رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد 25 نوفمبر، 2017 0 تعليق

الرواية من أدوات الملحدين في التشنيع على عقيدة الإيمان باليوم الآخر

تعد الرواية من الأدوات التي يعتمد عليها الملحدون في ترويج باطلهم وتزييف الحقائق، ومن ذلك الرواية التي كتبها الملحد (Colin M Wilson) بعنوان: (المحاكمة): يصور فيها البعث والحساب والجنة والنار على أنها أدوات انتقامية لمحاكمة إلهية غير عادلة، وبرغم ما زخرت به الرواية من سذاجة في التناول، ورداءة في الفكرة، وسطحية في المعالجة، وركاكة في الأسلوب، حالها حال الروايات التي على شاكلتها، من مثل: (الكون يحاكم الإله)، لعبد الله القصيمي، و(مسافة في عقل رجل) لعلاء حامد وغيرهما، إلا أن القصة تكشف عن أحد الأسباب المهمة التي يدندن حولها الملحدون للتشنيع على عقيدة الإيمان باليوم الآخر، وفي هذه الرواية يتضح لنا أن الإلحاد يتكئ في إنكاره لعقيدة اليوم الآخر، على شبهتين:

استحالة البعث بعد الموت

- الشبهة الأولى: وهي الشبهة القديمة التي صرح بها الكفار جميعهم في العصور كلها، وهي استحالة البعث بعد الموت، حين يرم اللحم ويبلى العظم؛ إذ لو كان البعث ممكناً لعاد الآباء والأجداد لنا بعد موتهم، وهذه الشبهة قد تم دحرها بما ثبت من أدلة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وكذلك الأدلة العقلية والكونية التي تؤكد إمكان البعث، بل وجوبه على نحو ما تقرر في أقدار الله، وطبيعة خلقه للكائنات، وقد سبق تناول ذلك في مقالتين سابقتين.

انعدام العدالة

- والشبهة الثانية: وهي الحديثة التي عبر عنها صاحب الرواية السابقة، وتتمثل في انعدام العدالة بإدخال المؤمنين الجنة لمجرد أنهم مؤمنون، مهما صدر عنهم من شرور، وإدخال الكافرين والفاسقين النار لمجرد أنهم كافرون أو فاسقون مهما صدر عنهم من بر وإحسان ونفع في الدنيا! وإن هذه الشبهة مردها إلى الجهل بحقيقة العبادة، وغاية الخلق، وصفات الله -تعالى- التي سنبينها من خلال النقاط التالية: 

حقيقة العبادة في الإسلام

      العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة؛ فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر، والقراءة، وأمثال ذلك من الأعمال هي من العبادة، وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضاء بقضائه والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف لعذابه، وأمثال ذلك هي أيضاً من العبادة لله (ابن تيمية، العبودية، ص1).

      ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة». صحيح الجامع الصغير رقم 2908؛ فكل عمل نافع للنفس أو للآخرين يعد عبادة لله -عز وجل- وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها، (صحيح البخاري، رقم 2365)، وأن بغيًّا دخلت الجنة في كلب سقته (صحيح مسلم رقم 2245)؛ فظن الملحد أن المؤمنين ينجون جميعاً من العقوبة في الآخرة من غير عمل، جهل وكذب ليس في ديننا شيء منه، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (يونس: 27).

غاية الخلق

      في الحديث القدسي يقول الله -تعالى-: «يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا، فليحمد الله ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه». (صحيح مسلم، رقم2577)؛ فالله لا يحتاج عبادتنا، لكن العبادة وسيلة أرشدنا الله إليها لنحقق بها غايتنا، وهي: الجنة، والنعيم الدائم، نعم قال الله -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56)، لكن فهم هذه الآية ينبغي أن يكون موصولاً بالحديث القدسي السابق؛ فالعبادة هي مطلوب الله منا حقاً، لكنها ليست هي كل شيء؛ إذ بعدها غاية أخرى وهي العودة إلى الجنة؛ ولذلك حدد الله لنا آلية الوصول إلى هذه الغاية (الجنة)، من خلال الآية السابقة من سورة الذاريات، ومن خلال آيات أخرى أيضاً منها قوله: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (الأعراف: 56).

الإلحاد يُعمي البصيرة

       سوء النية، وفساد الفكرة، وانفلات السلوك، هي منظومة الفساد الشخصي التي تؤدي بالملحد إلى اعتبار البعث والحساب يوم القيامة، إخلالاً بميزان العدالة!! كيف؟! كيف أهمل عن عمدٍ أن الغاية الكبرى من الحساب هي مجازاة المؤمنين {الذين عملوا الصالحات}، وقد بين الله ذلك في عديد من الآيات، منها قوله: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} (سبأ: 5-4).

الملحد جاهل بصفات الله

      فإن من صفات الله -سبحانه- أنه الرحمن الرحيم، جاء في الحديث الشريف : «إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة»، حتى جاء في رواية أخرى لذلك الحديث: «فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييئس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار» (رواه البخاري رقم 6469)؛ فليس القصد من خلقنا تعذيبنا، ولكن تمكيننا من استحقاق رحمة الله -عز وجل.

الإلحاد أظلم الظلم

      حين يقوم شخص ما بأعمال خيرية، ومشاريع نافعة، في الوقت الذي يكون فيه مؤذياً لوالده الذي رباه، أو عاقاً لأمه التي حملته وأرضعته وسهرت عليه في بداياته؛ فإننا بوصفنا عقلاء نسمي هذا الشخص عاقاً، رغم أعماله الطيبة في حق الآخرين؛ فلو صدر عليه حكم بعقوبة دنيوية على هذا العقوق؛ فإننا لا نستشعر حياله الشفقة، بقدر ما نستشعر له الأسف والحسرة؛ إذ إنه كان أعمى البصيرة، يسدي للغرباء المعروف وينسى أعظم الناس فضلاً عليه، إن هذا بعينه هو شأن الكافر والملحد؛ فكلاهما جاحد لحق الذي خلقه، ورزقه، وأكرمه ونعمه، ومكَّن له في الأرض، وسخر له من مخلوقاته، يتبوأ من الجنة المنزلة التي يشاء، ثم هو بعد ذلك يتنكر لصاحب الفضل عليه -سبحانه وتعالى- فإذا به يعمل من الخيرات، ثم لا يتقرب بها إليه، ولا ينسب فضلها إليه، بينما الله -تعالى- هو من وفقه إليها، ويسره لها، ويسرها له؛ إن هذا الجحود هو أظلم الظلم، وأقبح العقوق، وإن معاقبة من كان هذا شأنه بالنار ليست في حكم العقلاء إلا منتهى الحكمة وتمام الإنصاف والعدل.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك