

     قال الألوسي: وأما شجاعته وجهاده فأمر متجاوز للوصف؛ فكان -رحمه الله-  كما قال الحافظ سراج الدين أبو حفص في مناقبه: هومن أشجع الناس وأقواهم قلبًا، ما رأيت أحدًا أثبت جأشًا منه، ولا أعظم  في جهاد العدو منه، كان يجاهد في سبيل الله بقلبه، ولسانه، ويده، ولا يخاف في الله لومة لائم (من أعلام السلف654).

     وقد تعرض لمحن كثيرة وسُجن، وكان مثالاً للصبر والدعوة إلى الله واقعًا عمليًا، وتأمل هذا الموقف، استأذن عليه الوزير شمس الدين في الدخول عليه فى محبسه وهو مريض ليعوده فأذن له الشيخ؛ فلما جلس عنده أخذ يعتذر له عن نفسه، ويلتمس أن يحله مما كان منه؛ فأجابه الشيخ أنه قد أحله مما كان لكونه فعل ذلك مقلدًا غيره معذورًا وقال: قد أحللت كل أحد مما بينى وبينه إلا من كان عدوا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم (من أعلام السلف662)؛ فإن لم يكن هذا تطبيقًا عمليًا فماذا يكون ؟

سلطان العلماء العز بن عبد السلام

     قال عز الدين الحسيني: كان علم عصره في العلم جامعًا لفنون متعددة، مضافًا إلى ما جبل عليه من ترك التكلف مع الصلابة في الدين، وشهرته تغنى عن الإطناب في وصفه (من أعلام السلف608)، ومن مواقفه أنه رأى السلطان نجم الدين أيوب في يوم عيد؛ فشاهد العساكر مصطفين بين يديه، وقد خرج على قومه في زينته، وأخذت الأمراء يقبلون الأرض بين يدي السلطان؛ فالتفت الشيخ للسلطان وناداه: يا أيوب ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك ملك مصر ثم تبيع الخمور؟ فقال: هل جرى هذا؟ قال: نعم الحانة الفلانية يباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة؛ فأصدر السلطان مرسومًا بغلق تلك الحانة (من أعلام السلف612)؛ فإن لم يكن هذا تطبيقاً عملياً؛ فماذا يكون؟

شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب

     ناصر الدين ومجدد الأمة، وأحد أعلام السلفية المتقدمين، صاحب التصانيف والعلوم الغزيرة، قضى حياته كلها تطبيقًا عمليًا في الواقع؛ فهو الذى ألف كتاب التوحيد، وصار يُعَبِّد الناس لله، ويحارب الشرك، وهو الذي أسس نواة الدولة التى تحكم بشريعة الله، وساهم فى وحدتها، وهو الذي كان يحافظ على مقاصد الشريعة، ويدعو للقضاء على الربا، والزنا، والخمور، والحديث عن ذلك يطول.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك