رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله 25 نوفمبر، 2017 0 تعليق

الزلازل عبرة وعظة

إن الله -سبحانه وتعالى- حكيم عليم فيما يقضيه ويقدره، كما أنه حكيم عليم فيما شرعه وأمر به وهو -سبحانه- يخلق ما يشاء من الآيات، ويقدرها تخويفا لعباده وتذكيرًا لهم بما يجب عليهم من حقه وتحذيرًا لهم من الشرك به ومخالفة أمره وارتكاب نهيه كما قال الله - سبحانه -: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} وقال - عز وجل -: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} وقال - تعالى -: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} الآية.

     روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لما نزل قول الله -تعالى- قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعوذ بوجهك، قال: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قال: أعوذ بوجهك. وروى أبو الشيخ الأصبهاني عن مجاهد في تفسير هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قال: الصيحة والحجارة والريح. (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) قال: الرجفة والخسف.

     ولا شك أن ما حصل من الزلازل في هذه الأيام هو من جملة الآيات التي يخوف الله بها - سبحانه – عباده، وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل وغيرها مما يضر العباد، ويسبب لهم أنواعا من الأذى، كله بأسباب الشرك والمعاصي، كما قال الله - عز وجل -: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} وقال - تعالى -: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} وقال - تعالى -عن الأمم الماضية: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، فالواجب على المكلفين من المسلمين جميعهم  وغيرهم التوبة إلى الله - سبحانه -، والاستقامة على دينه، والحذر من كل ما نهى عنه من الشرك والمعاصي، حتى تحصل لهم العافية والنجاة في الدنيا والآخرة من جميع الشرور، وحتى يدفع الله عنهم كل بلاء، ويمنحهم كل خير كما قال - سبحانه -: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، وقال - تعالى -في أهل الكتاب: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} وقال - تعالى -: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله - ما نصه: «وقد يأذن الله - سبحانه - للأرض في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله - سبحانه -، والندم كما قال بعض السلف، وقد زلزلت الأرض: «إن ربكم يستعتبكم»، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد زلزلت المدينة، فخطبهم ووعظهم، وقال: «لئن عادت لا أساكنكم فيها» انتهى كلامه - رحمه الله -، والآثار في هذا المقام عن السلف كثيرة.

     فالواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات والكسوف والرياح الشديدة والفيضانات المبادرة بالتوبة إلى الله - سبحانه -، والضراعة إليه وسؤاله العافية، والإكثار من ذكره واستغفاره كما قال - صلى الله عليه وسلم - عند الكسوف: «فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره»، ويستحب أيضا رحمة الفقراء والمساكين والصدقة عليهم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ارحموا ترحموا» «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من لا يرحم لا يرحم»، وروي عن عمر بن عبد لعزيز - رحمه الله - أنه كان يكتب إلى أمرائه عند وجود الزلزلة أن يتصدقوا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك