رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 9 فبراير، 2018 0 تعليق

الرشوة محرمة من كبائر الذنوب

 

حذرنا الدين الإسلامي من صفات مقيتة وأفعال مشينة وأخلاق ذميمة، إذا أشربها قلب قسى وأظلم، وإذا ارتضاها مجتمع خرب وتهدم وفسد وتحطم، صفات قد يستهين بها كثير من الناس وهي خطيرة، ويستمرئها فئات من البشر وهي فاتكة، جالبة للخطر مفسدة للبشر، لا تبقي ولا تذر، ومن هذه الصفات صفة ذميمة انتشرت في المجتمع لها تعلق بالكسب الذي سوف يسألنا ربنا -عز وجل- عنه يوم القيامة كما صح عند الترمذي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟» هذه الصفة الذميمة هي: الرشوة، وما أدراك ما الرشوة؟! تلطخ بها أناس، وعاش بها أقوام، يسمونها بغير اسمها، ويلقبونها بغير لقبها، يغلفونها بعبارات جذابة، ويقدمونها بألفاظ خلابة فهي: هدية، وهي إكرامية، وهي رمز للحب والتقدير، وهي بدل أتعاب، وهي مكافأة، وإن هي إلا أسماء سموها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان، فالرشوة رشوة وإن تعددت مظاهرها، وتلونت مناظرها، وتنوعت أسماؤها، فما معنى الرشوة؟ وما حكمها؟

     الرشوة بفتح الراء وكسرها وضمها يقال: رَشوة ورِشوة ورُشوة: هي ما يعطيه الشخص للحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد. وقيل: هي ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل. وقيل: هي بذل المال فيما هو غير مستحق على الشخص. وقد تكون بدفع مال أو بخدمة عاجلة أو بواسطة سريعة.

محرمة ومن كبائر الذنوب

     والرشوة بهذا المعنى محرمة ومن كبائر الذنوب؛ لقوله -تعالى-: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون}. قال الذهبي في كتاب الكبائر: لا تدلوا بأموالكم إلى الحكام أي لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقا لغيركم وأنتم تعلمون أن ذلك لا يحل لكم.

     ومما يدل على تحريمها ما صح عند أبي داود من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لعن الراشي والمرتشي والرائش» فالراشي هو الذي يعطي من يعينه على الباطل، والمرتشي هو الآخذ للرشوة، والرائش هو الذي يسعى بينهما، وكلهم ملعون مطرود من رحمة الله.

     قال العلماء: إنما تلحق اللعنة الرائش إذا قصد بها أذية مسلم أو ليدفع له بها ما لا يستحق، أما إذا أعطى ليتوصل إلى حق له أو ليدفع عن نفسه ظلما أو خطرا فإنه غير داخل في اللعنة، فمن لا يستطيع أن يصل إلى حقه إلا بالرشوة فإنه يجوز أن يدفعها والإثم على الآخذ.

المجاملة لأجل المنصب

     ومن الأمور المهمة المنتشرة أيضا أن بعض الناس قد يكون في منصب أو إمارة أو مسؤولية فيجامله الناس لأجل ذلك المكان فيقبل الهدايا والعطايا، ويستجيزها لنفسه، ويعدها من أملاكه الشخصية، وهي محرمة عليه، وقد صح في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من أصحابه على إحدى البلدان فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام رسول الله على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أو لا؟ والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاه تيعر ثم رفع يده حتى رأينا بياض أبطيه ثم قال: اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت».

حرام بإجماع المسلمين

     أيها الإخوة الكرام، الرشوة من كبائر الذنوب، ومما يجلب سخط علام الغيوب، وهي حرام بإجماع المسلمين، سواء كانت للقاضي، أم للقائم على بيت المال، أم لأي عامل في وظيفة من وظائف الدولة، أم لمن يريد الوصول إلى المناصب.

أكل للمال بالباطل

     إن الإسلام يحرمها؛ لأنها أكل للمال بالباطل، وشيوعها في المجتمع شيوع للفساد والظلم. إن الرشوة تقلب الحق باطلا والباطل حقا، وترفع الوضيع وتضع الرفيع، وتذل العزيز وتعز الذليل، تقدم من يستحق التأخير وتؤخر من يستحق التقديم، تقدم السفيه الخامل، وتبعد المجد العامل، وهي مهدرة للأموال جالبة للظلم، داعية للبغضاء مثيرة للشحناء، معطلة للمصالح مجرئة للظلمة والمفسدين، تساعد على الإثم وتعين على العدوان، تهين الكريم وترفع اللئيم، تبطل حجة المحق وترفع حجة الكاذب.

مفاسد الرشوة

أيها الإخوة، مفاسد الرشوة عظيمة على الفرد والمجتمع ومنها:

1 -  أن الراشي والمرتشي والرائش مطرودون من رحمة الله.

2 - فساد الأفراد وغلبة الجشع عليهم؛ حيث يحرص كثير منهم على كسب المال وتكثيره عن طريق الرشوة.

3 - ذهاب المودة والرحمة بين أفراد المجتمع؛ بحيث يصبح قضاء حوائجهم ورد حقوقهم مرتبطا بالرشوة، فيؤدي إلى تعطيل مصالح كثير منهم، ولحوق الضرر بهم، لعجزهم أو ورعهم عن التعامل بالرشوة.

4 - عدم استجابة الدعاء وعدم التوفيق في الرزق والمعاش؛ لأن من يأكل الحرام لا تستجاب دعوته كما جاء في الحديث الصحيح فأنى يستجاب لذلك؟!

5 -  وصول من لا يستحق إلى المناصب العليا عن طريق دفع الرشوة؛ مما يؤدي إلى إسناد الأمور إلى غير أهلها الذي هو من علامات قرب قيام الساعة. قال صلى الله عليه وسلم: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» أخرجه البخاري. فتوكل الأعمال إلى سفهاء يلعبون بمصالح الناس وأموالهم.

6 - الإثم على رب الأسرة الذي يقبض الرشوة؛ حيث ينفق على أهله وذريته من المال الحرام، وقد صح في الصحيحين «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

مؤذنة بفساد المجتمع

     إن المجتمع إذا شاعت فيه الرشوة فهي مؤذنة بفساده، معلنة عن دماره، واضعة لعزيزه، مذلة لكرامته، ممتهنة لعزته، كم يكون من الإكبار والإجلال لبلد لا يعرف رشوة ولا يقبل تزويرا، صاحب الحق يأخذ حقه وصاحب العمل يقوم بواجبه دون تطلع لأحد، أو استشراف لعطاء، تشعر فيه بالراحة وتجد فيه الطمأنينة، ونوقن فيه بالإنصاف. وكم يكون من الامتهان والاحتقار والضيق بالبلد الذي لا يقوم إلا على الرشوة ولا يتحرك إلا بالعطية ولا تحصل على الحق إلا بما هو أشق، يُخدم فيه الراشي ويقدم فيه المعطي، يضيع الحق في زحمة الأموال الباطلة، ويُحرم الضعيف حقه لأنه لم يقدم رشوة ولم يأت بهدية.

     رشوة في الأحكام، رشوة في الوظائف، رشوة في الحقوق، رشوة في المدارس، رشوة في المشاريع، رشوة في المناصب، بل قد استساغها بعضهم حتى جعلها حقا واجبا. إنها مرض عضال، وداء مزعج، وخطر فاتك؛ ولذلك يجب على العقلاء أن يسعوا في قمعها، وأن يتعاونوا لدحضها، وأن يجتهدوا لتمزيقها.

     إن الدولة حينما تضع العقوبات الصارمة والجزاءات الرادعة لكل من يتعاطى الرشوة؛ فهي بذلك تحفظ كيانها وتحمي بنيانها، وتصون كرامتها، وتعين كل ذي حق لأخذ حقه، وتقمع كل ذي باطل من تحقيق باطله؛ فتنال بذلك رضا ربها، وتسعد في دنياها وآخرتها {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون واعلموا أن أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك