الذاتية.. وأهميتها في الدعوة إلى الله تعالى
- الذاتية الدعوية هي انطلاقة المؤمن ومسارعته للعمل الدعوي بحافز ذاتي من نفسه للعمل لهذا الدين دونما طلب من أحد والسعي لطلب الأجر والمثوبة من الله تعالى
- من مظاهر الذاتية الدعوية أن يجد المسلم راحته في العمل والبذل والعطاء ويجد أنسه وسروره وفرحته في خير يتحقق على يديه أو واجب يوفق إلى أدائه
- إن الانتماء الحقيقي للإسلام يجعل من المسلم صاحب رسالة في الحياة يعمل ليكون المجتمع الذي يعيش فيه ملتزماً بالقيم الإسلامية مقيمًا لشرع الله عزوجل في نفسه وفيمن حوله
- المعايشة الجماعية من أهم عوامل اكتساب الذاتية الفاعلة وهي دافع للحركة وتوظيف الداعية لملكاته وجهوده وطاقاته في خدمة دعوته ونشر دينه
الذاتية الدعوية هي انطلاقة المؤمن ومسارعته للعمل الدعوي بحافز ذاتي من نفسه؛ للعمل لهذا الدين دونما طلب من أحد، والسعي لطلب الأجر والمثوبة من الله -تعالى-، وإن أول دوافع المبادرة الذاتية التي يجب أن يتذكرها المسلم هو العلم بأن مناط التكليف فردي، وأن كل فرد سيحاسب يوم القيامة فردا، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن الحساب بالثواب والعقاب لا يكون إلا فرديا، ومن هذا المنطلق يجب أن ينحصر تفكير الداعية فيما يجلب له الأجر ويقربه إلى الله -تعالى.
وقفات لابد منها
هذه بعض الوقفات التي لابد لكل داعية مسلم أن يلم بها علمًا حتى ينطلق وهو على بصيرة من أمره في الدعوة إلى الله -تعالى-: الوقفة الأولى وهي أن الدعوة إلى الله -تعالى- والعمل على إقامة الحق ومزاحمة الباطل واجب على كل مسلم ومسلمة؛ فاستشعار المسلم لفريضة الدعوة يبعث في النفس الهمة للعمل؛ وأنه لا تراخي في الفريضة ولا نكوص عن الواجب.الوقفة الثانية
هذه الذاتية لها جوانب عدة، منها: الإيمانية والأخلاقية والثقافية والخيرية، وأن العمل الدعوي المنظم والمخطط له مسبقاً أجدى في تحقيق النجاح وأسرع في قطف الثمار في هذه الجوانب كافة. الوقفة الثالثة إن من يهديه الله على يديك أيها الداعية إنما هو كلبنة وضعت في بناء الإسلام، وهو خسارة للشيطان وأعوانه وكسب للرحمن وأنصاره، وأن أية كلمة يقولها الداعية للمدعو لا تذهب هباءً منثوراً. الوقفة الرابعة أن الأجر والثواب يقع بمجرد الدعوة والتبليغ، ولا يتوقف على الاستجابة؛ ولذلك فقد وجه الله -تعالى- رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المعنى عندما أمره بالدعوة والتبليغ ولم يطالبه بالنتيجة؛ فقال -تعالى-: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} (الشورى: 48)، ولا يعني هذا أن الداعية غير مطالب ببذل قصارى جهده واستخدام أحسن ما يستطيع من الأساليب والوسائل.مظاهر الذاتية عند المسلم
من مظاهر الذاتية الدعوية أن يجد المسلم راحته في العمل والبذل والعطاء: فهو يجد أنسه وسروره وفرحته في خير يتحقق على يديه، أو واجب يوفق إلى أدائه، ويحس بلذة غامرة تغمره إذا هو أنفق جل وقته في أمور الدعوة كما تجد أن هذا الداعية دائم التفكير عظيم الاهتمام بالدعوة إلى الله -تعالى-، ولا يهدأ من التفكير في مشاريع الخير التي تنفع الإسلام والمسلمين.- كما تجده يوجه حياته كلها من أجل القضية التي يحملها وهي خدمة دين الله -عز وجل- ويسخر كل طاقته وإمكاناته لما يعز سلطانه ويرفع بنيانه.
- كذلك تجده شديد الحرص على هداية الناس وتعليمهم وتزكيتهم مقتديًا بسيد الدعاة -عليه الصلاة والسلام-، قال الله -تعالى- مصوراً صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (الكهف: 6)، فالحرص على هداية الناس سمة أصيلة في شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم .
- ومن أهم المظاهر والصفات التي يتصف بها الداعية الذاتي أنه دائم الاتصال بإخوانه في الخير والدعوة حتى يتزود منهم لينطلق مرة أخرى بالعطاء والعمل لهذا الدين، متمثلاً الآية الكريمة {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} (الكهف: 28).
- كما تجده يدعو إلى الله في كل مكان وفي كل الظروف والأحوال وفي كل البيئات بالحكمة والموعظة الحسنة؛ وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نجده يدعو في جميع الأماكن والأزمان والأحوال في المسجد والطرقات والأسواق والمنازل وفي المواسم وحتى المقبرة، وفي الحضر والسفر، في صحته ومرضه وحيثما يزور أو يزار، وكان يوجه دعوته إلى من أبغضوه ومن أحبوه، فصاحب الدعوة الذاتية له في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدوة حسنة في ذلك.
- ومن ذلك أنه كثير الهموم والتألم لحال المسلمين وما يجدون من ظلم وعنت وتقديم الحلول والاقتراحات التي تعز الإسلام والمسلمين.
- والداعية الذي يتصف بالذاتية دائم النشاط والعطاء والاتصال بالناس فمن سمة المؤمن الداعية أنه ذا حركة نشيطة دائبة مستمرة فهو يبلغ الأمانة ويؤدي الرسالة وينصح الأمة فالداعية يخالط الناس ويصبر على أذاهم ليدعوهم إلى الله -تعالى- وفي الحديث: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» (رواه ابن ماجه).
ميادين الدعوة الذاتية
أن تعمل على نشر دعوتك في كل مكان تذهب إليه، ومن الميادين التي يمكن للفرد أن يمارس نشاطه الدعوي من خلالها: محيط الأسرة من زوجة وأولاد وأقارب وأرحام، وأما المسجد فهو ساحة رحبة للعمل النشط وميدان فسيح للتحرك الدؤوب؛ فهو مركز تجمع ونقطة انطلاق ومكان عبادة وميدان تربية وعلم وتوجيه، والمدرسة والجامعة ومكان العمل، والحي الذي يسكنه الداعية والأحياء المجاورة له على المسلم أن يعمل بطريقة منظمة في الحي والوظيفة وفي العمل وفي كل مجال للعمل لهذا الدين؛ إذ ليس عند الداعية وقت إلا للدعوة.وسائل اكتساب الذاتية الدعوية
هناك العديد من الوسائل التي تكسب المسلم الذاتية الدعوية وهي كالتالي: أولاً: التميز الإيماني والتفوق الروحاني لابد أن ندرك أن أول أساسيات المبادرة والعطاء حسن الصلة بالله -تعالى-، وعظيم الإيمان به وجميل التوكل عليه، والخوف منه وهكذا كان السلف الصالح عندما أخلصوا لله كان سمتهم ورؤيتهم موعظة مؤثرة، حتى أن الواحد منهم ليقول الكلمة يهدي بها الفئام من الناس؛ فقوة الصلة بالله تجلب التوفيق والتأثير في الآخرين كما كان الرجل الصالح محمد بن واسع إذا رؤي ذُكر الله. ثانيًا: الزاد العلمي والرصيد الثقافي إن التميز الإيماني لابد أن يعضده الجانب العلمي؛ لذا علينا أن نفهم الإسلام بشموله، ونقف على حقائقه وأحكامه، ونعنى بقواعده وأصوله، وأن نتدارسه من مصدريه الكتاب والسنة {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} (محمد: 19). فالإسلام له خصائص تميزه عن غيره؛ فينبغي للمؤمن الداعية أن يتعرف عليها ويستشعرها في نفسه شعوراً بعظمة دينه وزيف ما سواه، ليتحرك من أجله ويكون الدين كله لله، فإذا توفر للداعية رصيد علمي مناسب وزاد ثقافي جيد كان ذلك عوناً له في دعوته ورافداً من روافد نجاحه ومبادرته الذاتية. ثالثًا: معرفة فقه الدعوة والعمل للإسلام لابد ابتداء معرفة الدافع للحركة، لمن يتحرك الداعية؟ فمتى اتضح الهدف من التحرك وهو: رضى الله ونصرة دينه ثم الجنة زادت الذاتية الدعوية والعطاء؛ فوضوح الهدف من شأنه أن يجعل الداعية لا يهدأ حتى يحقق الهدف. رابعًا: استشعار الأجر وهذه مسألة ضرورية وعامل رئيس في الاندفاع نحو العمل والدعوة الذاتية ولعل هذا هو السر في تبيان أجر بعض العبادات حتى يكون دافعاً للعمل والعطاء؛ فإذا عرف صاحب الذاتية أن كل حركة وسكنة يتحركها المهتدي وكل تسبيحة أو ركعة أو سجدة يفعلها، وكل إحسان يجريه الله على يديه، فإنما يكون في ميزان أعماله، وأن له مثل أجره مصداقاً لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدال على الخير كفاعله»، فإنه لا شك سيتحرك الحركة الذاتية التي تجلب له هذا الخير الذي يتنامى يوماً بعد يوم. خامسًا: النظر في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأحوال السلف إن المتتبع لسيرة سيد الدعاة -عليه الصلاة والسلام- وأحوال السلف الصالح والدعاة مع العمل للإسلام، له دور كبير في إشعال الهمة واكتساب الخبرة وإيقاظ الحماسة في قلب المرء المسلم لاستغلال وقته وجهده للعمل لنصرة هذا الدين. سادسًا: استشعار أن الجنة محفوفة بالمكاره لذا يتطلب منه طاقة وهمة عالية، تتناسب مع ذلك المطلب العالي وهو الجنة؛ فإذا عرف المسلم هذا سوف يجعله يتحرك التحرك الذاتي للوصول إلى الهدف قال الله -تعالى-: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} (السجدة: 17). سابعًا: حمل هم الدعوة للعمل للإسلام إن الانتماء الحقيقي للإسلام يجعل من المسلم صاحب رسالة في الحياة، يعمل ليكون المجتمع الذي يعيش فيه ملتزماً بالقيم الإسلامية مقيمًا لشرع الله -عزوجل- في نفسه وفيمن حوله. ثامنًا: المعايشة الجماعية من أهم عوامل اكتساب الذاتية الفاعلة المعايشة الدعوية؛ فالجماعية دافع للحركة وتوظيف الداعية لملكاته وجهوده وطاقاته في خدمة دعوته ونشر دينه بعكس الفردية والانعزالية؛ فإن المرء يشعر غالباً معها بالفتور والكسل. تاسعًا: الدعاء إن العمل لهذا الدين هبة ومنحة من الله، يمن بها على من شاء من عباده ومادام الأمر كذلك فالجأ -أخي المسلم- إلى ربك ومولاك، واسأله بقلب خاضع ولسان صادق وجوارح خاشعة؛ فهو المسؤول أن يقوي إرادتنا ويعلي همتنا وحركتنا لهذا الدين.نماذج من الذاتية في الدعوة إلى الله
- النموذج الأول: دعوة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى الله -تعالى-، أسلم الصديق - رضي الله عنه - على يد الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم -، وآمن بموجب الدعوة، وحمل صفات الداعية، وتقدم يدعو الأفراد إلى الله، وأدخل في دين الله عدداً مباركاً من الصحابة الكرام أمثال: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، طلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهم أجمعين.
- النموذج الثاني: دعوة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - في المدينة، فبعد أن أسلم وفد يثرب وبايع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيعة العقبة، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين، ووصل مصعب إلى المدينة يدعو فيها إلى الله، فلم يبق بيت في المدينة إلا وفيه مسلم؛ فرحم الله مصعباً وأجزل له الثواب.
لاتوجد تعليقات