رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 29 نوفمبر، 2010 0 تعليق

الزيــغ بعد الهدى


بقلم: د. أميـــــر الحـداد

كنا في مجلس علم أيام التشريق في منى.. تناول الشيخ أمورا كثيرة مما يجب على من أدى فريضة الحج أن يراعيها بعد أداء هذا الركن العظيم، كنت وصاحبي في طريقنا إلى مكان إقامتنا بعد انتهاء المحاضرة.

- أكثر ما شدني في هذا الدرس تركيز الشيخ على ضرورة الخوف من الضلال بعد الهدى، وتفسير قول الله تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} (آل عمران: 8).

استدركت عليه:

- وهذه الآية جاءت بعد بيان حال الراسخين في العلم.. في الآية التي قبلها.. ولذلك قال كثير من المفسرين: هذا الدعاء من جملة ما يقوله الراسخون في العلم بعد أن قالوا: {آمنا به كل من عند ربنا}.

لو تفكرنا قليلا لأيقنّا حقا أن أخوف ما يجب أن يخاف العبد على نفسه.. الضلال بعد الهدى.. ولذلك وجب عليه ألا يركن إلى نفسه في هذه القضية الخطيرة.. بل يبذل الأسباب.. ويدعو الله أن يثبته على الحق.. كان من تعليم النبي [ لأمته أنه كان كثيرا ما يدعو: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» البخاري.

- ولاحظ أن الدعاء: {لا تزغ قلوبنا}.. و«ثبت قلبي».. وذلك أن الأفعال قد تختل أحيانا، وتقتصد أحيانا أخرى، ولكن إذا زاغ القلب وضل، فإن الفساد يصيب كل شيء، وهذا وصف بني إسرائيل عندما آذوا موسى عليه السلام:{فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين} (الصف: 5).

ولكن كيف نجمع بين قول الله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} (الأنفال: 2) وقوله تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد: 28).

- المؤمن إذا ذكّر بالله خاف من لقائه.. وعذابه.. وذلك في الحياة الدنيا، فاجتنب المعصية.. خوفا من الله، وإذا ذكر الله اطمأن قلبه فلا يجزع لأمور الدنيا ومصائبها وتقلباتها.. فالمؤمن حاله بين الخوف والرجاء، وهو للخوف أحوج في حياته وللرجاء أحوج في احتضاره

- والأمر الآخر الذي يخافه المؤمن في حياته؟

كنا قد توقفنا لتناول شيء من المرطبات قبل الوصول إلى مخيمنا:

الأمر الآخر هو الخوف من عدم قبول العمل.. كما في تفسير قوله عز وجل: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} (المؤمنون: 60).

حتى يحصل أحدنا على هاتين الصفتين: الخوف من الزيغ بعد الهدى، والخوف من عدم قبول العمل الصالح، ينبغي أن يذكر نفسه دائما بهذا الأمر.. ذلك أن الشيطان يريد للمؤمن أن يركن إلى عمله.. وينسيه ذكر الله.. والدعاء.. حتى ينال منه.. وكما أضاف الله الزيغ إلى القلب.. أضاف الهداية إلى القلب: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم} (التغابن: 11).

- وهل تضاف (الإزاغة) إلى الله عز وجل؟

- إن الله خلق الخير والشر، والإنسان يختار بإرادته، ويقال هنا كما يقال في قوله عز وجل: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون} (النحل: 93)، واسمع قول الله تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} (محمد: 17).. والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدور حول معنى واحد: أن الذي يأخذ بأسباب الهداية.. من الإخلاص.. والعمل.. والدعاء.. يهديه الله.. بفضله.. ومن يترك الأسباب ويتبع سبيل الضلال، يتركه الله لاختياره.. بعدله.. وهذا وذاك كله بمشيئة الله.. لا شيء يقع رغما عن الله عزوجل، ولذلك جاء في الحديث القدسي عن حال العبد يوم القيامة يقول الله عز وجل: «يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» مسلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك