رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد زاهد جول 8 يونيو، 2016 0 تعليق

الدوافع الحقيقية وراء التقارب التركي السعودي

العقليات السياسية والفكرية والخبرة السياسية التي اكتسبها الشعبان العربي والسعودي والتركي في القرن الماضي، كانت كفيلة أن تمحو كل لحظات الصراع والاختلاف بينهما

التحالف التركي السعودي والعربي حق طبيعي؛ لأنهم أبناء أمة واحدة تتعرض للمخاطر و الاعتداءات والتهديدات نفسها

 

من عادة الكتاب الغربيين عندما يكتبون عن العلاقات التركية العربية عموماً أو العلاقات التركية السعودية أن يتذاكروا مرحلة الخلاف والصراع والاقتتال القصيرة الزمن، التي وقعت إبان العقود والسنوات الأخيرة من أيام الدولة العثمانية؛ فيجعلون من تلك الأحداث أساساً لقراءتهم وتحليلاتهم للعلاقات التركية والعربية والخليجية والسعودية خصوصاً، ويتجاهلون مدتها الزمنية القصيرة نسبياً، ويتجاهلون أنهم أبناء أمة واحدة، ودين واحد، وعقيدة واحدة، وعبادات واحدة، وتاريخ واحد لثلاثة عشر قرناً سابقة على أقل تقدير.

     وربما يجعلون بناء الدول الحديثة مثل الجمهورية التركية والمملكة العربية السعودية فواصل قاطعة تحول بين كل تلاق أو تعاون ممكن بينهما، وكأن الكيانات السياسية الحديثة هي جبهات حرب وقتال وصراع فقط، ويأخذون في تعداد أسباب الاختلاف غير القابل للحل من وجهة نظرهم الغربية والصهيونية، سواء في الحديث عن الأطماع العثمانية الصوفية ضد الحملات السعودية الوهابية، أو بين الجمهورية العلمانية الأتاتوركية والدولة الدينية للملك عبدالعزيز آل سعود في القرن العشرين، أم بين الوهابية السلفية السعودية والإخوانية التركية المعاصرة بحسب ظنونهم وتكهناتهم الفكرية، أم بسبب التهديد الطائفي على كلتا الدولتين في المنطقة في العقد الأخير، وأخيراً وليس آخراً بسبب تجاهل الاستراتيجية الأمريكية مصالح كلتا الدولتين في سوريا على حساب تأييد نزعات انفصالية طائفية للعلويين في الساحل السوري، أو تأييد أمريكي لنزعات قومية انفصالية للأكراد شمال سوريا، وغيرها، وهذه الاتهامات الكبيرة والخطيرة وغيرالمسوغة تستهدف الوقيعة بين العرب والأتراك في هذه المرحلة.

مجرد أوهام

     وبالرغم من نسبية صحة الصورة الشكلية العامة للمشهد التاريخي والحديث والمعاصر، إلا أنها تبقى مجرد أوهام إذا تم اقتصار التحليل السياسي والفكري عليها؛ فهي لا تأخذ في حيز التحليل السياسي أو الفكري إلا المظاهر والقشور، مع التأكيد على تجاهلها لكل القواسم المشتركة بين الدولتين والشعبين في الماضي والحاضر والمستقبل.

سمات مشتركة

     وعلى فرض صحة بعض تلك التحليلات في بعض الجزئيات فإن العقليات السياسية والفكرية والخبرة السياسية التي اكتسبها الشعبان العربي والسعودي والتركي في القرن الماضي كانت كفيلة أن تمحو كل لحظات الصراع والاختلاف، فعمر كلتا الدولتين السياسي الحديث متقارب وهو نحو مئة عام، وقد اكتسب كلا الشعبين الكثير من الخبرات العلمية العالمية، والسياسية والفكرية والدبلوماسية، وتقبل الرأي الآخر والعلاقات السياسية المتبادلة والمصالح الاقتصادية المتعاونة بين الدولتين، فضلاً عن أن رؤية كلا الشعبين لبعضهما بعضاً لم يشبها شيئاً من الخراب الذي لحق العلاقات السياسية في بعض المراحل؛ فمشاعر الأخوة الإسلامية حية، وموسم الحج والعمرة نحو الأراضي المقدسة لم يتوقف، والسياحة العربية السعودية نحو تركيا لم تتوقف أيضاً؛ مما يؤكد أن كل ما يقال عن تباعد بين الدولتين أو الشعبين لدرجة القطيعة المطلقة، أو سوء النية الثابتة نحو الآخر، أو استقرار الشكوك من الآخر أو أطماعه، غير صحيح ولا واقعي، ومن باب أولى ألا يقال: إن كلتا الدولتين قد خططت في يوم من الأيام للعدوان على الدولة الأخرى أو التآمر عليها مع غيرها.

الاختلافات الفكرية

     فالاختلافات الفكرية بين مدارس الفقه الإسلامي ليست خاصة بين الدولتين أولاً، وليست جديدة ثانياً، وليست من تأسيس إحدى الدولتين ثالثاً، فسواء كانت المدارس السعودية أم التركية أكثر محافظة وسلفية أو إصلاحاً ومعاصرة؛ فإن ذلك مما يحتمله الاختلاف الفكري بين المسلمين، وسواء كانت أغلبية المناهج الفكرية الإسلامية محافظة أم إصلاحاً في السعودية أم في تركيا فليس ذلك سبباً مقبولاً لنشوء الاختلاف والصراع بين الدولتين، أو تكريسها بوصفها أسباباً أبدية في الحاضر أو المستقبل؛ ولذلك لا ينبغي حمل هذه التحليلات على أنها تحمل شيئاً من الحقيقة العلمية أو التحليل السياسي الحكيم.

ليس احتلالاً

     وقد يكون عذر المحللين غير المسلمين للعلاقات التركية السعودية على النحو السابق عدم امتلاكهم الروح الأخوية بين الشعبين، ولكن المستهجن والمستغرب أن تصدر مثل هذه التحليلات من المحللين والصحفيين العرب أو الأتراك، فهؤلاء لا عذر لهم في الحديث عن عداء مستحكم بين العرب والأتراك، أو السعودية وتركيا، أو الحديث عن احتلال أو استعمار تركي للبلاد العربية لأربعة قرون أو غيرها من المصطلحات الأجنبية الغريبة الخبيثة، فمتى كان انتقال الحكم في التاريخ الإسلامي بين عربي أو كردي أو تركي أو شركسي أو غيرها احتلالاً أو استعماراً؟ فهل كان حكم صلاح الدين الأيوبي والأيوبيين احتلالاً أو استعماراً للدول العربية؟ وهل كان حكم المماليك الشركس لبعض البلاد العربية احتلالاً أو استعماراً؟ وهل كان حكم العثمانيين لبعض البلاد العربية احتلالاً او استعماراً؟ إذا كان ذلك كذلك فإن حكم الأمويين لغير العرب من المسلمين هو احتلال واستعمار أيضاً، وكذلك حكم الخلفاء العباسيين لغير العرب من المسلمين هو احتلال واستعمار أيضاً، فهل يقول بذلك عاقل، فضلاً عن أن يكون مسلماً مؤمناً بوحدة أمته الإسلامية؟

الصراعات السياسية والعسكرية

     أما الصراعات السياسية والعسكرية الدولية على أراضي العرب والأتراك وعلى أراضي المسلمين في كل العالم، فإن تعاون المسلمين على صدها ومقاومتها هو واجب على كل المسلمين، وليس واجباً على العرب أو السعوديين والأتراك فقط، فالواجبات المشتركة على كل الدول الإسلامية توجب تأكيد وحدتهم أولاً، وتوجب تنسيق جهودهم ثانياً.

     إن تركيا والسعودية والدول العربية والأمة الإسلامية عموماً تواجه محاور عدوانية عديدة، وأخطر ما فيها ما تشارك فيه بعض الدول الطائفية ضد الأمة الإسلامية؛ فالدول التي تحالف أمريكا في قتل العراقيين والسوريين وغيرهم هو تحالف إجرامي، ولا يقل عنه إجراماً التحالف مع الجيش الروسي في قتل المسلمين في سوريا أو غيرها، ولا يسوغ ذلك وجود مصالح لهذه الدول في التعاون مع المحتلين الأجانب، سواء كان الاحتلال صهيونياً إسرائيلياً أم صليبياً أمريكياً، أم حرباً مقدسة تخوضها الكنيسة الأرذوكسية الروسية ضد العرب والأتراك وغيرهم؛ فهذه التحالفات واضحة العدوان على الأمة الإسلامية، فأي احتلال أجنبي يبحث عمن يخدمه من القوات المحلية، ولكنه يستغني عنها ويقتلها بعد نفاد الحاجة إليها، والخسارة الأكبر لأي جيش من المسلمين أن يأخذ دور العميل والخائن لدينه وأمته ولشعبه في الدنيا والآخرة.

تحالف طبيعي

     لذا فإن التحالف الإسلامي الذي تم تكوينه في الرياض بين ستة وثلاثين دولة إسلامية قبل أشهر، والمناورات والتدريبات العسكرية التي تقوم في السعودية أو في تركيا هي طبيعية أولاً، وضرورية ثانياً، لاستخدامها في مرحلة الدفاع الأقوى على الأقل، وإلا فإن المخاطر سوف تدخل الأراضي السعودية والتركية وباقي البلاد العربية والإسلامية، إن لم تكن قد دخلتها فعلاً، ومن مسؤوليات هذا التحالف والتعاون الإسلامي أن يمنع مشاريع التقسيم التي يخطط له الأمريكيون في العراق وسوريا، سواء على أيدي الأحزاب الطائفية الإيرانية الإرهابية، أم على أيدي الأحزاب القومية الكردية الإرهابية؛ فهذه الكيانات ستخدم الطامعين المحليين مرحلياً، ولكنها ستكون ظلماً وفساداً واستبداداً على شعوبها في المستقبل القريب قبل البعيد، فضلاً عمّا يحدثه من ضعف في الأمن القومي العربي والتركي معاً، أي إن التحالف التركي السعودي والعربي مع الوطنيين والإسلاميين من أبناء القوميات الأخرى الشرفاء من الأكراد أو الشركس أو الإيرانيين الشرفاء أيضاً فهو حق طبيعي لأبناء الأمة الإسلامية، فهم يتحالفون في الدفاع عن أنفسهم، وهم أبناء أمة واحدة تتعرض للمخاطر نفسها والاعتداءات نفسها، وهذه هي الدوافع الحقيقية التي تجمع أبناء الأمة الواحدة عند المخاطر والتهديدات الإجرامية، بغض النظر عن مصدرها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك