رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد 8 سبتمبر، 2020 0 تعليق

الرسول – صلى الله عليه وسلم – بين العصمة والكمال ودرء الشبهة عنه


يحاول ضعاف النفوس من غير المهتدين التشكيك في نزاهة الجناب الشريف لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، وذلك بإثارة الشبهات حول جوانب من حياته الشخصية، ولا سيما ما يتعلق منها بعلاقته بالنساء، وتعدد زيجاته، ومسألة المرأة التي وهبت نفسها للنبي، - صلى الله عليه وسلم -، وهيهات هيهات أن ينالوا من جنابه، لكننا مع ذلك نتقرب إلى الله -تعالى- في هذه المقالة والتي بعدها بتوضيح بعض الحقائق، لا للدفاع عنه فهو غني بالله عنا، ولكن لإزالة الغشاوة إن شاء الله -تعالى- عن بعض البصائر.

شخصيته الشريفة بين العصمة والكمال

     إن الوقائع التي تصف لنا  علاقته - صلى الله عليه وسلم - بالنساء قبل النبوة وبعدها تنبئ عن شخصية، محفوفة بالبراءة، لا تظهر عليها أمارات الشغف بالأنثى من حيث هي أنثى، بقدر ما هي علاقة محفوفة بالعطف والاحترام، وإن قلة ذلك الشغف قد تعد في بعض الحالات عند غيره - صلى الله عليه وسلم - من مخلات الفحولة ونواقص الذكورة، وإن ذلك أمر في النظر الأوَّليِّ لا يليق بنبي متصف بالكمال البشري، لولا أن مرد قلة شغفه - صلى الله عليه وسلم - لم يرجع إلى نقص في الطبع، ولكن إلى كمال وقاره، ودوام حفظ الله له، يتضح ذلك من عدم ولعه بالنساء في سن الشباب، الذي هو سن فوران الرغبة عند الرجال عادة، ثم إنه يستمر على ذلك حتى وفاة أم المؤمنين خديجة، التي ظلت في عصمته، زمنا طويلا وسع شبابه كله، ولقد كانت تكبره بخمسة عشر عاماً، ومع ذلك لم يلتفت إلى غيرها، لقد كان ذلك دليلُ كمالٍ واضحٍ ووفاءٍ كاملٍ وعصمةٍ تامةٍ لا ريب فيها، لكن الأمر لم يكن كذلك عند السطحيين ممن طالعوا سيرته لغرض الطعن والتشويه، فإذا بوقائع حياته الشريفة في علاقته بالنساء، تثير عند أعدائه الحقد والشبهات، وإن الصواب لمن طلب الحق في شأن شيء ما، أن يلم به من كل جوانبه، وألا يُصدر فيه قولاً إلا بعد تحقيق شامل ومحايد، يُقَدِّرُ فيه الوقائع بمطابقة ظرفها الذي تمت فيه، لا بتقدير مطابقتها للظرف الذي يعيشه الطاعن.

علاقته بالنساء قبل النبوة وبعدها

     لم يكن يَهِمٌّ - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة وهو لا يزال في شبابه بما يَهِمُّ به غيره من أمر النساء، وسبب ذلك أنه كان محفوظاً من الوقوع في شيء يلوث سمعته أو يضر بقلبه من جهة علاقته بالله -تعالى-، ولو كان ذلك الشيء مجرد نظرة إلى امرأة لا تحل له، ودليل ذلك ما جاء عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يَهِمُّون به من النساء إلا ليلتين، كلتاهما عصمني الله -عَزَّ وجَلَّ- فيهما، قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن في رعاية غنم أهلنا فقلت لصاحبي: تبصر لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر فيها كما يسمر الفتيان؟ « فقال علي: قال: «فدخلت حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفًا بالغرابيل والمزامير، فقلت ما هذا؟ فقيل: تزوج فلان فلانة فجلست أنظر، وضرب الله -عَزَّ وجَلَّ- على أذني، فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما فعلت شيئًا ثم أخبرته». (مسند البزار، رقم: 640، وقال السيوطي في مناهل الصفا: صحيح، برقم: 163، بفلظ أخصر من ذلك، وبذات الألفاظ في جمع الجوامع برقم: 4/ 931).

بعد النبوة والرسالة

     وأما بعد النبوة والرسالة فقد عُرف عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يمس يد امرأة قط إلا أن تكون مَحْرَماً أو زوجاً له، ففي البخاري عن عروة، أن عائشة -رضي الله عنها-، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} إلى قوله {غفور رحيم} (الممتحنة: 12)، قال عروة: قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات، قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قد بايعتك» كلاما، ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: «قد بايعتك على ذلك». (البخاري، رقم: 4891).

عناية الله بنبيه - صلى الله عليه وسلم - ورعايته له

     إن مثل ذلك من الأخبار ليدل على المقصود دلالة لا تحتاج إلى تعليق أو شرح أو توضيح، فلربما كان في شرح شيء من ذلك قصور عن بلوغ مدى عناية الله بنبيه ورعايته وحفظه له من الوقوع فيما يخدش الحياء، أو يقلل من نصيبه في الوقار والحشمة، وإن تلك الحشمة السابغة، لم تكن من ذاته الشريفة لعزوف بها عما يطلبه غيره من الرجال من أمر النساء، لكن لأن ولوجه ذلك المحل دونه باب عليه حارس من الله -تعالى-، وذلك لكمال وتمام تهيئة الله له - صلى الله عليه وسلم - لحمل عبء الرسالة وما يقتضيه من فراغ القلب عن الشواغل، وطهارة ذاته عن جميع الصوارف. وإن أوضح ما يدل على ذلك، ويؤكده، أنه برغم تحفظه الشديد في قضية العلاقة بالمرأة على هذا النحو قبل النبوة وبعدها، أنه كان قد تزوج، وأنجب، بل وتعددت زيجاته، على صورة تعدد الملوك والأنبياء من قبله، لا على صورة تعدد العامة، لإظهار تمام قوته وقدرته، وليتميز بذلك شأنه في مجتمعه ودولته عن شأن غيره، ولأسباب أخرى ستظهر للقارئ بعد ذلك.

خديجة بنت الأربعين -رضي الله عنها

     كانت أولى زيجاته - صلى الله عليه وسلم - أنه تزوج من أرملة في سن الأربعين، وتعول ثلاث بنات، -رضي الله عنهن-، بينما كان عمره خمساً وعشرين على ما هو مذكور في كتب السيرة، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعمل إذ ذاك بالتجارة، وكانت خديجة -رضي الله عنها- لديها تجارة كبيرة، وكانت امرأة غنية، ذات شرف وجمال في قريش، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - «خرج في تجارة لها إلى سوق بُصرَى، فربح ضِعف ما كان غيره يربح، قالت نفيسة أخت يعلى بن أمية: فأرسلتني خديجة إليه دسيساً (خِفْيَةً)، أعرض عليه نكاحها، فقبل وتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، والذي زوجها عمها عمرو؛ لأن أباها كان مات في الجاهلية، وحين تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت أَيِّمَاً (أرملة) بنت أربعين سنة، وكان كل شريف من قريش يتمنى أن يتزوجها، فآثرت أن تتزوج برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصابت بذلك خير الدنيا والآخرة» (عيون الأثر، ص64).

     فكتب السيرة تذكر أنها هي التي أرسلت إليه في زواجه منها، وذلك منطقي لا غضاضة فيه، تقديراً منها لحيائه أن يُقْدِمَ على ذلك ولو رغب فيه، لشرفها وغناها؛ فهي بمقاييس العالم المادي أعلى منه كعباً (قبل النبوة)؛ ثم إنك تجدها قد بقيت -رضي الله عنها- زوجة وحيدة له طيلة حياتها التي امتدت من تاريخ زواجه بها وهو ابن خمس وعشرين وحتى شارف الخمسين، ثم إنها ماتت، قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، وكان عمرها عند وفاتها خمسة وستين عاماً؛ لقد ظلت طيلة خمسة وعشرين عاماً في عصمته - صلى الله عليه وسلم - لم يفكر أن يتزوج عليها!، وهي المرأة المسنة التي تكبره بكل هذا العدد من السنوات، ثم إنه لو كان الذي منعه من ذلك شرفها وغناها، فما الذي جعل جذوة المودة متقدة في قلبه لها مع تزوجه بعدها بتسع غيرها؟!، بل ولا يترك مناسبة تُذكر فيها خديجة وقد ماتت إلا ويؤكد فيها أنها أعظم امرأة عرفها، إن أخلاقاً بهذا الرقي لا تنم عن شخصية مولعة بالنساء مطلقاً، كيف وهو لا يشيد بالعجوز -رضي الله عنها- إلا وعنده أحب النساء إلى قلبه عائشة -رضي الله عنها-، حتى أنها تقول -رضي الله عنها-: «ما غرت على امرأة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني، لِمَا كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، (اللؤلؤ المجوف)، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن» (البخاري، رقم: 3816).

     فإذا كان عهده بخديجة بعد وفاتها على ذلك القدر من الوفاء وحفظ الود، فلابد أنه ما تزوج بعدها بعشر نساء إلا بسبب آخر، لا يرجع إلى الرغبة الشخصية، ولكن إلى الوحي، أو إلى المصلحة الدينية أحياناً، أو التشريع، أو تقدير بعض العابدات في عصره - صلى الله عليه وسلم - ورفع مكانتهن.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك