الرد على دعوى معاداة الإسلام لمخالفيه وتعصبه ضد العقائد الأخرى (2)
ما زال حديثنا مستمرا عن ادعاء بعض المغالطين أن الإسلام دين يعادي الملل والعقائد الأخرى، ويدعو إلى التعصب، والانتقام من مخالفيه، ويستدلون على هذا بتصنيف الناس إلى مسلمين وكفار، في إشارة إلى رفض الآخر ورفض التعايش معه وإهانته، ويرون أن الإسلام قد عامل الذميين بقسوة واضطهاد، وسلب حريتهم وأرهقهم بضرائب كبيرة يسميها المسلمون الجزية، وفي هذا المقال نرد على هذه الشبهة بالأدلة والبراهين.
وقد رددنا على هذه الشبهة في الحلقة الماضية من أوجه عدة منها: تسامح الإسلام ودعوته، ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، ورعاية الإسلام لدور العبادة لغير المسلمين، والإسلام ربى أتباعه على التسامح، والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين في القضاء وسائر المعاملات، وعدالة الإسلام مع غير المسلمين، واليوم نتكلم عن: ضوابط الحرب في الإسلام وأنها بمعزل عن التعدي والهمجية.
الإسلام هو دين السلام
من المعلوم أن الإسلام هو دين السلام، لا يأمر بالحرب إلا في الضرورة القصوى التي تستدعي الدفاع والجهاد في سبيل الله، ومع مشروعية الجهاد في سبيل الله - دفاعا عن الدين والعقيدة والأرض والعرض - فإن الحرب في الإسلام لها حدود وضوابط، وللمسلمين أخلاقهم التي يتخلقون بها حتى في حربهم مع من يحاربهم من غير المسلمين، فأمر الإسلام بالحفاظ على أموال الآخرين، وبترك الرهبان في صوامعهم دون التعرض لهم، ونهى عن الخيانة والغدر والغلول، كما نهى عن التمثيل بالقتلى، وعن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وعن حرق النخيل والزروع، وقطع الأشجار المثمرة.
الوفاء بالعهد وعدم الغدر
وأوصى أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أسامة بن زيد عندما وجهه إلى الشام بالوفاء بالعهد وعدم الغدر أو التمثيل، وعاهد خالد بن الوليد - رضي الله عنه - أهل الحيرة ألا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة ولا قصرا، ولا يمنعهم من أن يدقوا نواقيسهم أو أن يخرجوا صلبانهم في أيام أعيادهم، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رحيما بغير المسلمين من أهل الكتاب، وكان ينصح سعد بن أبي وقاص - عندما أرسله في حرب الفرس - أن يكون في حربه بعيدا عن أهل الذمة، وأوصاه ألا يأخذ منهم شيئا لأن لهم ذمة وعهدا، كما أعطى عمر - رضي الله عنه - أهل إيلياء أمانا على أموالهم وكنائسهم وصلبانهم وحذر من هدم كنائسهم.
حسن معاملة الأسرى
وأمر الإسلام بحسن معاملة الأسرى وإطعامهم، قال -عز وجل-: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (الإنسان: 8)، بينما يعامل غير المسلمين أسرى المسلمين معاملة سيئة، فقد يقتلونهم وقد يسترقونهم أو يكلفونهم أشق الأعباء والأعمال، فإن أسرى غزوة بدر الكبرى عاملهم النبي - صلى الله عليه وسلم - خير معاملة، فأوصى الصحابة أن يحسنوا إليهم، فكانوا يؤثرونهم على أنفسهم في الطعام وفي الغذاء، ولما استشار أصحابه في شأن أسرى بدر، وأشار بعضهم بقتلهم وأشار الآخرون بالفداء، وافق على الفداء، وجعل فداء الذين يكتبون منهم أن يعلم كل واحد منهم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة، وكان هذا أول إجراء لمحو الأمية.
عدم التمثيل بالأعداء في الحرب
ولم يقبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يمثل بأحد من أعدائه في الحروب مهما كان أمره، ولما أشير عليه أن يمثل بسهيل بن عمرو - الذي كان يحرص على حرب المسلمين وعلى قتالهم - بأن ينزع ثنيتيه السفليين؛ حتى لا يستطيع الخطابة بعد ذلك، لم يوافق النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، بل رفض قائلا: «لا أمثل به فيمثل الله بي»، وعندما حقق الله - عز وجل - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أمنيته بفتح مكة المكرمة، ودخلها فاتحا منتصرا ظافرا قال لقريش: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن».
توجيهات الإسلام في الحرب
ومن توجيهات الإسلام للمسلمين في الحرب:
- أن يكون القتال في سبيل الله.
- أن يكون القتال لمن يقاتلون المسلمين.
- عدم الاعتداء، قال -تعالى-: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190)، فالذين يعتدون على المسلمين ويقاتلونهم أمر المسلمون أن يقاتلوهم، ولكنه قتال عادل لا مثلة فيه ولا تعذيب، حيث قال الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (البقرة: 194)، وهذا فيمن يقاتلون المسلمين، أما الذين لا يقاتلون من غير المسلمين فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن قتالهم: فعن بريدة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اغزو باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقاتلون وليدا»، وفي رواية: «أنكر رسول - صلى الله عليه وسلم - قتل النساء والصبيان».
كما كان ينهى - صلى الله عليه وسلم - عن التعرض للرهبان وأصحاب الصوامع، وعن التمثيل والغلول، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث جيوشه قال: «اخرجوا باسم الله، تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع».
لاتوجد تعليقات