الراجح من رأي الجمهور أنه لا يصح الرمي إلا بعد الزوال لفعل النبي صلى الله عليه وسلم – مسائل في الرمي قبل الزوال في أيام التشريق ولاسيما اليوم الرابع منها
يقوم الحاج برمي الجمرات على مدى الأيام الأربعة بداية من يوم النحر فأيام التشريق الثلاثة. وقد فصلها الفقهاء على النحو الآتي:
- أولا: يوم النحر:
فأول وقت الرمي منه ما بعد طلوع الفجر الثاني من يوم النحر فلا يجوز قبل طلوعه، وأول وقته المستحب ما بعد طلوع الشمس قبل الزوال، وقال الشافعي إذا انتصفت ليلة النحر دخل وقت الجمار، وهل يمتد بعد الزوال إلى الليل؟ فيه خلاف.
ثانيا: اليوم الأول والثاني من أيام التشريق: (اليوم الثاني والثالث من أيام الرمي):
«وأما وقت الرمي من اليوم الأول والثاني من أيام التشريق، وهو اليوم الثاني والثالث من أيام الرمي؛ فبعد الزوال حتى لا يجوز الرمي فيهما قبل الزوال في الرواية المشهورة عن أبي حنيفة، وروي عن أبي حنيفة أن الأفضل أن يرمي في اليوم الثاني والثالث بعد الزوال، وهل يجوز الرمي فيهما قبل الزوال؟ فيه خلاف.
ثالثا: اليوم الثالث من اليوم الثالث من أيام التشريق: (اليوم الرابع من أيام الرمي):
وأما وقت الرمي من اليوم الثالث من أيام التشريق، وهو اليوم الرابع من أيام الرمي فالوقت المستحب له بعد الزوال ولو رمى قبل الزوال يجوز في قول أبي حنيفة، وفي قول أبي يوسف ومحمد لا يجوز.
- والبحث سيكون في المسائل التالية: هل يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق أم لا؟ وما دليل كل فريق؟ وما المناقشة الواردة في ذلك؟ وما الترجيح المناسب للمسألة؟
1- لا يصح الرمي إلا بعد الزوال، وبذلك قال الجمهور، منهم الأئمة الأربعة، ودليلهم: حديث جابر، وفيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة أول أيام الأضحى، ثم لم يرم بعد ذلك حتى زالت الشمس» رواه مسلم. وعن ابن عمر قال: «كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا» رواه البخاري.
2- رخص أبو حنيفة في الرمي يوم النفر قبل الزوال، وخالفه صاحباه. وقال عكرمة، وإسحق، وأحمد في رواية مثل قول أبي حنيفة.
3- قال عطاء، وطاوس: يجوز الرمي مطلقا أيام التشريق قبل الزوال. وهو رواية عن أبي حنيفة.
- رأي المذاهب الأربعة:
والآن نستعرض رأي المذاهب الأربعة:
أولا: فروع الفقه الحنفي:
جاء في كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع:
وأما وقت الرمي من اليوم الأول والثاني من أيام التشريق؛ فبعد الزوال؛ فلا لا يجوز الرمي فيهما قبل الزوال في الرواية المشهورة عن أبي حنيفة، وروي عن أبي حنيفة أن الأفضل أن يرمي في اليوم الثاني والثالث بعد الزوال، فإن رمى قبله جاز.
وجه هذه الرواية: أن قبل الزوال وقت الرمي في يوم النحر فكذا في اليوم الثاني والثالث؛ لأن الكل أيام النحر.
وجه الرواية المشهورة ما روي عن جابر رضي الله عنه : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة يوم النحر ضحى، ورمى في بقية الأيام بعد الزوال». وهذا باب لا يعرف بالقياس بل بالتوقيف. وأما وقت الرمي من اليوم الثالث من أيام التشريق، وهو اليوم الرابع من أيام الرمي فالوقت المستحب بعد الزوال، ولو رمى قبل الزوال يجوز في قول أبي حنيفة، وفي قول أبي يوسف، ومحمد لا يجوز.
واحتجا بما روي عن جابر رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة يوم النحر ضحى، ورمى في بقية الأيام بعد الزوال»، وأوقات المناسك لا تعرف قياسا فدل أن وقته بعد الزوال؛ ولأن هذا يوم من أيام الرمي فكان وقت الرمي فيه بعد الزوال كاليوم الثاني والثالث من أيام التشريق.
ولأبي حنيفة ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: إذا افتتح النهار من آخر أيام التشريق جاز الرمي، والظاهر أنه قاله سماعا من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ هو باب لا يدرك بالرأي والاجتهاد فصار اليوم الأخير من أيام التشريق مخصوصا من حديث جابر رضي الله عنه بهذا الحديث.
أو يحمل فعله في اليوم الأخير على الاستحباب.
ولأن له أن ينفر قبل الرمي، ويترك الرمي في هذا اليوم رأسا فإذا جاز له ترك الرمي أصلا فلأن يجوز له الرمي قبل الزوال أولى، والله أعلم.
- خلاصة رأي الحنيفة:
أنه يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة.
- ثانيا: فروع الفقه المالكي:
وجاء في شرح الخرشي لمختصر خليل:
(وإذا) لم يكن الرمي أول أيام، بل كان في غير يوم النحر يندب إثر الزوال قبل صلاة الظهر.
- الشرح:
قوله: (يستحب له أن يرميها بعد الزوال)، أي: قبل صلاة الظهر، وهذا داخل تحت قوله: وإلا إثر الزوال.
2 - جاء في (الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني) (باب في الحج والعمرة) شروط الرمي:
اعلم أن جمرة العقبة تختص بأربعة أمور: صحة رميها بعد طلوع الشمس قبل الزوال، بخلاف رمي غيرها لا يصح إلا بعد الزوال.
- خلاصة رأي المالكية:
أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة:
- ثالثا: فروع الفقه الشافعي:
أما (تحفة المحتاج في شرح المنهاج وهو من أهم شروح المنهاج)؛ فقد جاء فيه:
لا يجوز في المذهب الشافعي رمي جمرات يوم التشريق قبل الزوال، «وأفهم كلامه أن له تداركه قبل الزوال لا ليلا، والمعتمد من اضطراب في ذلك جوازه، فيهما خلاف تقديم رمي يوم على زواله؛ فإنه ممتنع كما صوبه المصنف.
وجزم الرافعي بجوازه قبل الزوال، كالإمام ضعيف، وإن اعتمده الإسنوي وزعم أنه المعروف مذهبا.
وبما تقرر علم أن أيام منى كلها كالوقت الواحد بالنسبة إلى التأخير دون التقديم.
- وفي الشرح:
قوله: (كما صوبه المصنف) قد يفيد هذا التعبير أنه لا يجوز العمل بمقابلة الآتي، ولعله ليس بمراد بقرينة ما بعده؛ فإنه يقتضي أن له نوع قوة؛ فهو من قبيل مقابل الأصح لا الصحيح. (قوله: وعليه) أي الضعيف من جواز رمي أيام التشريق قبل الزوال، قوله: (فينبغي جوازه إلخ)، ولا يخفى أنه لا يلزم من جواز الرمي قبل الزوال على الضعيف جواز النفر قبله عليه؛ لاحتمال أن الأول لحكمه لا توجد في الثاني كتيسر النفر عقب الزوال قبل زحمة الناس في سيرهم، ولا يسع لأمثالنا قياس نحو النفر على نحو الرمي. أما فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل؛ فجاء فيها: وإذا ترك رمي يوم (تداركه في باقي تشريق) أي أيامه ولياليه.. (أداء).. ويجوز رمي المتروك قبل الزوال ليلاً.
- خلاصة رأي الشافعية:
أنه يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة على الضعيف.
- رابعاً: فروع الفقه الحنبلي:
ففي المغني(4) لابن قدامه: «ولا يرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال؛ فإن رمي قبل الزوال أعاد. نص عليه. وروي ذلك عن ابن عمر، وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وإسحق، وأصحاب الرأي، وروي عن الحسن، وعطاء، إلا إسحق، وأصحاب الرأي رخصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال، ولا ينفر إلا بعد الزوال، وعن أحمد مثله، ورخص عكرمة في ذلك أيضا، وقال طاوس: يرمي قبل الزوال، وينفر قبله». أما الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي؛ فجاء فيه:
«ويرمي الجمرات بها في أيام التشريق بعد الزوال» هذا الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاء، وقطع به كثير منهم ونص عليه، قال ابن الجوزي في المذهب، ومسبوك الذهب: إذا رمى في اليومين الأولين من أيام منى قبل الزوال: لم يجزه رواية واحدة.
فأما في اليوم الأخير: فيجوز في إحدى الروايتين. انتهى. قال في (الفروع): وجوز ابن الجوزي الرمي قبل الزوال. وقال في (الواضح): ويجوز الرمي بطلوع الشمس إلا ثالث يوم. وأطلق في منسكه أيضاً: أن له الرمي من أول يوم، وأنه يرمي في اليوم الثالث كاليومين قبله، ثم ينفر. وعنه: يجوز رمي متعجل قبل الزوال وينفر بعده، ونقل ابن منصور: إن رمي عند طلوعها متعجلا، ثم نفر كأنه لم ير عليه دما وجزم به الزركشي.
- خلاصة رأي الحنابلة:
أنه يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الثالث فقط من أيام التشريق، أما اليومين الأول والثاني فلا يجوز.
وقد أوجز الشوكاني في كتابه نيل الأوطار جـ5/161 هذه الأقوال بقوله: «قوله حين زالت الشمس، وكذا قوله في حديث عائشة إذا زالت الشمس، وقوله في حديث ابن عمر: فإذا زالت المشس رمينا، هذه الروايات تدل على أنه لا يجزى رمي الجمار في غير يوم الأضحى قبل زوال الشمس، بل وقته بعد زوالها.
كما في البخاري وغيره من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم رمى يوم النحر ضحى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال، وإلى هذا ذهب الجمهور.
وخالف في ذلك عطاء وطاوس؛ فقالا: يجوز الرمي قبل الزوال مطلقا.
ورخص الحنفية في الرمي يوم النفر قبل الزوال.
وقال إسحق: إن رمي قبل الزوال أعاد، إلا في اليوم الثالث فيجزيه.
والأحاديث المذكورة ترد على ذلك».
- الراجح:
والراجح عندي هو رأي الجمهور، وهو أنه لا يصح الرمي إلا بعد الزوال لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ودليلهم المشهور: حديث جابر، وفيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة أول يوم ضحى، ثم لم يرم بعد ذلك حتى زالت الشمس» رواه مسلم، وعن عمر قال: «كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا» رواه البخاري.
لاتوجد تعليقات