رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 1 فبراير، 2011 0 تعليق

الرشوة من كبائر الذنوب

 

أكلُ الحرام سببٌ للشقاء والعناء، يقول النبي [ : “كل لحمٍ نَبَتَ من سُحتٍ فالنار أولَى به”.

ومما جاء فيه النهي الأكيد والزجرُ الشديد: جريمةُ الرِّشوة أخذًا وإعطاءً وتوسُّطًا، يقول ربُّنا -جلَّ وعلا-: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 188)، ويقول -جلَّ وعلا- في شأن اليهود الذين لهم في الدنيا الخِزيُ المبين، وفي الآخرة العذابُ المُهين: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (المائدة: 42)، ويقول عنهم: {وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } (المائدة: 62).

قال عمر ] : «بابان من السُّحْت يأكلهما الناس: الرشا ومهرُ الزانية»

فالرِّشوة مغضبةٌ للرب، مجلبةٌ للعذاب، في الحديث الصحيح أن النبي [ لعن الراشي والمُرتشي والرائش.

وروى الطبراني بسندٍ جيد عن النبي [ أنه قال: «الراشي والمُرتشي في النار»

     احذر أشد الحذر من الرِّشوة؛ فهي من أكبر الذنوب، وأعظم الجرائم، ولذا عدَّ أهل العلم الرِّشوةَ كبيرةً من كبائر الذنوب لما جاء فيها من النصوص الشرعية الصريحة.

     الرِّشوة داءٌ وَبيل، ومرضٌ خطير، تحلُّ بسببها من الشرور بالبلاد ما لا يُحصَى، ومن الأضرار بالعباد ما لا يُستقصَى، فما وقع فيها امرؤٌ إلا ومُحِقَت منه البركة في صحته وفي وقته ورزقه وعياله وعمره، وما تدنَّس بها أحدٌ إلا وحُجِبَت دعوتُه، وذهبَت مروءتُه، وفسَدَت أخلاقُه، ونُزِع حياؤه، وساء مَنبَتُه.=

      فالنبي [ الذي لا ينطق عن الهوى يقول: «كل لحمٍ نَبَتَ من سُحْتٍ فالنار أَوْلَى به» قيل: ما السُّحْتُ يا رسول الله؟! قال: «الرِّشْوة في الحكم» صحَّحه جماعةٌ من المُحقِّقين.

حقيقةُ الرِّشوة: كل ما يدفعه المرء من مالٍ ونحوه لمن تولَّى عملاً من أعمال المسلمين يتوصَّل به المُعطِي إلى ما لا يحِلُّ له.

ومن أعظم أنواعها: ما يُعطَى لإبطال حقٍّ، أو إحقاق باطلٍ، أو لظلمِ أحد.

ومن الرِّشوة: ما يأخذه المُوظَّف من أهل المصالح ليُسهِّل لهم حاجاتهم التي يجب عليه قضاؤها دون دفع هذا المال، فمن استغلَّ وظيفته ليُساوِم الناس على إنهاء مصالحهم التي لا تنتهي إلا من قِبَل وظيفته، فهو ملعونٌ على لسان رسول الله [.

     فليتقِ الله من وقع في ذلك قبل أن يفجأه الموت، فلا ينفعه حينئذٍ مالٌ ولا بنون؛ فمن مُقرَّرات دين الإسلام: أن هدايا العُمَّال غُلول، والمراد بالعُمَّال: كل من تولَّى عملاً للمسلمين، وهذا يشمل السلطان ونوَّابه ومُوظَّفيه أيًّا كانت مراتبهم.

     ومن صور الرِّشوة: من رَشَا ليُعطَى ما ليس له ولو كان مما تعود مُلكيَّته للمال العام، أو ليدفع حقًّا قد لزِمَه، أو رَشا ليُفضَّل على غيره من المُسلمين، أو يُقدَّم على سواه من المُستحقِّين في وظيفةٍ ونحوها.

     الرِّشوة مُحرَّمةٌ بأي صورةٍ كانت، وبأي اسمٍ سُمِّيَت، هديةٌ، أو مكافأةٌ، أو كرامة، فالأسماء في شريعة الإسلام لا تُغيِّر من الحقائق شيئًا، فالعبرة للحقائق والمعاني لا للألفاظ والمباني.

     روى البخاري ومسلم عن أبي حميدٍ الساعدي ] قال: استعملَ النبيُّ [ رجلاً من الأَزْد، فلما قدِمَ قال: هذا لكم وهذا أُهدِيَ إليَّ، فلما علِمَ النبيُّ -[- قام خطيبًا على المنبر، فحمِدَ الله وأثنى عليه، وقال: «ما بالُ عاملٍ أبعثُه فيقول: هذا لكم وهذا أُهدِيَ إليَّ، أفلا قعَدَ في بيت أبيه أو أُمِّه حتى ينظُر أيُهدَى إليه أم لا؟! والذي نفسي بيده؛ لا ينالُ أحدٌ منكم منها شيئًا إلا جاء يوم القيامة يحملُه على عُنقه...» الحديث.

وفي سنن البيهقي قوله ] : «هدايا العُمَّال غُلول»

قواعد لا تقبل التأويل، وهي تأصيلٌ لمبدأ: من أين لكَ هذا؟!

     ذكر ابنُ كثيرٍ في تاريخه أن جيش المسلمين لما ظفَروا بالنصر على إقليم تركستان وغنِموا شيئًا عظيمًا، أرسَلوا مع البُشرى بالفتح هدايا لعُمر ]، فأبَى أن يقبَلَها، وأمر ببيعها وجعلها في بيت مال المسلمين.

     وفي قصة عبد الله بن رواحة لما بعثَه النبي [ خالصًا على يهود خيبر، فجمعوا له حُليًّا من حُلِيِّ نسائهم، فقال: إنكم من أبغض خلق الله إليَّ، وما ذاك بحاملي على أن أحيفَ عليكم، أما ما عرضتُم من الرِّشوة فإنها سُحتٌ، وإنَّا لا نأكلها، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.

     وفي مُعلَّقات البخاري الموصولة عند غيره: ما جاء أن عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- اشتهى التفاح، فلم يجدوا في بيته ما يشتري به، فخرج وهو الخليفة آنذاك، فتلقَّاه غلمانٌ بأطباق التفاح، فتناول واحدةً فشمَّها ثم ردَّها إلى الأطباق، فقيل له في ذلك، فقال: «لا حاجة لي فيها»، فقيل له: ألم يكن رسول الله [ وأبو بكر وعمر يقبلون الهدية، فقال: «إنها لأولئك هدية، وإنها للعُمَّال بعده رِشْوة»

     فما أحوجنا اليوم -وقد كثُر الفساد-، وعبَدَ بعضٌ الدرهمَ والدينارَ، ما أحوجنا للعمل بشريعة الإسلام، والتمسُّك بزواجر القرآن، وسنة سيد ولد عدنان ].

     من أعظم المُوبِقات التي يجب على المجتمع محاربتُها: استغلال السلطة الوظيفية، والتحايُل على النظام الذي سنَّه وليُّ الأمر، وليتقِ الله من يتعاونون على سلب الأموال العامة؛ من أراضٍ وعقاراتٍ وأموالٍ ومُقدَّرات، عن طريق الرِّشوة أو غيرها، فهذه أموالٌ يجب على كل مسلم الحفاظُ عليها وصيانتُها؛ فكيف بأخذ الرِّشوة على تفويتها وتضييعها والتفريط فيها وعدم القيام بما يجبُ فيها.

قال تعالى: {َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الأنفال: 27).

     ونبيُّنا [ يُحذِّر كل من يتهاون في الأموال العامة للدولة الإسلامية، فيقول: “إن أقوامًا يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار يوم القيامة» رواه البخاري.

وعند أبي داود: أن النبي [ قال: «يا أيها الناس: من عمِلَ منكم لنا على عملٍ فكتَمَنا فيه خيطًا فما فوقه فهو غلٌّ يأتي به يوم القيامة».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك