رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حاتم محمد عبد القادر 17 فبراير، 2014 0 تعليق

الربيع العربي في الميزان (2-2)


مصر وقعت أسيرة الانقسام بين القوى الثورية

بعد تخلي الغرب.. (الأسد) ينتشي والثورة السورية تحولت إلى حرب أهلية

التعليم والإعلام الحكومي ساعد الغزو الثقافي الغربي في بروز أجيال مشوهة وتعمل ضد المد الإسلامي

بعد وصول الإسلاميين للسلطة في تونس ومصر أدرك الجميع أن محاولات تغييب الوعي وتغيير الهوية قد فشلت

 

حين نقول الربيع العربي في الميزان فلابد من أن ندرك أننا بصدد تقييم هذا الربيع وما جنته الشعوب من ورائه. وحين نستحضر الميزان فلا مناص من أن نضع كل الاتجاهات والفصائل أمامنا ولاسيما بعد المشهد الذي وصلت إليه دول هذا الربيع.

فقد استعرضنا في الحلقة الأولى بالعدد قبل الماضي الحديث عن الربيع العربي وأهم ملامحه ومحاولات القفز على ثوراته من جماعات وتنظيمات دخلت في على هذه الثورات ونجحت في الوصول إلى مقاعد الحكم، إلا أنها سرعان ما فشلت في إدارة الدولة ما أدى إلى سقوطها بأسرع من الأنظمة التي سقطت بفعل ما سمي بثورات الربيع العربي.

أيضا مازالت الاتهامات تلاحق العسكريين في رغبتهم الحميمة وسعيهم الدؤوب وصولا للحكم وإعادة الحال لما كان عليه من قبل من ظلم للناس وكبت للحريات واتساع دائرة الفساد حتى لا يطولهم أذى من اتجاه بلادهم في طريق الحرية والقضاء على الفساد.

     إذن وبعد ثلاث سنوات نجد أنفسنا جميعا أمام مفترق طرق، الاتهامات تلاحق الجميع، وكل فصيل يؤكد أنه الأغلبية الكاسحة وأنه الذي يملك الحق وحده، ويبقى من لهم اتجاه ولا انتماء لأي فصيل في حيرة من أمرهم، من نصدق؟ وإلى أين نذهب؟ من على الحق ومن على الباطل؟.. أسئلة تشتت العقول وتعصف بها.

     وبالرجوع إلى الوراء قليلا يقف الإنسان العربي أمام مصطلح (الربيع العربي) ليسأل نفسه مندهشا من أين أتى هذا المصطلح ومن أين هبت رياحه؟!، فيجد الإجابة أن هذا المصطلح البراق قد صنع في الغرب، ونجح الإعلام الغربي في تسويقه، وسرعان ما تلقفه الإعلام العربي بكافة أنواعه، وصار المصطلح الأكثر تفاخرا في كتابات المحللين السياسيين وتقارير الصحفيين والإعلاميين الذين انخدعوا في بريق هذا الاسم الجذاب، في محاولة لإرضاء الجبهات الثورية وتماشيا مع الموجات صاحبة الصوت العالي في ذلك الوقت.

     وتمضي الأيام وتمر ثلاث سنوات كاملة على هذا (الربيع العربي) وتبدأ الخيوط المتشابكة تتفكك، وتتسرب الأسرار وتنكشف المؤامرات ضد شعوب الوطن العربي من الخارج والداخل ليتبين الأمر وتنزل الصاعقة على الجميع ليدرك البعض أنه ما كان ربيعا وما كان عربيا، ويدرك أخرون أنه سرق من تابعي الأنظمة القديمة أو تم القفز عليه، ويرى آخرون أنه كان خريفا تساقطت فيه مع الأنظمة كل الأقنعة التي ادعت الثورية، كما تساقط الأمن والأمان وانحدرت القيم والأخلاق، فحلت أسوأ ما في أخلاق الشعوب بسبب هذه الثورات من الفوضى وانعدام الأمن وتعطل الإنتاج، بما خلق مناخا من الواقع المر الذي معه اضطر المواطن أن يترحم على أنظمة استبدت بحريته وكرامته وقوته، إلا أنها وفرت له ولعرضه الأمن فعاش في أمان، وتمنى لو تعود يوما هذه الأنظمة.

     فصول (الربيع العربي) كثيرة منها ما تكشف، ومنها ما تحت الستار، وما تحمله الأيام القادمه من مفاجآت يندى لها الجبين سيحل باللعنات، كل اللعنات على هذا الربيع، ليس لذاتيته، فالأهداف نبيلة، ولكن المسار ومن ورائه هم من شوهوا هذا الربيع.. فالربيع المنشود الذي تتفتح زهوره وتولد خيراته لم يأت بعد.

في هذه الحلقة من (الربيع العربي في الميزان) تستعرض (الفرقان) الحصاد بأنواعه سلبا وإيجابا جراء هذه الثورات، ورؤى عدد من المحللين على اختلاف مشاربهم.

حصاد هزيل

في هذا المقام يرى أبوبكر الدسوقي، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية أن حصاد الربيع العربي بدا هزيلا بالمقارنة إلى ما كانت تتطلع إليه الشعوب العربية من تغيير حقيقي.

     فقد كان المأمول من نظم الحكم الجديدة أن تسعي سريعا نحو إعادة بناء النظم والمؤسسات، وإدارة عملية التحول الديمقراطي كجزء من عملية إعادة بناء الدولة، في إطار من التوحد الوطني والرضا الشعبي المستند إلى حكم القانون، أي بناء الدولة الديمقراطية الحديثة علي نحو ما فعلت الدول المتحولة في أوروبا الشرقية، وتحقيق النهضة الاقتصادية، على نحو ما فعلت الدول الناهضة في جنوب وجنوب شرق آسيا، الأمر الذي يؤدى إلى تحسين الأحوال المعيشية للشعوب، وتخفيف وطأة الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

     فعن التجربة المصرية مثلا فقد وقعت أسيرة الجدل والخلاف والانقسام بين القوى الثورية، فقد كانت السمة الرئيسية التي أسهمت فى نجاح الثورات هي (حالة التوحد) التي جمعت بين كافة الفرقاء فى جميع الميادين. ومثلما كانت السبب في النجاح، فيبدو أن غيابها أصبح سببا في التعثر والإخفاق، فقد تعرضت حالة التوحد هذه إلى حالة من التفكك والانقسام والتنازع على السلطة. تحقق ذلك في مصر بين التيار الإسلامي الحاكم الذي يمثله حزب الحرية والعدالة، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين ومعهم حلفاؤهم، وبين المعارضة المدنية الليبرالية والعلمانية. وبينهما يقف قطاع كبير من شباب الثورة، منتقدا ما آلت إليه الأمور. فعقب نجاح الانتخابات الرئاسية، بدأ الخلاف حول الإعلان الدستوري الذي أصدره رئيس الجمهورية آنذاك.

     ولا يختلف المشهد في تونس كثيرا عنه في مصر، إذ ساده الانقسام والصراع السياسي أيضا بين قوي الثورة، بعد رصد مؤشرات حول تزايد نزعة الهيمنة الكاملة من قبل الائتلاف الحاكم الذي تتزعمه حركة (النهضة) علي مجمل العملية السياسية. فحتى عندما دعا (حمادي الجبالي)، رئيس الوزراء التونسي، الأمين العام لحركة النهضة، إلى تشكيل حكومة من الكفاءات المستقلة، لكونها الطريق الوحيد لإنقاذ البلاد، رفضت الحركة ذلك، واضطر لتقديم استقالته في 19 فبراير عام 2013، وتم تشكيل حكومة جديدة برئاسة (علي العريض)، اتهمت بأنها إعادة إنتاج للائتلاف الحاكم، مع تحييد للوزارات السيادية، وأنها حكومة (ترضيات)، وتطالب المعارضة بضرورة عقد مؤتمر للإنقاذ.

مفترق طرق

     أما الثورة السورية، فقد وصلت إلى مفترق طرق، فقد عجز الثوار عن إسقاط نظام بشار الأسد؛ بسبب الدعم الروسي والصيني والإيراني، في حين رفض الغرب التدخل العسكري لمساندة الثوار، علي نحو ما فعل في ليبيا، خشية أن يؤدي التدخل إلى حرب إقليمية كبري، فإذا بالثورة السلمية تنقلب إلى حرب أهلية بسبب جنوح النظام السوري إلى الاستخدام المفرط في العنف، وكانت النتيجة هي تدمير الدولة السورية.

     أما في ليبيا، فالدولة لا تزال عاجزة عن بسط سيطرتها الأمنية، وتنفيذ سياساتها، في ظل سيادة حالة من الجدل المستمر حول قانون العزل السياسي لرموز النظام السابق، الأمر الذي تسبب في وقوع العديد من الاضطرابات، منها حصار المؤتمر الوطني من قبل مجموعات من المطالبين بالعزل، وتعرض رئيس المؤتمر، محمد المقريف، لمحاولة اغتيال وخروج مظاهرات مطالبة بتفعيل الجيش والشرطة، والتخلص من الميليشيات المسلحة. وتشير هذه الأحداث إلى أن الثورة الليبية لم تستكمل أهدافها بعد، ولم تتجاوز حالة المراوحة في المكان.

مركب يغرق

الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يشبه مصر خلال المرحلة الحالية، بـ(مركب متهالك)، يحمل أضعاف الأعداد التي يحتملها، قائلا: «الكثافة السكانية كبيرة جدا، والموارد قليلة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إغراق المركب»، على حد وصفه.

وأضاف (عبد الفتاح): أن المعركة الحالية في مصر على السلطة، هي في حقيقة الأمر معركة على مركب يغرق، مشيرا إلى أن «طرفي الصراع في مصر قرر كل منها أن يقضي على الآخر»، واصفا طريقة تفكير كل منهما بــ(الانتحارية).

طمس الهوية الإسلامية

     من جانبه يقول د ممدوح المنير: لقد عاشت الشعوب العربية والإسلامية عشرات السنين تتنقل من هوية لأخرى ومرجعية لأخرى، لا بالرضا والقبول، ولكن بسلطان القهر وسيف الاستبداد، ونيران الظلم، حتى نشأت أجيال نظرتها للإسلام مشوهة معطوبة، نتيجة لهذا الغزو الثقافى المركز عبر وسائل الإعلام والثقافة والتعليم الحكومى والخاص، الأجنبى منه والوطنى. وحين حدثت ثورات الربيع العربي وتولى الإسلاميون السلطة في تونس ومصر، بدأ الصراع يظهر ويتضح، وتبين للجميع أن كل محاولات تغييب الوعى وتغيير الهوية الإسلامية وطمسها قد ذهبت أدراج الرياح، واستطاع الإسلاميون الفوز بكافة الانتخابات التى خاضوها سواء كانت طلابية أو نقابية او برلمانية أو رئاسية، وبدا للجميع أننا نتجه نحو دولة إسلامية في ظاهرها وجوهرها ومبناها، وأدرك الطرف الآخر أنه يفقد قوته يوما بعد يوم، وأن ما بناه طيلة عقود مضت ينهار أمام ناظريه. وبدأ الطرف الآخر يستخدم باقى رجاله في الإعلام والقضاء والأجهزة الأمنية في محاولة يائسة لمنع التحول الحاصل ولا يزال يخوض حتى الآن معركة هو الأقوى فيها، لكنه على الرغم من ذلك ينهزم في كل جولة من جولاتها.

دور (الفتوة)

     و يقول أ د / عبدالله هلال، رئيس تحرير مجلة منبر الشرق (المصرية): لا يغيب عن المتابعين للشأن السياسي: إن الإدارة الأمريكية (التي ترعى التبعية وتحارب الاستقلال) تدعم من وراء ستار محاولات الانقضاض على الربيع العربي، ومنع العرب والمسلمين من الاستمتاع بنعمة الحرية وسيادة القانون والشورى. ولا شك أن غرور القوة والثروة هو الذي يحكم السياسة الأمريكية ويدفعها دفعا إلى القيام بدور الفتوة الذي يريد أن يخضع الآخرين بصرف النظر عن قيم الحق والعدل التي هي أساس الملك التي بدونها لا يمكن لحضارة أن تدوم، حتى وإن انتصرت في جولة هنا أو هناك. وتدل الحروب الشرسة ضد أفغانستان وقبلها العراق، والقصف من حين لآخر في مواقع متعددة مثل باكستان والصومال واليمن التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ؛ حيث تستخدم في أفغانستان وغيرها صواريخ ثمن الواحد منها مليون دولار، وقنابل زنة الواحدة منها سبعة أطنان!.. تدل على أن الساسة الأمريكيين يسعون إلى أي «نصر» على أي «أحد» إرضاء للشعب المغرر به الذي صدق أنه يعيش في دولة الأمن والأمان.

غرور القوة

     ويتابع (هلال) قوله: ويبدو أن غرور القوة قد أصاب هؤلاء الساسة بالعمى والصمم وفقدان الذاكرة، إذ لم يذكر التاريخ لهم انتصارا ذا قيمة، ولاسيما في صراعهم الذي لم يتوقف ضد الدول الإسلامية. وإذا استعرضنا تاريخ الولايات «المتحدة» الأمريكية مع الحروب فسوف نجد أنها تمكنت بالفعل من إلحاق الدمار والخراب بمناطق كثيرة في العالم، ولكنها لم تحقق أهدافها إلا في النادر القليل. فإذا كانت - مثلا - قد أخضعت اليابان باستخدام الإرهاب النووي غير الإنساني وغير المسؤول، فقد استطاعت اليابان أن تنتصر عليها اقتصاديا، وسوف يأتي اليوم الذي ترد فيه الصاع صاعين جراء هذه الجريمة النووية البشعة. وفي فيتنام استطاع ذلك الشعب الفقير أن يهزم القوة الباغية الطائشة وأن يصيبها بعقدة فيتنام التي لم تتعاف منها حتى الآن. أما في صراع أمريكا مع المسلمين فقد هزمت شر هزيمة.. ولم تحقق أهدافها ولو لمرة واحدة.

الفتنة هي الحل

     ويضيف (هلال): لقد أيقن الحلف الصهيوأمريكي أن الحرب (الصليبية) المباشرة ضد المسلمين لن تنجح، فعادوا إلى السياسة الصليبية القديمة التي جربت قديما في الأندلس، بإحداث الفتن وضرب المسلمين بالمسلمين، مع العمل على حرماننا من الاعتماد على النفس، والتوجه إلى التنمية والنهضة والتقدم العلمي: بدعم الدكتاتورية والفساد والحيلولة دون انتشار قيم الحرية والعدالة والانتخابات الحرة التي أوصلت الغرب إلى السبق الحضاري والاقتصادي الراهن. إن هذه التطورات السريعة ضد ظاهرة التحرر العربي تثبت أن القضية الأولى بالاهتمام والرعاية هي قضية الاستقلال والسعي إلى التحرر من التبعية. ويجب على كل وطني أن يدرك أن أسهل سلاح في يد أعدائنا هو إيقاع الفتن، وبث الفرقة والتشرذم على أسس طائفية وحزبية وأيديولوجية.

     وأخيرا، لا يبقى سوى أن يدرك المرء حقيقة الأمور بعد أن ادعى جميع الفرقاء أنهم وحدهم من بيدهم الحقيقة، فما يدور من صراع على السلطة الآن في دول الثورات العربية وإقحام المؤسسات العسكرية ربما يوحي بتمسك العسكريين بالسلطة، يساعدهم في ذلك اتجاه واحد من قبل مختلف أنواع الإعلام وبروز رأي واحد فقط مع إهمال بقية التيارات الأخرى. والسؤال: ما هي المحطة الأخيرة لقطار الربيع العربي وما عنوانها؟! هذا هو الأهم في ظل استمرار العرض.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك