رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 8 سبتمبر، 2020 0 تعليق

السبيل الأمثل في الدعوة إلى الله

 

بين الله -سبحانه وتعالى- طريق الدعوة إليه، وماذا ينبغي للداعي؟ فقال -عز وجل-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف:108). فالداعي إلى الله يجب أن يتحلى بالعلم والبصيرة. والإخلاص لله. والموعظة الحسنة.

العلم والبصيرة

     فيجب أن يكون لدى الداعي العلم والبصيرة فيما يدعو إليه، وفيما ينهى عنه، حتى لا يقول على الله بغير علم. وأن يكون لديه الحكمة أي العلم، وسمي العلم بالحكمة؛ لأنه يردع عن الباطل، ويعين على اتباع الحق. وأن يصاحب ذلك الإخلاص لله في دعوته، يريد ثوابه ومغفرته، ويريد صلاح الناس. وأسلوبه في الدعوة بالموعظة الحسنة.

الموعظة الحسنة

     فيكون مع العلم موعظة حسنة، وجدال بالتي هي أحسن، عند الحاجة إلى ذلك؛ لأن بعض الناس قد يكفيه بيان الحق بأدلته، لكونه يطلب الحق؛ فمتى ظهر له قبله، فلا يكون في حاجة إلى الموعظة، وبعض الناس يكون عنده بعض التوقف وبعض الجفاء، فيحتاج إلى الموعظة الحسنة. قال الله -عز وجل-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:125).

الحق بالأدلة

     فالداعي إلى الله يعظ ويذكر بالله متى احتاج إلى ذلك مع الجهال والغافلين، ومع المتساهلين حتى يقتنعوا ويلتزموا بالحق، وقد يكون المدعو عنده بعض الشبهات، فيجادل في ذلك، ويريد كشف الشبهة، فالداعي إلى الله يوضح الحق بأدلته، ويجادله بالتي هي أحسن؛ لإزاحة الشبهة بالأدلة الشرعية.

اللين والرفق

     ويحتاج في ذلك إلى أسلوب حسن ورفق، لا بعنف وشدة؛ حتى لا ينفر المدعو من الحق، ويصر على الباطل، قال الله -عز وجل-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران:159). وقال الله لما بعث موسى وهارون إلى فرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه:44) . ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «من يحرم الرفق، يحرم الخير كله».

الإعراض والقسوة

     فالداعي إلى الله -عز وجل- عليه أن يتحرى الحق، ويرفق بالمدعو، ويجتهد في الإخلاص لله، وعلاج الأمور بالطريقة التي حددها الله -عز وجل- وهي الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وأن يكون في هذا كله على علم وبصيرة حتى يقنع الطالب للحق، وحتى يزيح الشبهة لمن عنده شبهة، وحتى يلين القلوب لمن عنده جفاء وإعراض وقسوة؛ فإن القلوب تلين بالدعوة إلى الله، والموعظة الحسنة وبيان ما عند الله من الخير لمن قبل الحق، وما عليه من الخطر، إذا رد الدعوة التي جاءت بالحق، إلى غير هذا من وجوه الموعظة.

صفات الدعاة

     وأما أصحاب الحسبة وهم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فعليهم أن يلتزموا الآداب الشرعية، ويخلصوا لله في عملهم، ويتخلقوا بما يتخلق به الدعاة إلى الله؛ من حيث الرفق وعدم العنف، إلا إذا دعت الحاجة إلى غير ذلك من الظلمة والمكابرين والمعاندين، فحينئذ تستعمل معهم القوة الرادعة؛ لقول الله -سبحانه-: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (العنكبوت:46)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»، خرجه مسلم في صحيحه.

ينكر المنكر بالرفق

     أما غيرهم فيعامل في إنكار المنكر والدعوة إلى المعروف بمثل ما يفعل الداعي: ينكر المنكر بالرفق والحكمة، ويقيم الحجة على ذلك؛ حتى يلتزم صاحب المنكر بالحق، وينتهي عما هو عليه من الباطل، وذلك بحسب الاستطاعة، كما قال الله -سبحانه-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن:16)، وكما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق: «من رأى منكم منكرا...» الحديث. ومن الآيات الجامعة في ذلك قول الله -عز وجل-: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنََ عَنِ الْمُنْكَرِ} (التوبة:71) وقوله -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110).

لا يَتَنَاهَوْنَ

     وقد توعد الله -سبحانه- من ترك ذلك، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم؛ حيث قال في كتابه الكريم في سورة المائدة: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة:78-79).

المسؤولية كبيرة

     فالأمر عظيم والمسؤولية كبيرة، فيجب على أهل الإيمان وأهل القدرة من الولاة والعلماء وغيرهم من أعيان المسلمين الذين عندهم قدرة وعلم أن ينكروا المنكر ويأمروا بالمعروف، وليس هذا لطائفة معينة، وإن كانت الطائفة المعينة عليها واجبها الخاص والعبء الأكبر، لكن لا يلزم من ذلك سقوطه عن غيرها، بل يجب على غيرها مساعدتها، وأن يكونوا معها في إنكار المنكر والأمر بالمعروف؛ حتى يكثر الخير ويقل الشر، ولا سيما إذا كانت الطائفة المعينة لم تقم بالمطلوب، ولم يحصل بها المقصود، بل الأمر أوسع والشر أكثر، فإن مساعدتها من القادرين واجبة بكل حال.

فرض كفاية

     أما لو قامت بالمطلوب وحصل بها الكفاية فإنه يسقط بها الوجوب عن غيرها في ذلك المكان المعين أو البلد المعين؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، فإذا حصل بالمعينين أو المتطوعين المطلوب من إزالة المنكر والأمر بالمعروف صار في حق الباقين سنة، أما المنكر الذي لا يستطيع أن يزيله غيرك؛ لأنك الموجود في القرية أو القبيلة أو الحي، وليس فيها من يأمر بالمعروف، فإنه يتعين عليك إنكار المنكر والأمر بالمعروف ما دمت أنت الذي علمته، وأنت الذي تستطيع إنكاره، فإنه يلزمك، ومتى وجد معك غيرك صار فرض كفاية، من قام به منكما حصل به المقصود، فإن تركتماه جميعا أثمتما جميعا.

     والخلاصة، أنه فرض على الجميع، فرض كفاية، فمتى قام به من المجتمع أو القبيلة من يحصل به المقصود سقط عن الباقين. وهكذا الدعوة إلى الله متى تركها الجميع أثموا، ومتى قام بها من يكفي دعوة وتوجيها وإنكارا للمنكر صارت في حق الباقين سنة عظيمة؛ لأنه اشتراك في الخير وتعاون على البر والتقوى.

من (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 4/ 226) بتصرف.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك