رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 4 سبتمبر، 2012 0 تعليق

الرئيس المصري في إيران – مناورة سياسية.. أم بحث عن حليف استراتيجي؟!

ما زالت ردود الفعل تتوالى على زيارة الدكتور محمد مرسي إلى إيران نهاية الأسبوع الماضي، لاسيما بعد الكلمة التي ألقاها في افتتاح مؤتمر دول عدم الانحياز التي كانت بمثابة الحجر الذي ألقي في الماء الراكد؛ حيث بدأ كلمته بالترضِّي على الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، كذلك إعلان موقفه الواضح من الثورة السورية ودعمه الكامل للثوار؛  الأمر الذي أغضب الوفد السوري وجعله ينسحب من القاعة اعتراضًا على هذا الطرح.

     ومنذ أن تم الإعلان عن هذه الزيارة انقسمت آراء المفكرين والعلماء والإعلاميين والسياسيين حولها، فبين مؤيد لها، ومعارض، ومتوقف بشروط، وتساءل كثيرون عن السبب وراء إصرار الدكتور مرسي على حضور المؤتمر رغم تحذير الكثيرين له بعدم الحضور، ويبقى السؤال: هل تغير موقف الرافضين للزيارة بعد الكلمة التي ألقاها الدكتور مرسي في افتتاح القمة، أم مازال موقفهم كما هو، وهل وجد هؤلاء إجابة عن تساؤلاتهم بعد انتهاء المؤتمر، أم ما زال الغموض هو سيد الموقف في تلك الزيارة؟

المؤيدون للقرار

- رأت النخبة السياسية أن هذه الزيارة تأتي بوصفها خطوة في سبيل إعادة العلاقات بين القاهرة وطهران، ومن ثم تحقيق التحالف الثلاثي بين مصر وإيران وتركيا؛ مما سيمثل ثقلاً ووزنًا في منطقة الشرق الأوسط.

     ورفضت القوى السياسية المبالغة في الآثار السلبية التي قد تنتج عن توثيق العلاقات مع إيران، والمتمثلة في زيادة المد الشيعي في مصر، وتوتر محتمل للعلاقات المصرية الخليجية والعلاقات المصرية الإسرائيلية.

- فقد أكد الدكتور أيمن نور، رئيس حزب «غد الثورة» أن زيارة الرئيس محمد مرسي لإيران في إطار قمة دول عدم الانحياز، مهمة جداً على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وتحقيق مصالح متوازنة في المنطقة، مضيفًا أن حزبه يؤيد تلك الزيارة؛ لأنها تأتي في إطار حضور قمة دول عدم الانحياز التي كانت مصر قد أسستها.

- وكما هو متوقع فقد أعلنت جماعة الإخوان المسلمين تأييدها للزيارة، وقال الدكتور محمد الدماطي، محامي الجماعة، في تعليقه عليها: إنها تأتي في مطلع قيام الرئيس بربط علاقات مصر بكل الدول في المحيطين العربي والإقليمي، وأضاف الدماطي: «توثيق العلاقة بين مصر وإيران لن يؤثر بأي شكل من الأشكال على علاقة مصر بدول الخليج؛ حيث إن هناك علاقات حميمية بين بعض دول الخليج وإيران».

الرافضون للزيارة

- كان أول النداءات التي خرجت تنصح الرئيس بعدم زيارة إيران نداء الشيخ عدنان عرعور؛ حيث  ناشد الدكتور مرسي عبر صفحته على الفيس بوك باسم الشعب السوري ودماء الشهداء وآلام الجرحى وأنّات الثكالى ألا يزور دولةً وَلَغَتْ في دمائه، وهدَّمت دياره ودنَّست مُقدَّساته، والرئيس المصري من أقدر الناس على احترام مشاعر الشعب السوري ودماء الشهداء، فنرجو ألا يؤذيهم بزيارته لدولة شاركت في سفك دمه وذبح أطفاله.

- من جهتها انتقدت الجبهة السلفية زيارة الرئيس محمد مرسي إلى إيران، واصفة تلك الزيارة بأنها «غير موفقة وستفتح أبوابًا كثيرة للقتل في سوريا».

     وقال خالد سعيد المنسق العام للجبهة السلفية إن: “الزيارة غير موفقة تمامًا وليست في وقتها؛ لأن إيران لها يد في قتل الشعب السوري”، مشيرًا إلى أن “هذه الزيارة ستفتح أبوابًا كثيرة للقتل في سوريا بحجة موافقة مصر على ذلك من خلال زيارة رئيسها لإيران”.

     وأضاف في بيان له أنه: «كان ينبغي أن تؤجل هذه الزيارة أو أن يُرسل أحد غير الرئيس، وكان يجب وضع شرط قبل قبول هذه الزيارة وهو خروج إيران من سوريا، والتوقف عن العبث بأمن الخليج»، وأوضح أن هذه الزيارة من وجهة نظره ستساهم في نشر الفكر الشيعي خاصة مع بدء المتشيعين بممارسة شعائرهم في مصر في الفترة الأخيرة.

- كما رفض أيَضًا الزيارة الدكتور محمد بشير حداد عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو رابطة العلماء السوريين وعضو المجلس الوطني السوري، ووجه نداءً للرئيس الرئيس قال فيه: اسمح لنا أن نعلن رفضنا لزيارتكم لإيران؛ لأن المذابح المروعة التي يتعرض لها أشقاؤك وأبناؤك في سورية والقصف الوحشي بالطائرات والصواريخ والاغتصاب تتم من إيران مباشرة, ومن بعض جنودهم الضباط ومنهم أسرى لدى الجيش الحر, ومن خلال الدعم اللوجستي والمالي الذي تقدمه إيران للنظام السوري.

- كما كان من ضمن الرافضين النائب السابق ممدوح إسماعيل، مؤكداً أن الزيارة ستدعم موقف إيران المعادي لحرية شعب سوريا والملوثة يده بدماء المسلمين، وذلك بخلاف مؤامراتهم على نشر فكرهم المريض.

 خطوط حمراء للزيارة

     من ناحية أخرى وقفت طائفة من أهل العلم وبعض التيارات الإسلامية موقفًا حياديًا أمام تلك الزيارة، معللين ذلك بأن هذا الأمر يعد من شؤون السياسة الدولية التي تخضع لمعايير ترجع لتقدير الجهات المسؤولة. 

     وقد كان في مقدمة هؤلاء الدكتور ياسر برهامي، حيث ذكر في مقال له أنه لا يمكن لدولة بحجم مصر ومكانتها ألا يكون لها علاقات متوازنة مع كل دول العالم الإسلامية منها وغير الإسلامية، والسنية وغير السنية، مضيفًا أنه لا بد من التفرقة دائمًا بين المعاملات التي أجازها الشرع مع الجميع، والموالاة التي أوجبها الله للمؤمنين وحرمها على الكافرين، وقيدها للمبتدعين، ثم ذكر بعض الضوابط والشروط التي يجب أن يضعها الدكتور مرسي في الاعتبار وسماها بالخطوط الحمراء، وهي:

1- إن إيران دولة تسعى بلا خفاء ولا خلاف إلى نشر المذهب البدعي في جميع أنحاء العالم الإسلامي، بل العالم كله، وهي شديدة التعصب لهذا المذهب، وهي ترصد الملايين من أجل تصديره، وإحداث القلاقل في الدول السُّنية المجاورة.

2- إن لأصحاب هذا المذهب في مصر تاريخًا يتمثل في الدولة الفاطمية التي كانت تعلن المذهب الصفوي طيلة نحو ثلاثة قرون، وتفرضه بالقوة على كل الدول التي احتلتها، ولا بد أن تظل محاولة الغزو الصفوي الفكري “خطًا أحمر” في علاقتنا بإيران.

3- إن خطر استغلال المصالح الاقتصادية المشتركة، يسمح بنشر الفكر الرافضي بطرق مباشرة وغير مباشرة، ولا بد أن يظل هذا الأمر تحت المجهر.

4- إن محاولة هيمنة النظام الإيراني على دول الخليج العربي، والمحاولات المستمرة لإثارة القلاقل والاضطرابات في هذه الدول “خط أحمر” لا يمكن أن تستقيم علاقات متوازنة مع إيران إذا تم تخطيه.

5- إن دعم النظام الإيراني للنظام السوري الطائفي العلوي الذي يقود حرب إبادة ضد شعبه المسلم السُّني، ودعم سيطرة الطائفة العلوية على مقدرات الشعب السوري، هو جريمة شنيعة لا بد أن تتوقف فورًا قبل البحث في أية علاقات مصالح بين مصر وإيران.

6- إن الاضطهاد المنظم والمستمر لأهل السنة في العراق وإيران هو إحدى النقاط التي لا يمكن تجاوزها أبدًا في علاقاتنا بهم.

ويبقى السؤال: هل تصلح إيران حليفًا استراتيجيًا لـمصر؟

- يجيب عن ذلك صاحب كتاب: «خريطة الشيعة في العالم» فيقول: إننا كثيرًا ما نقع في فخ المبالغة في تقدير قوة إيران العسكرية من جهة، والاقتصادية من جهة أخرى؛ فمعظم الدراسات العسكرية الدقيقة تكشف عن تهويل طهران لقدراتها التي لا تُعَدَّ في كثير من الأحيان أكثر من عملية تطوير لبعض الأسلحة الروسية والكورية والصينية، وهي عمليات تطويرية محدودة الأثر يمكن لمهندسينا تنفيذها دون الحاجة لنقل تقنيات خارجية، وبعضها يتعلق بتطوير مدى صواريخ على نحو يمكن محاكاته في دول كثيرة، والحق أن الغرب لا يرى في تقنية كهذه تحديًا وإنما يطرب لتسويقها إمعاناً في إرعاب حلفائه الخليجيين وفتح شهيتهم لعقد صفقات أسلحة باهظة تحرك سوق السلاح الغربي الراكدة.

- ثم اقتصادياً، نحن أمام دولة على وشك الانفجار، فإيران تستورد الآن كميات هائلة «سراً» من القمح بعد أن كانت تُصَدِّره، وتعاني من أزمات بنزين متتابعة، كما أن جميع الدول التي أقامت علاقات اقتصادية وثيقة مع إيران اكتوت بنار تدخلها «الثقافي» في الشؤون الداخلية ومحاولاتها لنشر التشيع فيها.

     نعم إن مصر بحاجة لنسج علاقات دولية مع أطراف عديدة، وتقيم بالفعل علاقات مع دولة لا تضمر لنا خيراً كالولايات المتحدة، لكن طهران تنفذ في اللحظة التي حطت فيها طائرة الرئيس في مطار طهران مذبحة بحق أهلنا في سوريا، كما أن علاقتنا بطهران تقود إلى تمييع قضايا وتلبيس مواقف وأفكار لا يمكن القبول بتمريرها.

     ولعل بعض المحيطين بالرئيس يرغبون في محاكاة نظرية «تصفير المشكلات» التي ابتدعها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو وتعني «تطبيع» علاقات تركيا مع كل الدول، وتمصير تلك النظرية، غير أن الحقيقة أن النظرية ذاتها قد تعرضت لانتقادات واسعة النطاق في الآونة الأخيرة في وقت وقفت فيه تركيا عاجزة أمام التغول الإيراني في المنطقة حتى في كردستان العراق، وثيقة الارتباط بمصير الأقليات التركية، وفي الأزمة السورية تجلى خطأ تلك النظرية، وعلت أصوات مفكرين أتراك لتعديل استراتيجيات تركيا الخارجية لتكون أكثر انحيازاً لتطلعات شعوب المنطقة وحلفائها التاريخيين، لا أعدائها التاريخيين أيضاً  وشرعت الخارجية التركية نفسها في تعديل نظريتها (التي وصفت لاحقاً بأنها صارت «تصفير الحلول»!، فلا ينبغي أن نبدأ نحن بإعادة إنتاج الخطأ من أوله.

     وأخيرًا تبقى لنا كلمة: وهي أن الواقع يؤكد أن الغرب وعلى رأسه أمريكا لم ير في يوم من الأيام في إيران عدوًا حقيقيًا لها، والتاريخ شاهد على ذلك، وإيران تُستخدم وظيفياً بوصفها فزاعة لدول الخليج، بينما لا تمثل أي تهديد للغرب، والإخلال بهذه المعادلة لا يكون بمد جسور التعاون مع إيران نفسها وإنما بتقوية دور مصر الإقليمي ونقل نفوذها لغرب الخليج لا لشرقه، ولا شك أنها مسؤولية مشتركة بين كلا الطرفين: دول الخليج من ناحية، والقيادة المصرية من ناحية أخرى، فهل يعي كلا الطرفان هذه المسؤولية؟!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك