رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 21 مارس، 2023 0 تعليق

الرد على دعوى معاداة الإسلام لمخالفيه وتعصبه ضد العقائد الأخرى (1)

 

يدعي بعض المغالطين أن الإسلام دين يعادي الملل والعقائد الأخرى، ويدعو إلى التعصب، والانتقام من مخالفيه، ويستدلون على هذا بتصنيف الناس إلى مسلمين وكفار، في إشارة إلى رفض الآخر ورفض التعايش معه وإهانته، ويرون أن الإسلام قد عامل الذميين بقسوة واضطهاد، وسلب حريتهم وأرهقهم بضرائب كبيرة يسميها المسلمون الجزية، وفي هذا المقال نرد على هذه الشبهة بالأدلة والبراهين.

هذه الشبهة باطلة من وجوه عدة نذكرها فيما يلي:

أولاً: التسامح

     يقف الإسلام من غير المسلمين -في حال السلم- موقف الأمان، بل إنه لم ينه عن البر بهم ما داموا لم يقاتلوا المسلمين، وإنما نهى عن بر الذين قاتلوا المسلمين في دينهم، وأخرجوهم من ديارهم، أو ظاهروا على إخراجهم، فقال -جل شأنه-: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة).

ثانيا: المعاملة بالحسنى

     ونهى القرآن الكريم عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، فقال الله -سبحانه وتعالى-: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (العنكبوت:46)، وقال -سبحانه وتعالى-: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران:64)، بل أمر الإسلام بالوفاء بالعهد حتى مع المشركين، قال -تعالى-: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} {التوبة:4}، بل لو طلب المشرك من المسلم أن يجيره فعليه أن يجيره، بل ويبلغه مأمنه، كما قال الحق -سبحانه وتعالى-: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ} (التوبة:6).

ثالثاٍ: رعاية دور العبادة

     ومن رعاية الإسلام لحقوق غير المسلمين رعايته لمعابدهم وكنائسهم، ومن محافظته عليها ما جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما حان وقت الصلاة وهو في كنيسة القيامة، فطلب البطريرك من عمر أن يصلي بها، وهم أن يفعل ثم اعتذر، ووضح أنه خشي أن يصلي بالكنيسة فيأتي المسلمون بعد ذلك ويأخذوها من النصارى على زعم أنها مسجد لهم، ويقولون: هنا صلى عمر، ولم تتوقف معاملة المسلمين عند حد المحافظة على أموالهم وحقوقهم، بل حرص الإسلام عبر عصوره على القيام بما يحتاج إليه أهل الكتاب ولا سيما الفقراء منهم.

     إن مثل هذه المعاملة من المسلمين لغير المسلمين تطلع العالم أجمع على أن الإسلام ربى أتباعه على التسامح، وعلى رعاية حقوق الناس، وعلى الرحمة بجميع البشر مهما اختلفت عقائدهم وأجناسهم، وقد حفظت أجيال المسلمين قيمة هذه الرعاية الإسلامية لحقوق غيرهم؛ لأنهم ما طبقوها إلا استجابة لتعاليم القرآن الكريم، وتوجيهات الرسول العظيم - صلى الله عليه وسلم -، وقد طبقها في حياته فوعاها المسلمون جيلا فجيلا، وطبقها الخلف عن السلف، والأبناء عن الآباء.

رابعًا: المساواة بين المسلمين وغير المسلمين في القضاء وسائر المعاملات

     أقام الإسلام المساواة بين المسلمين وغير المسلمين في القضاء وفي سائر المعاملات، وقد سجل التاريخ نماذج رائدة لهذه المعاملات التي تعد قمة ما وصلت إليه المعاملات الإنسانية العادلة في تاريخ البشرية جمعاء، فعندما شكا رجل من اليهود علي بن أبي طالب للخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال عمر لعلي: قم يا أبا الحسن فاجلس بجوار خصمك، فقام علي وجلس بجواره، ولكن بدت على وجهه علامة التأثر، فبعد أن انتهى الفصل في القضية قال له عمر: أكرهت يا علي أن نسوي بينك وبين خصمك في مجلس القضاء؟ قال: لا، ولكني تألمت لأنك ناديتني بكنيتي فلم تسو بيننا، ففي الكنية تعظيم، فخشيت أن يظن اليهود أن العدل ضاع بين المسلمين.

     وتتابعت وصايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأهل الذمة والمعاهدين؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما»، ومعنى «لم يرح رائحة الجنة»: لم يشمها، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة».

خامساً: عدالة الإسلام مع غير المسلمين

     وقد اهتم الإسلام برعاية أهل الكتاب، فقرر سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لهم عطاء من بيت مال المسلمين، فقد روى أنه مر بباب جماعة، فوجد سائلا يسأل -وهو شيخ كبير ضرير- فسأله قائلا: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي، فسأله: ما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده إلى منزله، وأعطاه، ثم أرسل إلى خازن بيت المال، فقال له: انظر هذا وأضرابه، فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شيبته ثم نخذله عند الهرم.

سادساً: رسالة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه 

     وقد أقام الإسلام العدل بين عنصري الأمة من المسلمين وغير المسلمين، ومن رسالة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى قاضي القضاة أبي موسى الأشعري قال له: «آس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك». فلا يصح التفرقة بين المتخاصمين حتى لو كان أحدهما غير مسلم، وهكذا نرى كيف عامل سلفنا أهل الكتاب، وكيف أظهروا سماحة هذا الدين الذي لا يقر العصبية، ولا يرضى الظلم حتى لغير المسلمين، بل يدعو إلى التسامح والعدل معهم، وهذا المنهاج المتسامح للإسلام مع أهل الأديان الأخرى هو سر عظمة الإسلام، وسر ذيوعه وانتشاره في ربوع المعمورة.

 

 

أدلة بطلان الزعم بمعاداة الإسلام لمخالفيه

- الإسلام دين الرحمة والتسامح والهداية والسلام ولا يحض على الكراهية والعداء، بل هو دين المساواة بين المسلمين وغير المسلمين في القضاء وسائر المعاملات، والقرآن والحديث ومواقف الصدر الأول من الصحابة خير دليل على ذلك.

- الحرب في الإسلام لها ضوابط وأخلاق تنأى بها عن الاعتداء والجور، فلا يلجأ الإسلام إلى الحرب إلا في الضرورة القصوى التي تستدعي الدفاع عن النفس أو الجهاد في سبيل الله.

- المزايا التي يتمتع بها غير المسلمين في ظل الدولة الإسلامية، تجعلهم من أسعد الناس في كنف الدولة الإسلامية.

- تسمية غير المسلمين كفارا لا يعني إهانتهم أو ظلمهم أو الاعتداء عليهم، والإسلام لم ينفرد بهذه التسمية، بل كل ذي دين يطلق مثل هذا على مخالفيه.

- الجزية مبلغ زهيد مقابل الحماية واستخدام مرافق الدولة، وتؤخذ من الرجل القادر على العمل فقط، ويعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال والفقراء.

- شهادات المنصفين من غير المسلمين على سماحة الإسلام في تعامله مع مخالفيه، تؤكد كذب هذا الادعاء، والتاريخ نفسه أكبر شاهد على ذلك.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك