رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سامح محمد بسيوني 20 يونيو، 2023 0 تعليق

الزواج من أسباب السعادة (2)

استكمالا لما بدأنا الحديث عنه في المقال السابق عن الزواج، وأنه يُعد مِن المحطات الفارقة في حياة الإنسان؛ فتفاضل الرجال فيما بينهم عند الله في الآخرة يكون منه حسن تعاملهم مع زوجاتهم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خَيرُكم خَيرُكم لأهلِه، وأنا خَيرُكم لأهلي»، وسباق النساء نحو أبواب الجنان يكون على قَدْر طاعة المرأة لزوجها، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا ‏صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ‏شِئْتِ»، وذكرنا أن الزواج في ذاته من أسباب سعادة العبد في الحياة الدنيا.

       ثم ذكرنا من أسباب ذلك فهم الطرفين لحقيقة الزواج، وأنه نعمة عظيمة، ثم ذكرنا حقوق الزوج على زوجته، واليوم نتكلم عن حقوق الزوجة على زوجها.

الزوج راع في بيته

        فالزوج راع في بيته، ومسؤول عن زوجته، ومأمور من الله بحسن عشرتها، كما قال -تعالى-: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}(النساء:19)؛ وحسن العِشرة -كما قيل-: «لفظ جامع ترجع إليه جميع الحقوق الواجبة للزوجة»، وعليه فتأدية الزوج لحقوق زوجته أمر واجب عليه، وليس تفضُّلًا منه عليها، وهو سبب لدوام السعادة الزوجية والسكنى والمودة الأسرية بينهم.

الزواج بذل وعطاء

        فالزواج في حق الرجل يجب أن يكون: بذلا وعطاء، وعهدا ووفاء، وتضحية وإيمانا، ولزوم طاعة وإحسانا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى الرجال بزوجاتهم، فقال: «استوصوا بالنساء خيرا»، وقال أيضًا - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».

الحقوق الواجبة على الرجل

الحقوق الواجبة على الرجل تجاه زوجته كثيرة منها ما يلي:

(1تحمل المسؤولية وتحقيق القوامة

        من أهم واجبات الرجل تحمل المسؤولية وتحقيق القوامة الأسرية، بالسعي على الرزق للإنفاق على الزوجة والأبناء، قال -تعالى-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء:34)؛ فالزوجة لا يجب عليها الإنفاق في المنزل أو على الأولاد، وإن فعلتْ فهذا تفضل منها تستحق عليه الشكر والثناء.

قرار المرأة في بيتها معززة مكرمة

       والأصل للمرأة أن تقر في بيتها معززة مكرمة، وأن يقوم زوجها على قضاء حوائجها، وذمتها المالية ذمة منفصلة، فلا يؤخذ من مالها شيء إلا برضاها، ولا يُفرض عليها أن تنفق في احتياجات المنزل إلا إن رضيت بذلك، وهذا بخلاف ما نراه الآن في بعض البيوتات من بعض الأزواج الذين يجبرون زوجاتهم -ولا سيما العاملات منهن أو مَن كانت لها مال خاص من أهلها- على النفقة في المنزل؛ مما يسبب الكثير من المشكلات بين الزوجين، بل ويؤدي غالبًا إلى تجرؤ المرأة على زوجها لفقده جزءًا من أسباب قوامته؛ فتحدث بسبب ذلك ردودٌ من الأفعال العكسية التي يريد منها الرجل أن يثبت بها قوامته بطريقة أخرى سلطوية، فيؤدي هذا إلى هدم العلاقة الزوجية أو فقد المودة والرحمة الأسرية.

(2) تعاهدها في أمور دينها

        من الواجبات المفروضة على الرجل تجاه زوجته حثها على دوام الطاعة لربها؛ فقد قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6)، فالزواج ليس مجرد قضاء وطر، بل هو مسؤولية عظيمة فـ«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم .

        والعجيب أن أحدنا قد يغضب على زوجته إن قصرت في إعداد طعامه أو تهيئة نفسها له، أكثر من غضبه إن قصرت في حقوق ربها، بل قد يصل الأمر ببعض الرجال ألا ينشغل أساسًا بأحوال زوجته الإيمانية؛ فلا يسأل عن صلاتها ولا يهتم بحجابها، ولا يتحرى عن معرفتها بأحكام المرأة الخاصة بها اللازمة لصحة عبادتها، كأحكام الحيض، وغيره!

الاهتمام بنصح الزوجة

        كما أن البعض من الرجال قد لا يهتم بنصح زوجته وتعليمها ما تجهل من أحكام دينها، ولا يحفزها، ولا يعاونها في ذلك، مع أنه يجب أن يحرص على ذلك، بل ويكون القدوة المحفزة لها على زيادة إيمانها، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رَحِم الله رجلًا قام من الليل فصلَّى، وأيقظ امرأته فصلت»، فسؤال زوجتك عن أحوال صلاتها وأذكارها وقراءتها للقرآن إلى غير ذلك من أحوالها الإيمانية برفق ولين ومحبة، وإشفاق عليها، والحرص على ذلك يوميًّا في وقت خاص بينك وبينها، من أعظم أسباب استمرار السعادة الزوجية بينكما.

(4) غض الطرف عن بعض أخطائها

        من حكمة الرجل أن يغض الطرف عن بعض أخطاء زوجته ما لم يكن فيه إخلال بشرع الله؛ وهذا لا يكون إلا من خلال الموازنة بين حسناتها وسيئاتها، فإن رأى منها ما يكره، تذكر أنه رأى منها ما يعجبه ويحبه، وإلى هذا أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجال في قوله: «لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا، رضي منها آخر»، فبعض الغفلة للرجال مع نسائه حكمة ولاسيما مع اختلاف الطبائع بين الرجل والمرأة وشدة عاطفية المرأة وسرعة تقلب مزاجها.

        ونصيحتي إليك في ذلك أنك إن ضاقت نفسك من بعض تصرفات أو ردود أفعال زوجتك فانسحب بعيدا لفترة قصيرة وأغمض عينيك قليلا، وتذكر سريعا أن بعض الحسنات العظيمة والخصال الحميدة عندها، وأن بعض الأخطاء السابقة التي وقعت منك وتغاضت هي عنها محبة لك، فحينئذ ستهدأ نفسك، وينضبط ميزانك، ويستقيم رد فعلك.

(5) ألا يؤذيها بضربها أو بتقبيحها

       فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك حين قال: «... ولا تضرب الوجه، ولا تُقبِّح ...»، وقال أيضا: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم»، وقد أمر الله -عز وجل- الرجل بالتدرج مع المرأة حال نشوزها وتركها لطاعته؛ فيبتدئ أولاً بوعظها بما أمرها الله به، ثم الهجران لها، وقد بينه ابن عباس رضى الله عنه-: «هو أن يولِّيَها ظهره على الفراش ولا يكلمها»، وقال الشعبي ومجاهد: «هو أن يهجر مضاجعتها»، ثم بعد ذلك إن لم تستجب فيشرع الضرب غير المبرِّح، والمقصود به اللكز غير المهين على سبيل الزجر والتأديب كما قال ابن عباس: «أدبًا مثل اللكزة»، كما قال -تعالى-: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء:34)، ولننتبه! فقد هدد الله -عز وجل- الرجال إذا بغوا على نسائهم بغير سبب، موضحا أنه -سبحانه وتعالى- عليٌّ كبير ومنتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.

(6) إعطاؤها الوقت الكافي للحديث

       مما يغفل عنه كثير من الأزواج عدم إعطاء زوجته الوقت الكافي للجلوس معها يحدثها ويستمع إلى حديثها، يحتويها ويلاطفها ويشاركها بعض اهتماماتها؛ فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس مستمعًا إلى السيدة عائشة -رضي الله عنها- وهى تقص عليه حديث النسوة اللاتي جلسن وتعاقدن على ألا يكتمن من خبر أزواجهن شيئًا -وهو حديث أم زرع الطويل كما عند البخاري ومسلم-، ومع ذلك لم يمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث السيدة عائشة وهي تحدِّثه، بل لاطفها في أخر الحديث قائلا لها: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع»، وقد كان أيضا -صلى الله عليه وسلم - يسابق السيدة عائشة في بعض الأوقات، وكان يفرغ نفسه فيسترها خلف ظهره لتنظر إلى لعب الحَبَش بحرابهم في المسجد، بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك