رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد 28 سبتمبر، 2020 0 تعليق

الدنيا دار بلاء لا تدوم لأحد

 

 

 

الدنيا بالبلاء محفوفة، وبالغدر موصوفة، وبالفناء معروفة، لا تدوم أحوالها، ولا يسلم أهلها، بينما هم في سرور وهنا إذا هم في هم وبلاء، ترميهم بسهامها، وتقصفهم بحمامها، كم رياض فيها زهرها عميم، فجاءها أمر الله فأصبحت كالهشيم! تسر يا عبدالله فترى الدنيا ضاحكة، وتتكدر فتراها باكية، ولو تأملت لعلمت أنك أنت الضاحك الباكي، الدنيا لم تتغير وإنما المتغير هي النفوس في القلوب وفي الأخلاق والأعمال.

عواقب الأمور عن الخلق مغيبة، وإرادة الله هي الغالبة، ابن آدم مجهول الأمل، معلوم الأجل، محفوظ العمل، مكنون العيل، أسير جوعه، وصريع شبعه، لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياه ولا نشورا

يقول أهل العلم: «إنه ما أطاعه الله أحد إلا أعزه، وما عصاه أحد إلا أذله؛ فالعز مربوط بالطاعة، والذل مربوط بالمعصية».

فترات وابتلاءات

     فعلى قدر إعزاز المرء لأمر الله يلبسه الله من عزه، ويقيم له العز في قلوب العالمين. قد تمر على الإسلام فترات وابتلاءات يتميز فيها الصادقون بالصبر والثبات، ويقع فيها مرضى القلوب في دوائر اليأس وأحوال الانتكاسات، أما الإسلام فهو دين الله محفوظ، رضيه لعباده، وأتم به نعمته، كامل لا ينقص، وقوي لا يضعف، ومحفوظ لا يبلى، هذا الدين عظيم شعائره، ثابت بسننه وفرائضه، قد يحل بصحته أيام عجاف، أو يحزن أهله لواقع مؤلم، وهذا الحزن من أهل الإيمان يمثل مشاعر عظيمة ودليل حياة لأهل القلوب؛ فلا تضعفها برياح اليأس أو مسالك التراجع؛ فاليائسون والمنتكسون والمتراجعون لا يضرون إلا أنفسهم، أما الصالحون والمصلحون فهم في عزة وقوة، وذلك فضل الله عليهم ورحمته بهم وحفظه لهم.

معرفة الله -تعالى

     من عرف الله، صفا عيشه وطابت حياته، وزال عنه خوف المخلوقين، وأسهل الطرق إلى الجنة سلامة القلب، ولا تتم إلا إذا سلم من شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تصد عن الذكر، وهوى يصرف عن الإخلاص والتجرد.

طهر قلبك

     الرزق مقسوم فلا تهتم، والقدر حق فلا تجزع، طهر قلبك من ثلاث (الكره، والحقد، والرياء)، وزينه بثلاث (الصدق، والإخلاص، والورع)، واحفظ نفسك بثلاث (التسليم للمولى، واتباع المصطفي - صلى الله عليه وسلم -، والشكر في السراء والضراء)، وشيئان لا يدومان (الشباب والقوة)، وشيئان ينفعان (سماحة نفس، وحسن خلق)، وشيئان يرفعان (التواضع، وقضاء حوائج الناس)، وشيئان للبلاء يدفعان( الصدقة، وصلة الرحم).

النفع يورث المحبة

     واعلم -حفظك الله- أن النفع يورث المحبة، والإيذاء يورث البغضاء، والموافقة تأتي بالألفة، والخلاف ينبت العداوة، والصدق يولد الثقة، والكذب يبعث على التهمة، وحسن الخلق يوجد المودة، وسوء الخلق يبعث على النفرة، واعلم أن الهوى خدعة الألباب، والعداوة تصد عن النصح والإنصاف، وتوقع في الميل والإجحاف، ومن صدق في الأخوة سد الخلل، وغفر الزلل، والثقة لا تغني عن التوثيق، والناس تحب الثناء فلا تبخل به، واحذر النفاق، إذا جاء المهموم فأنصت، وإذا أتاك المعتذر فاصفح، وإذا جاءك المحتاج فأنفق.

العافية من متابعة الفارغين

     وإذا عوفيتم -حفظكم الله- من متابعة الفارغين في وسائل التواصل فاحمدوا الله؛ فكل من ابتلي بذلك إلا شغل قلبه وزاد همه، وضاعت أوقاته، والاستئناس بالحديث في أعراض الناس من علامات الإفلاس، ومن اشتغل بتتبع الزلات تفرق عليه أمره، وضاعت مصالحه، فلا تضيع الوقت في الرد على منتقديك، وإذا تم العقل نقص الكلام، ولو تأملت في ذلك لرأيت أن عيوب جسمي يسترها القماش، وعيوب الفكر يكشفها النقاش.

العقلاء ثلاثة

     والعقلاء ثلاثة، من ترك الدنيا قبل أن تتركه، ومن بنى قبره قبل أن يدخله، وأرضى خالقه قبل أن يلقاه، وأرفع الناس قدرا من لا يري قدره، وأكثرهم تواضعا من لا يري فضله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعباده، قال الله -تعالى-: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}.

القرآن الكريم

     القرآن الكريم حفظ عليك حياتك، وحقق لك سعاتك وبين وظيفتك؛ فقال -تعالي- في محكم كتابه: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين}، واضبط ألفاظك فقال: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ}، ووجهك في مسيرك ومشيتك فقال:{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}، وهذب صوتك فقال: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}، وحفظ مجلسك فقال: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}، وأصلح مأكلك ومشربك فقال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، وجمع عليك ذلك كله فقال {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.

     وإذ كان ذلك كذلك فاعلموا أن من ترك الشكر حُرم الزيادة فال -تعالي-: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، ومن غفل عن ذكر الله لم يذكره الله قال -تعالي-: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}، ومن ترك الدعاء لم يحصل على الإجابة قال -تعالى-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ومن ترك الاستغفار لم يضمن النجاة قال -تعالى-: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.

من أراد أن يعرف مسؤوليته

     فمن أراد أن يعرف مسؤوليته وطريق نجاته فليتأمل هذه الآيات: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا}، {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}، {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}، {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ}، {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ}، {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}، هذه هي الحقيقة وهذه هي حدود المسؤولية و{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}، و{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك