رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد آل رحيم 5 نوفمبر، 2018 0 تعليق

السلفية بين الإقصاء والادعاء (5) علاقة السلفية بالعلم

 

مازلنا نتواصل في الحديث عن مؤتمر (السلفية تحولاتها ومستقبلها)، وحديثنا اليوم عن النص الديني، وكيف أن السلفية لديها خلل واضح في قراءة النصوص وتأويلها وتوظيفها لخدمة أغراضها، وأنه تحول لديها إلى أزمة، وكل هذه التهم ألصقها المؤتمرون بالسلفية؛ ولذلك سيكون حديثنا اليوم عن علاقة السلفية بالنص الشرعي.

 

النص لغةً

     النص: رفعك للشيء، ونص الحديث نصاً ينصه نصاً: أي رفعه، وكل ما أُظهر فقد نص، قال عمرو بن دينار: ما رأيت رجلاً أنص للحديث من الزهري: أي أرفع له وأسند.

     والنص: التوقيف، وهو التعيين على شيء ما، وأصله منتهى الأشياء ومبلغ أقصاها (لسان العرب ج8ص575)، ونص على الشيء: عينه وحدده (المعجم الوجيز619)، ونص ناقته: أي: استخرج أقصى ما عندها من السير، ونص متاعه: أى: جعل بعضه فوق بعض، ونص فلاناً: أي: استقصى مسألته عن الشيء (القاموس المحيط1615).

النص شرعاً

     النص شرعًا هو: صيغة الكلام الأصلية التي وردت من المؤلف فلا يحتمل إلا معنى واحدًا أو لايحتمل التأويل ومنه وقولهم: لا اجتهاد مع نص، وعند الأصوليين: مانص عليه الكتاب والسنة (المعجم الوجيز 619).

     ويختلف معنى النص اصطلاحا حسب المجال الذي تتم فيه الدراسة، فكما في اصطلاح الأصوليين يدل النص على أنه لا يحتمل إلا معنى واحداً أو لايحتمل التأويل ومنه قولهم: لا اجتهاد مع نص.

     أما عند أهل الحديث فقد جاء بمعنى الإسناد والتعيين والتحديد فيقولون نص عليه في كذا ونجده عند الفقهاء بمعنى الدليل الشرعي كالقرآن والسنة ومنه قولهم: (لا اجتهاد مع النص).

تعامل السلفية مع النص

     ومجال حديثنا عن النص الشرعي وهو ما يقصدون بأن السلفية لديها أزمة وخلل في التأويل وتوظفها لخدمة أغراضها ولذلك بعد تعريفنا للنص لغة واصطلاحاً لابد أن نبين أصول أهل السنة في فهم النصوص حتى يتبين من الذي عنده أزمة: السلفية التي تحارب من يحرف النصوص، أم أصحاب المصالح الذين يريدون إفراغ النصوص من مضامينها للوصول إلى غايتهم وتغريب هذه الأمة لفصل الإسلام والدين عن الدنيا، وهم يعرفون تمام المعرفة أن من يقف أمام هذه الحملات هي الدعوة السلفية (التي تتمسك بالكتاب والسنة وأفعال السلف الصالح).

فهم النصوص

أولاً: أصول أهل السنة في فهم النصوص: ولأهل السنة أصول لفهم النصوص وهي كثيرة ومنها تمسكت السلفية بفهمهم لذلك ومن هذه الأصول:

الرجوع إلى منهج السلف

     (1): وجوب الرجوع إلى منهج السلف في فهم النصوص الشرعية: وقد دلت الأدلة الوفيرة على وجوب الرجوع إلى فهم السلف لنصوص الكتاب والسنة، قال الله -تعالى-: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء 115)؛ قال العثيمين -رحمه الله-: تحريم مشاقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسبيل المؤمنين هو عدم المشاقة (تفسير القرآن ج3ص471-473).

     وقال ابن عاشور -رحمه الله-: وسبيل «كل قوم طريقهم التي يسلكونها، فالسبيل مستعار للاعتقادات والأفعال والعادات التي يلازمها أحد، ولا ينبغي التحول عنها؛ وقال: ثبت أن اتباع سبيل غير المؤمنين حرام فإذا ثبت هذا لزم أن يكون أتباع سبيلهم واجباً. (التحرير والتنوير» (ج2ص200).

توعد المخالف

     وقال الشيخ السعدي -رحمه الله-: «إن الله توعد من خالف سبيل المؤمنين بالخذلان والنار وسبيل المؤمنين مفرد مضاف يشمل سائر ما المؤمنين عليه من العقائد والأعمال فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه أو تحريمه أو كراهته أو إباحته فهذا سبيلهم» (تفسير السعدي ص 203).

     وقال -تعالى-: {وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ} (التوبة 100)، قال البقاعي -رحمه الله-: (بِإِحسانٍ) إي في اتباعهم فلم يحولوا عن شيء من طريقهم (نظم الدررج3ص379).

     قال الشيخ العثيمين -رحمه الله-: {وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ} أي: بالاعتقادات والأقوال والأعمال فهؤلاء الذين سلموا من الذم وحصل لهم غاية المدح (تفسير القرآن ج5ص146)، قال الشيخ عمر الأشقر -رحمه الله-: يدخل فيهم جميع من دخل في الإيمان مهتدياً بهدي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة (المعاني الحسان ص 1464).

قال ابن القيم -رحمه الله-: إن الآية قصد بها مدح السابقين والثناء عليهم وبيان استحقاقهم أن يكونوا أئمة متبوعين (إعلام الموقعين ج2ص421).

اتباعهم والسير على منهجهم

(2): أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - باتباعهم والسير على منهجهم: قال - صلى الله عليه وسلم - «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء...» الحديث - رواه الترمذي، قال ابن القيم -رحمه الله-: فقرن سنة خلفائه بسنته وأمر باتباعها كما أمر باتباع سنته، وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأن يعض عليها بالنواجذ. وهذا يتناول ما أفتوا به وسنوه للأمة وإن لم يتقدم من نبيهم فيه شيء وإلا كان ذلك سنته، ويتناول ما أفتى به جميعهم أو أكثرهم أو بعضهم؛ لأنه علق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدون. ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد فعلم أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو من سنة الخلفاء الراشدين (إعلام الموقعين ج2ص 433).

     قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: «فارض لنفسك ما رضي القوم لأنفسهم؛ وقف حيث وقف القوم، وقل كما قالوا واسكت كما سكتوا؛ فإنهم على علم وقفوا، وببصر ناقد كفوا، وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل كانوا أحرى؛ فلئن كان الهدي ما أنتم عليه فلقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم حدث بعدهم فما أحدثه إلا من سلك غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم وإنهم لهم السابقون».

     وقال الشعبي -رحمه الله-: «عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وأراء الرجال وإن زخرفوها لك بالقول». وقال الأوزاعي -رحمه الله-: «اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا» (إعلام الموقعين ج2ص 442).

     قال إبراهيم النخعي: «لو بلغني عنهم -يعني الصحابة- أنهم لم يجاوزوا بالضوء ظفراً ما جاوزته به، وكفى على قوم إزراً أن تخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم - صلى الله عليه وسلم -» (إعلام الموقعين ج2ص 442).

الانطلاق من أصول الكتاب والسنة

     وبعد تعريف معنى النص لغة بأنه رفع الشيء وشرعا بأنه ما نص عليه الكتاب والسنة ويلحق بهما سنة الخلفاء الراشدين؛ يتبين أن السلفية في تعاملها مع النص تنطلق من نص الآيات والأحاديث التي ذكرت، وما لم يُذكر أكثر بكثير فقد تضافرت الأدلة على ذلك، فمن يتهم السلفية (التي تتبع الكتاب والسنة وسلف الأمة) بأن لديها خلل في قراءة النصوص فبلسان حاله يتهم سلف هذه الأمة بالتهمة نفسها، وأنهم جهلوا فهم النصوص عن النبي -[- بل وأولوها تبعاً لأغراضهم، وهنا نلزمهم بالآتي: هل سلف هذه الأمة فهموا النصوص خطأ وقاموا بتأويلها تبعاً لأهوائهم مما ترتب عليه خلل عندهم فى التطبيق؟فإن قلتم: لا لم يكونوا كذلك؛ فقد سقطت دعوتكم

وإن قلتم: نعم؛ فقد طعنتم في خير البشر بعد الأنبياء فقد قال - صلى الله عليه وسلم - (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم.... الحديث).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك