رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مجدي داود 23 أكتوبر، 2012 0 تعليق

الدويلة العلوية..محاولة للبقاء أم مؤامرة لأجل التقسيم؟!

 

 

منذ شهور تشير الكثير من التقارير إلى أن نظام بشار الأسد قد يلجأ إلى إقامة دويلة علوية في المناطق التي تشهد تمركزًا وكثافة سكانية كبيرة للطائفة العلوية، وتذكر أن نظام الأسد بدأ في تجميع الكثير من الأسلحة في تلك المناطق، وهناك محاولات لتفريغ تلك المناطق من سكانها من أهل السنة حتى يستطيع بسط سيطرته عليها، ولا يكون هناك منغصات ومشكلات بسبب وجودهم، إلا أن مخططات إبعادهم لم تنجح حتى الآن بشكل كبير.

 

ويعد تقسيم سوريا مشكلة كبيرة لدى الثوار السوريين، ولدى الشعب السوري والعربي والمسلمين كلهم، إلا أنه يمثل مخرجًا مناسبًا للنظام السوري بوصفه حلاً أخيراً له، في ظل اشتداد الثورة السورية وصمود الثوار، بعد أكثر من 18 شهرًا، وسقوط قرابة 30 ألف شهيد حتى الآن.

     وفي ظل هذه الظروف، تثار تساؤلات عديدة، حول فرص قيام تلك الدويلة في المناطق التي يتمركز فيها العلويون، والتداعيات والنتائج التي يمكن أن تترتب على قيام هذه الدويلة، سواء كانت من قبل القوى الإقليمية أم الدولية، أم من قبل الشعب السوري والثوار السوريين الذين يؤكدون في كل لحظة تمسكهم بوحدة الدولة السورية.

فرص واحتمالات قيام الدويلة

     في البداية يؤكد الدكتور عصام عبد الشافي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن فرص واحتمالات قيام الدويلة العلوية ترتبط بعدة اعتبارات أولها وجود تركز نسبي للطائفة العلوية التي يستند عليها النظام في منطقة الساحل والجبال (جبال العلويين الممتدة من عكار جنوبًا إلى طوروس شمالاً) حيث مدن: اللاذقية، وطرطوس، والأرياف، والجبال المتاخمة لها، فضلاً عن وجود أعداد كبيرة من هذه الطائفة في ريف حمص وحماة.

     ويضيف: الاعتبار الثاني هو الخبرة التاريخية؛ حيث حاولت فرنسا أثناء انتدابها على سوريا فرض النزعةِ الاستقلالية لدى العلويين، عبر إقامة «حكومة اللاذقية»، التي عُرفت باسم «دولة العلويين» عام 1923، وهذه التجربة التاريخية يعدها بعضهم مؤشرًا على وجود أساس لدولة علوية، بينما يرى آخرون أنَّ قصر الفترة التي استمرت فيها (1923-1936م) يمكن أنْ يكون دليلاً على فشلها، واضطرار فرنسا للتراجع عنها تحت ضغط تيار الوحدة والاندماج في المنطقة آنذاك.

     ويرى أن الاعتبار الثالث: هو احتمالات التوافق الدولي على بديل التقسيم، باعتباره «أفضل الممكن»، أو «أقل الخيارات سوءًا» في ظل شراسة العمليات العسكرية التى يشنها نظام الأسد ضد شعبه وعدم قدرة المجتمع الدولي على فرض تسوية سلمية للأزمة حتى الآن» ويختتم بالإشارة إلى الاعتبار الخامس: وهو قدرة دول الجوار الجغرافي والقوى الإقليمية العربية والإسلامية على الحيلولة دون هذا التقسيم، لما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات.

فكرة الدولة العلوية قديمة

     ومن جانبه، قال أيمن هاروش النائب الثاني لمجلس الأمناء الثوري السوري: إن فكرة قيام دولة علوية في الساحل السوري ليست حديثة، ولم تظهر على الساحة اليوم، بل هي قديمة طالب بها بعض العلويين الحكومة الفرنسية عندما قررت منح سوريا استقلالها، كما هو مبين في الوثيقة التي قدمها بعض العلويين للحكومة الفرنسية والموجودة في أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية.. لكن الذي عطل مشروع قيامها رفض الثوار يومها وإصرارهم على وحدة التراب السوري كله، واليوم تعود الفكرة من جديد في ظل تصاعد المؤشرات على انهيار نظام آل الأسد والتأكد من انتصار الثورة السورية.

الأسباب القوية لقيام الدولة

وأكد هاروش أن هناك رغبة أكيدة وقوية عند العلويين جميعًا لإقامة هذه الدولة لأسباب كثيرة، منها:

- الحفاظ على النعيم الذي سرقوه من دماء السوريين، والسلطة والجاه الذي بنوه على جماجم السوريين، ولا يريدون العودة لدولة القانون التي تساويهم مع جميع الناس، وخوف رموزهم من محاسبتهم على المجازر والجرائم التي ارتكبوها منذ عام 1963 وإلى الآن ولا سيما مجازر الثمانينيات ومجازر اليوم.

- ومنها خوف العلويين جميعًا من أن يطول الحساب والانتقام كل العلويين دون تمييز؛ للغيظ والتذمر اللذين امتلأت بهما قلوب السوريين ولا سيما السنة، ومع أن هذه فزاعة قديمة وليست بالصورة التي يتصورونها، لكن النظام نجح في غرسها في عقلية العلويين جميعًا، فضلاً عن وجود مصلحة للعلويين غير السوريين في قيامها لتبقى حامية وداعمة لهم، وأقصد علويي لبنان وتركيا، كما أن مصلحة بعض الدول في وجود هذه الدولة وتحديدًا إيران وشيعة لبنان والعراق تدفع لقيامها وتؤيدها بقوة.

فرص قيام الدولة

     أما عن احتمالات وفرص قيام الدولة فهي كثيرة في ظل الوجود العلوي كوحدة جغرافية متلاصقة إذا نظرنا إلى مكان وجودهم الأصلي وهو جبال العلويين، باستثناء وجود بسيط في مناطق متفرقة في الداخل، وإطلالة العلويين على الساحل تشكل لهم ثروة مائية وغذائية كبيرة وملاحة بحرية مهمة، كما أن طبيعة المنطقة وغناها بالأنهار وجودة الزراعة فيها ولاسيما الحمضيات تشكل قوة اقتصادية لها.

     وأشار إلى أن هناك دعمًا دوليًّا لهذه الخطوة قد يكون ضعيفًا لكنه ليس معدومًا في ظل وجود الدعم الثلاثي الشيعي (الإيراني والعراقي واللبناني)، والذي قد يدعمه الموقف الروسي «الإسرائيلي»؛ لأن هذه الدولة ستتابع حماية «إسرائيل» وتنفيذ إرادتها كما كان يفعل نظام الأسد، فضلاً عن أن نظام الأسد ملأ منطقة العلويين بالأسلحة وجعل من قراهم وبلدانهم ترسانة كبيرة بعد اندلاع الثورة للحفاظ على وجودهم.

عوائق قيام تلك الدولة

     إلا أن هاروش أكد أن هناك عوائق كثيرة في مقابل ذلك، ومنها التركيبة الشعبية للساحل (الديموغرافية) فهناك وجود كبير للسنة فيها (عربًا وتركمانًا) ولـ«المسيحيون؛ وهم أصحاب الساحل الحقيقيين لأن جغرافية العلويين هي في الجبل المطل على الساحل، والمواقف الدولية المناوئة وهي كثيرة، والموقف السوري الشعبي الرافض.

     أما علي باكير الكاتب الصحافي والباحث في منظمة البحوث الإستراتيجية الدولية في تركيا، فقال: أرى أن فرص قيام دويلة علوية حاليًا ضئيلة للغاية إن لم تكن غير موجودة، ولا يعني ذلك أن الأسد أو حلفاءه لا يفكرون بهذا الخيار أو أنه قد يصبح أكثر واقعية في ظل ظروف لاحقة، لكن حاليًا تعد إمكانية تحقيقه صعبة للغاية، وذلك انطلاقًا من معطيات واقعية وموضوعية منها: العامل الديموغرافي؛ إذ إن المناطق التي من المفترض أن تقام عليها الدويلة العلوية ليست صافية المذهب، بل مختلطة، وبعض المدن أصبحت ذات أغلبية سنية مع مرور السنوات بما فيها تلك المشهورة عرفًا بأنها علوية، وعلى الرغم من محاولات التصفية المذهبية التي يجريها نظام الأسد في تلك المناطق، إلا أن الفصل الكلي لم يحصل بعد.

     ويضيف باكير: هناك أيضًا البنى التحتية، فلا يوجد بنى تحتية مؤهلة لأن يتم إنشاء دويلة علوية عليها في المناطق المقترحة ضمن هذا السيناريو، ناهيك عن أن إقامة دويلة علوية على الساحل من شأنها أن تزيد من الضغط المعاكس لاستعادة هذا الشريط على اعتبار أنه من دونه فإن سوريا ستصبح دولة قارية داخلية، وهذا ما لن يتم قبوله؛ لما من المنافذ البحرية من أهمية في الحسابات الجيو - إستراتيجية عادة للدول.

تداعيات خطيرة

     من ناحية أخرى يرى الدكتور عصام عبد الشافي أن هناك الكثير من التداعيات في حالة قيام هذه الدويلة، وستكون على العديد من المستويات:

     فهناك المستوى السوري: ومنها فتح الباب واسعًا أمام مزيد من التقسيم والتشرذم أمام وجود أقلية كردية في الشرق يمكن أن تسعى للانقسام.

     وهناك تداعيات على المستوى الإقليمي: وترتبط هذه التداعيات باختلال التوازنات الإقليمية في المنطقة لصالح قوى غير عربية، فبعد خروج العراق من معادلة التوازن الإقليمي، وتصاعد الدور الذي تقوم به تركيا وإيران، فإن هذا الدور مرشح للتصاعد في حال تقسيم سوريا وظهور الدولة العلوية؛ لأن هذه الدولة ستكون بدرجة كبيرة حليفة لإيران على اعتبار أنها أهم حلفاء الأسد في الأزمة الراهنة، وهو ما من شأنه إثارة البعد المذهبي بين السنة والشيعة بمعدلات أكبر وأخطر، كما أن تركيا ستتحرك بحرية أكبر في شمال سوريا؛ حيث الحدود المشتركة، وكذلك ستحاول «إسرائيل» الاستفادة من الوضع بتمديد نفوذها في الجولان المحتل، وفي جنوب لبنان، ومحاولة احتواء الدويلات الوليدة في سوريا ولاسيما أنها ستكون دويلات حبيسة إذا سيطر العلويون على ساحل المتوسط.

     أما التداعيات على المستوى الدولي، فيرى أنها ترتبط بنجاح الولايات المتحدة في فرض مخططاتها القائمة على «تقسيم المقسم» و«تجزئة المجزأ» فهذه المنطقة سبق تقسيمها في اتفاق سايكس بيكو 1916، فقد تم تقسيم منطقة الهلال الخصيب بموجب الاتفاق.. ثم أكد مؤتمر سان ريمو عام 1920 على اتفاقية سايكس بيكو، واستكمالاً لمخطط تقسيم وإضعاف سوريا، عقدت معاهدة لوزان عام 1923 وبموجبها تم التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا، وقسمت الاتفاقية سوريا الكبرى إلى دول وكيانات سياسية قزمية شملت العراق وسوريا، ولبنان، وفلسطين والأردن.

ردود الفعل المحتملة

     ويؤكد عبد الشافي أن ردود الفعل في حال قيام هذه الدولة ستكون مرتبطة بحسابات المكسب والخسارة الخاصة بهذه القوى، ووفقًا لخريطة القوى الإقليمية:

     فتركيا تواجه إشكالية كبرى، بين التخلص من خطر عدو كامن، ممثل في نظام الأسد في ظل علاقات تاريخية متوترة خلال العقود الأربعة الأخيرة، وما يمكن أن يفرزه خيار التقسيم من تفردها إقليميًّا، هذا من ناحية، وبين التداعيات السلبية للتقسيم ومخاطر القضية الكردية، ومخاطر انتشار جماعات العنف السياسي، وخاصة أن لها مما حدث في العراق تجربة مريرة.

     أما عن إيران  فيشير إلى أن قيام دولة علوية حليفة لإيران سيمثل مكسبًا لها، ولكنه سيبقى مكسبًا محدودًا على حساب سوريا الكبرى بوصفه حليفاً سابق؛ لأن الدولة الجديدة ستكون هامشية وغير مؤثرة وغير قادرة على إدارة التفاعلات الدولية والإقليمية.

     وعن إسرائيل: فـ «إسرائيل» تظل دائمًا المستفيد الأكبر من كل المشكلات والتحديات التي تواجه الدول العربية والإسلامية، وستكون استفادتها أعظم حال تقسيم سوريا؛ لأن التقسيم يعني حسم ملف الجولان للأبد، وانتهاء الدعم السوري لجماعات المقاومة الفلسطينية، وكذا انتهاء الدعم السوري لـحزب الله» في لبنان، وكذا إمكانية احتواء الدويلات الوليدة في سوريا بعد التفتيت.

     وأما المملكة العربية السعودية فتمثل الطرف الخاسر في معادلة التقسيم؛ لأنه بعد تدمير بوابة العرب الشرقية ممثلة في العراق، وما جره عليها من تداعيات سلبية، يأتي تقسيم بوابة العرب الشمالية، ليفرض مزيدًا من التداعيات السلبية، أبرزها: تكوين دولة، غالبًا شيعية في سوريا مما يعني ترسيخ الوجود الإيراني، من ناحية، وخطر جماعات العنف على أمنها واستقرارها، من ناحية ثانية، وخسارة استثماراتها الاقتصادية الضخمة في سوريا من ناحية ثالثة، وتراجع مكانتها مقارنة بتركيا وإيران و«إسرائيل»، من ناحية رابعة.

     ويؤكد أيمن هاروش أن الدول كلها تنظر إلى مصالحها الفكرية العقيدية (الأيديولوجية)، أو المصالح المادية (براغماتية)، وسيتحدد موقفها بناء على هذه المصالح في ثلاثة فرقاء:

- فالأول:  هو الموقف الرافض لهذه الدولة لمصالح فكرية عقيدية ككثير من الدول العربية، ولمصالح أمنية كتركيا التي سيزيد التوجه الانفصالي في بلادها من قبل العلويين بالإضافة للأكراد، ولمصالح أخرى كفرنسا وبريطانيا اللتين كثيرًا ما وقفتا في وجه النظام السوري في هذه الأحداث.

- والثاني: موقف المؤيد لمصالح فكرية وهو الثلاثي الشيعي (إيران والعراق ولبنان) على اعتبار أن القوة الشيعية هي المسيطرة في العراق ولبنان، والمؤيد لمصالح مادية كالموقف الروسي والصيني و«الإسرائيلي».

- والثالث: وهو الساكت وهو من لا يعنيه الشأن السوري.

ردة فعل الشعب السوري

     وعن ردة فعل الشعب السوري قال: قولاً واحدًا إن الشعب السوري بكل طوائفه وقومياته سيقف في وجه هذا المشروع كما وقف في وجهه أيام الاحتلال الفرنسي، وأظن أن وحدة التراب السوري هي قضية مسلم بها عند كل قوى المعارضة السورية على اختلاف قومياتها ومشاربها بما فيها بعض الشخصيات العلوية، باستثناء أقلية كردية، وشدد على أن الشعب السوري لن يسمح بهذا المشروع وسيتصدى له بكل الوسائل المتاحة، والله أعلم.

     أما علي باكير فيرى أن وجود مثل هذه الدويلة على حدود تركيا حيث توجد أقلية علوية على تماس مباشر معها لاسيما في إقليم هاتي أو لواء الإسكندرونة، يجعل رفض تركيا لقيام مثل هذه الدولة أمرًا مفروغًا منه؛ لما لذلك من تداعيات على وحدة أراضيها بسبب نشوء مثل هذه الدولة أو بسبب نشوء دولة مماثلة كردية على حدودها، ناهيك عن الموقف العربي المماثل طبعًا.

     ويشير باكير إلى أن الموقف الدولي والأممي يعد عاملاً مهماً وحاسمًا في هذا الأمر، ومن الملاحظ أنه حتى الآن ليس هناك موقف إيجابي من مثل هذا الأمر، كما أن مصلحته الحالية تنحصر بروسيا وإيران و«حزب الله» و«إسرائيل».

     وأخيرًا: يبقى أن الشعب السوري الذي ثار على الظلم والطغيان، والذي قدم آلافًا من الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين، من أجل رفع الظلم وإزالة النظام الفاسد المجرم، لن يقبل أن تضيع كل هذه التضحيات الضخمة هدرًا، وأن تكون نتيجتها أن تقسم بلاده وأراضيه، وأن ينعم بشار الأسد وزمرته، بملك جديد، بعد أن قتل أبناءهم واغتصب نساءهم وذبح شبابهم وأطفالهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك