السعودية وتركيا تحديات الماضي وشراكة المستقبل
العلاقات السعودية التركية تؤكد أهمية التعاون المشترك في كل المجالات التي تقوي اقتصاد الدولتين، وبالأخص التقدم في بناء صناعات عسكرية متطورة في مجال الصناعات الدفاعية الأساسية
العلاقات بين البلدين علاقات تكامل والرؤية الإستراتيجية متطابقة بين البلدين فيما يتعلق بأمن المنطقة واستقرارها، والحرب على الإرهاب في إطار التحالف الإسلامي
تحت شعار (الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام) انعقدت الأسبوع الماضي في العاصمة التركية اسطنبول أعمال الدورة الثالثة عشر لمؤتمر القمة الإسلامي، وقد امتدت من العاشر إلى الخامس عشر من هذا الشهر، وأكدت منظمة التعاون الإسلامي أن المؤتمر سعى إلى اتخاذ قرارات ومبادرات عملية تسعى إلى النهوض بالعمل الإسلامي المشترك، والارتقاء بالدور المناط بمنظمة التعاون الإسلامي على الساحتين الإقليمية والدولية.
خص الملك سلمان بن عبد العزيز، زيارة أنقرة قبل يومين من انطلاق مؤتمر قمة (منظمة التعاون الإسلامي) في إسطنبول، في دورتها الثالثة عشرة، أبريل 2016، وفي ذلك دلالة كبيرة؛ حيث إن تحسن العلاقات بين البلدين آخذ بالازدياد والتوسيع والتوثيق، وقد بدأت تأخذ زخمها الجديد بعد تولي الملك سلمان الحكم قبل عام ونيف تقريبا.
وكان الرئيس أردوغان، قد زار السعودية زيارات عدة بعد تولي الملك سلمان، كان آخرها في الأيام الأخيرة من العام الماضي، ووقع مع الملك سلمان على تأسيس مجلس تعاون استراتيجي، ومن المتوقع أن يتم في هذه الزيارة تأكيد مؤسسات هذا المجلس، وتأسيس لجانه الوزارية المختصة، بما فيها لجان التعاون في الصناعات الدفاعية العسكرية بين البلدين، فضلا عن شراء السعودية كميات كبيرة من الأسلحة الدفاعية التركية، وتوقيع عقود مجمعات سكنية كبيرة في المملكة العربية السعودية، تقوم الشركات التركية بتنفيذها في الأشهر القادمة.
أهمية التعاون المشترك
إن الزيارات السعودية والتركية المتبادلة تؤكد أهمية التعاون المشترك في كل المجالات التي تقوي اقتصاد كلتا الدولتين، وبالأخص التقدم في بناء صناعات عسكرية متطورة في مجال الصناعات الدفاعية الأساسية، وهذا تعاون يحمل مؤشرات مهمة على أهمية المشاركة في تحالف سعودي تركي يحمي استقرار المنطقة أولاً، ويحافظ على الأمن القومي العربي والتركي والإقليمي ثانياً، ويدافع عن أمن الدولتين، وما بينهما من جغرافيا عربية وإقليمية، من التهديدات الخارجية ثالثاً، وبالأخص بعد أن تمادت بعض دول الجوار كثيراً في سياساتها التوسعية في السنوات الثلاث عشرة الماضية، بانتهاك الأمن القومي العربي والتركي في العراق أولاً، وبعدها في سوريا منذ عام 2012، وبعدها في اليمن منذ عام 2014، فضلاً عن انتهاكات طائفية عديدة في دول مجلس التعاون الخليجي.
إن السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي، بحاجة إلى دعم تركيا في مواجهة أخطاء السياسة الطائفية في البلاد العربية والخليجية، وهذا الدعم التركي متوفر، ومقتنع بما تشكو منه السعودية، ولاسيما بعد اضطرار السعودية، ودول عربية وإسلامية عديدة، إلى دخول (عاصفة الحزم) في اليمن؛ لاستعادة الشرعية بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن، بتاريخ 21/9/2014، فقد كان الموقف التركي واضحاً وصريحاً وداعماً لعاصفة الحزم، بل ومندداً بالسياسة الطائفية التي تنتهجها تلك الدول.
العبث الطائفي
إن اللقاء السعودي التركي ضروري جداً في هذه المرحلة، بعد العبث الطائفي في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، والخليج، الذي دام لأكثر من ثلاثة عشر عاماً، وخلّف وارءه أضراراً كبيرة، قتل فيه أكثر من مليوني عربي مسلم في العراق وسوريا واليمن، ودمر اقتصاد هذه الدول؛ كل ذلك يفرض على القيادتين أولاً أن تضعا حجر الأساس؛ لوضع استراتيجية أمنية؛ لحماية المنطقة من أي تهور أمني يمكن أن تقدم عليه السياسات الخطأ في المنطقة.
مجلس التعاون السعودي التركي
إن من المؤمل أن تكون زيارة الملك سلمان لتركيا لإعلان ما كان غير معلن، من تعاون ولقاءات بين مسؤولي البلدين، وأن تكون هذه الزيارة تدشيناً حقيقياً لمجلس التعاون السعودي التركي، الذي تم الاتفاق على إنشائه خلال زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأخيرة إلى السعودية؛ فالعلاقات بين البلدين هي علاقات تكامل، أكثر منها علاقات مميزة، والرؤية الاستراتيجية متطابقة بين البلدين فيما يتعلق بأمن المنطقة واستقرارها، والحرب على الإرهاب في إطار التحالف الإسلامي.
الملف السوري
وقد مثل الملف السوري مسألة قلق شديد لكلتا الدولتين في السنوات الماضية، فضلاً عن الملف العراقي، وقد شعرت السعودية وتركيا أن كل الدول التي تدخّلت عسكرياً في سوريا لم تسطع أن تقدم حلاً سياسياً، ولا عسكرياً للأزمة السورية؛ لأنها كانت تحاول أن تفرض حلاً ضد إرادة الشعب السوري؛ فالشعب السوري ثار ضد مظالم الطائفية داخل المجتمع السوري، فكيف يقبل بها طائفية إقليمية تفرض على سوريا ولبنان منذ سنوات؟ ولذلك فشل التدخل الطائفي العسكري في فرض رؤيته على السوريين، بالرغم من زجه لمقاتلي حزب الله اللبناني، وغيرهم من الفصائل الطائفية، لكنه فشل في أن يقمع الثورة السورية، ويفشل في أن يشكل تابعاً عسكرياً يغطي على قصف الجيش الروسي لمواقع المعارضة السورية، بعد تدخله العسكري بتاريخ 30/9/2015؛ ما جعل الروس ينسحبون من سوريا وهم فاقدو الثقة بجيش الأسد، وغيره من المتطوعين الطائفيين.
الملف العراقي
والملف الآخر الذي لا يقل خطورة عن الملف السوري هو الملف العراقي، وتحديداً في عملية تحرير الموصل، وما يتم التحضير له من الحكومة العراقية، التي ترفض أن يكون تحرير الموصل على أيدي العشائر العراقية العربية السنية، التي ترفض أن يتم التحرير على أيدي الحشد الشعبي، الذي تصر الحكومة العراقية على جعله جزءًا من قوات الأمن الرسمية، كما أن قوات تابعة لحزب الله اللبناني تقاتل في العراق باعتراف حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، وموقف السعودية وتركيا متوافق أيضاً بشأن هذا الملف، وهذا ما يتطلب أن تتشارك الدولتان السعودية والتركية في الضغط على وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون؛ بأن تكون جادة وحازمة في منع مشاركة الفصائل الطائفية، في عملية تحرير الموصل، بغض النظر عن موقف الحكومة العراقية.
مرحلة جديدة
إن القمة السعودية التركية هي أمام مرحلة جديدة قادمة، لابد أن تظهر قوة وحزمًا، وسياسة إقليمية جديدة، وتعاونًا إسلامياً مختلفاً عن السابق؛ لمواجهة التحديات في المنطقة والعالم الإسلامي في المستقبل، دون الحاجة إلى اعتبار ذلك تحالفاً ضد أحد بعينه؛ حيث إن السعودية وتركيا لا تسعيان إلى معارضة المصالح المشروعة لأي دولة في المنطقة، سواء كانت مصالح تجارية، أو ثقافية، أم سياحية، أم غيرها، ولكنها ينبغي أن تمنع السياسات الخطأ لأي دولة تحاول أن تعبث بأمن المنطقة واستقرارها، وتكون سببًا في الإضرار بها، وإزهاق أرواح الملايين بغير وجه حق.
لاتوجد تعليقات