السلفية بين الإقصاء والادعاء (9)السلفية وتقديم النقل على العقل(1) نقد وتحليل لمؤتمر السلفية تحولاتها ومستقبلها
حديثنا اليوم عن مقولتهم إن السلفية تقدم النقل على العقل ويجعلونها سبة في جبين السلفية وهذه الفرية لمأرب عندهم ليعملوا العقول في الشرع مع إهمال النصوص فيُتبعون الهوى ويفعلون ما يريدون طبقاً لعقولهم وأهواءهم دون التقيد بالنصوص الشرعية ولذلك سنبدأ الحديث عن تعريف العقل لغة واصطلاحاً ومكانته في الإسلام وهل له القدرة الكاملة أم لا.
تعريف العقل لغةً
- العقل: الجمع عقول ضد الحمق والنهي والحجر، وعقل: يعقل عقلاً، وعقل الأمر: تدبره وفهمه وأدركه على حقيقته، والعقل: ما يقابل الغريزة التي لا اختيار لها، والعقل: ما يكون به التفكير والاستدلال وتركيب التصورات والتصديقات.
- والعقل: ما به يتميز الحسن من القبيح والخير من الشر والحق من الباطل، (لسان العرب- المعجم الوسيط).
تعريف العقل اصطلاحاً
العقل اصطلاحاً له تعريفات متعددة تكمل بعضها بعضاً ومنها أنه الغريزة التي في الإنسان التي يمتاز بها عن سائر الحيوان، وقيل: إنه غريزة جعلها الله في الممتحنين من عباده أقام به على البالغين للحلم الحجة، وأنه خاطبهم من جهة عقولهم وغيرها من التعريفات.
مكانة العقل في الإسلام
خاطب الله -تعالى- أصحاب العقول في القرآن الكريم أكثر من (60) مرة وبأكثر من صيغة كقوله -تعالى-: (يعقلون- تعقلون- الألباب) أن الإسلام لم يأت لتهميش العقل ولكنه أتى لإعمال العقل فيما يقدر عليه ودون تعد على الشريعة بنصوصها، والقرآن دائما ما يذكر العقل في مقام التعظيم والتنبيه بوجوب العمل به ومن أمثلة خطابه إلى العقل عامة قوله -تعالى-: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (164 البقرة)، وقوله -تعالى-: {وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (المؤمنون80)، وقوله -تعالى-: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (الروم 25-28)، والآيات في هذا الشأن كثيرة.
والعقل الذي يخاطبه القرآن هو العقل الوازع والمدرك والحكيم الذي يتعظ بالتذكير ويتفكر في مخلوقات الله -تعالى- ويتبع أحسن القول ولا يجعل لهواه نصيباً من نفسه، والذي يتحرك من منطلقات شرعية معتمدة على الأدلة وليس لمجرد تفكيره القاصر المحدود.
قدرة العقل وسيادته
ومع ذلك كله ومع تكريم الإسلام للعقل إلا أنه ليست له قدرة مطلقة ولا سيادة مطلقة فقد جاء الإسلام ليحرره من أسر الخرافة والأساطير وما عليه الأجداد لكنه لم يُطلق له العنان وإنما جعل لإدراكه حداً يقف عنده ولا يتعداه، وقد كانت أول معصية هي بسبب العقل لما أطلق له العنان عندما حكم إبليس عقله لما أُمر بالسجود لآدم عليه السلام، قال -تعالى-: {ما مَنَعَكَ أَلّا تَسجُدَ إِذ أَمَرتُكَ قالَ أَنا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَني مِن نارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طينٍ} (الأعراف:12).
وهنا لما تعامل إبليس بعقله القاصر وفاضل بين النار والطين وفضل مادة خلقه وهي النار على مادة خلق آدم عليه السلام وهي الطين؛ رد أمر الشارع وهو الله -تعالى- بالسجود لآدم عليه السلام فخسر الدنيا والآخرة، ولو أنه قدم الدليل وسجد تنفيذا لأمر الله لنجا ولكنه الكبر والإباء؛ ولذلك حدد له الشرع المجالات التي يخوض فيها حتى لا ينحدر بصاحبه للضلال لذلك أمر الإسلام العقل بالاستسلام والامتثال للشرع ولأن الشرع كامل فلا يجوز تقديم الناقص وهو العقل على الكامل وهو الشرع.
قال الدكتور عبد الحليم محمود: وكل من نهج المنهج العقلي في الدين في العصر الحاضر إنما هو تابع من أتباع المعتزلة (السياق القرآني61).
لاتوجد تعليقات