رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 1 سبتمبر، 2015 0 تعليق

الدماء ما بين المخططات والنبوءات

 

من معتقدات المسيحية الصهيونية الأساسية إشعال الحروب والتعجيل بها حتى تعجل بعودة المسيح

مساعدة الكيان الصهيوني والالتزام بديمومته ليس أمرا سياسيا بل هو تنفيذ لإرادة إلهية

الملك عبد العزيز: إن من الخطأ معاقبة الفلسطينيين بسبب ما فعله النازيون، لا يمكن أن أوافق على سلخ وطن عن شعب لإعطائه لشعب آخر

 

بعد نحو أكثر من عقد من الغزو الأمريكي للعراق؛ والبلدان العربية تشتعل واحدة تلو الأخرى، وتغرق في فوضى خلاقة فيما سمي بالربيع العربي، والذي لم يكن في واقع الحال لا ربيعا ولا عربيا، بل كان انتكاسة كبرى، وفي هذا الخضم الهائل تضيع قضية العرب المركزية، القضية الفلسطينية، ويبقي السؤال الحقيق بنا طرحه هل ما يجري في المنطقة العربية عشوائيا؟ أم أنه مدبر من قبل مشعلي الحرائق والفتن؟ تجيبنا الكاتبة الأمريكية (غريس هالسل) على هذا السؤال في كتابها ( يد الله ) الذي أجابت فيه عن  الكثير من الاستفسارات والمعضلات التي تدور في ذهن كل مواطن عربي.

كتاب (يد الله)

     يبحث  هـذا الكتاب في مدى تأثير الحركة الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة على المجتمع الأمريكي وعلى أصحاب القرار في البيت الأبيض وفي الكونغرس على حد سواء.

     ومن ضمن الأسئلة التي طرحها الكتاب: لماذا يدفع وبشدة لأن تكون الحال والدماء في عالمنا الإسلامي وفي الخصوص المشرق العربي بهذا الهدر؟!

      ولماذا تزداد سعادة فئة ليست بالقليلة وذات قوى وقرار ممن يؤمنون بعقيدة لا تتحقق نبوءاتها إلا إذا اشتعلت منطقتنا حروبا ودمارا وقتلا وهرجا؟! ولماذا الدماء التي تسفك وكأنها دماء لا بد أن تسفك؟!

      يقول مترجم كتابها الجديد (يد الله) إلى العربية الأستاذ (محمد سماك) في مقدمته: (عملت على ترجمة الكتاب بحماس، وأدركت وأنا غارق في فصولة الأربعة عشر أن قراءة هذا الكتاب ضرورية؛ لأنه يجيب على علامة الاستفهام الكبيرة التي تلازم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط منذ قيام (إسرائيل)، وهي لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل؟!

وتجيب (غريس هالسل) عن تلك التساؤلات بالأتي:

     هنالك نظرية: إن للمسيحية عودة ثانية، وإن لهذه العودة شروطاً لا بد من توافرها منها: المسيح لن يظهر ثانية إلا وسط مجتمع يهودي، وإنه لن يعود إلا في صهيون، ولذلك تحقيقاً للإرادة الإلهية بتسهيل وتسريع العودة الثانية للمسيح لا بد من تجميع اليهود، ولا بد من إقامة صهيون حتى يظهر بينهم.

حروب الشرق الأوسط:

     ولا شك أن من معتقدات المسيحية الصهيونية الأساسية إشعال الحروب والتعجيل بها حتى تعجل بعودة المسيح، وهنا كان السؤال: هل المسيحية الصهيونية؛ وراء عملية تأجيج الحروب الموجودة في منطقتنا العربية والإسلامية (الشرق الأوسط) أي المشرق الإسلامي؟!

     الجواب تقرؤه في كتاب (النبوءة والسياسية) بتفصيل دقيق.. وملخصه أن الولايات المتحدة تتعامل (بسياستين خارجيتين)، الأولى: للعالم والتي تراعي فيها المصالح السياسية. والثانية: المتعلقة بما أسموه (الشرق الأوسط) أي المشرق الإسلامي والتي تتجاوز فيه الولايات المتحدة مصالحها، وتعد أن مساعدة الكيان الصهيوني والالتزام بديمومته ليس أمرا سياسياً، ولا يقع في إطار حسابات المصالح السياسية أو الاقتصادية، بل هو تنفيذ لإرادة إلهية، ممارسته عبادة؛ ولذلك فإن هذا الإيمان يجعل القرار الأميركي مضطراً إلى عدم الوقوف بالضرورة أمام المصالح الأميركية عندما يجد نفسه مدعوا لاتخاذ قرار يتعلق بأمن الكيان الصهيوني أو بمستقبله، أو بالصراع اليهودي القائم مع الدول العربية والإسلامية، والحقيقة لا توجد للولايات المتحدة أي مشكلة مع العالم العربي لا بمصالحها الأمنية أو الاستراتيجية ولا النفطية أو التجارية والسياسية كذلك.

قيام إسرائيل

     وعدت هذه الحركة أن قيام إسرائيل في عام 1948م كان المؤشر الأول من ثلاثة مؤشرات على تحقيق الإرادة الإلهية بالعودة الثانية للمسيح والمؤشر الثاني: احتلال القدس في عام 1967م. أما المؤشر الثالث المنتظر هو تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل في مكانه. فالذي أضرم النار في المسجد عام 1969م لم يكن يهودياً، بل كان صهيونياً من هذه الحركة.

حقائق مهمة

     وأوضحت الكاتبة الحقائق الآتية: قامت في بريطانيا أولاً ثم في الولايات المتحدة حركات دينية مسيحية إنجيلية انطلاقاً من هذه المعتقدات، ولعل أهم هذه الحركات وأقوها اليوم هي الحركة (التدبيرية)، التي تؤمن بأن الله مدبر كل شيء - وهذا من عقيدتنا الإسلامية الثابتة- ولكنهم يعتقدون بأن الله رتب الأمور بهذا التسلسل:

- عودة اليهود إلى فلسطين.

- قيام إسرائيل.

- هجوم أعداء الله على إسرائيل.

- وقوع محرقة هرمجيدون النووية.

- انتشار الخراب والدمار ومقتل الملايين.

- ظهور المسيح المخلص.

- مبادرة من بقى من اليهود إلى الإيمان بالمسيح.

- انتشار السلام في مملكة المسيح مدة ألف عام.

     وتساءلت (هالسل): لماذا يصلي البعض - وهم ليسوا بالقليل – من أجل نهاية العالم؟! وهل يجب أن ندمر العالم تدميرا كاملا حتى نجد مكانا في جنة جديدة! وفي عالم جديد؟!

     فمعتقدات (المسيحية الصهيونية) تقف وراء قرار إضعاف العرب، وضرورة تعزيز الترسانة العسكرية للكيان الصهيوني، وتقسيم المنطقة العربية تقسيمات وأجزاء جديدة، وإشعال الحروب والخراب في عالمنا العربي.

عقيدة هرمجيدون

     وفي الفصل الأول من كتابها ابتدأته في مدى (انتشار عقيدة هرمجيدون) وسردت أقوال القساوسة والبارزين في وسائل الإعلام الإنجيلية ومعتقداتهم في حركة هرمجيدون... وكيف أنهم كما قال أحدهم: يعيشون في سباق نحو (هرمجيدون) وأن نهاية العالم تقرب أكثر وأكثر! وأنه لابد من حدوث حروب قبل هرمجيدون يقتل فيها واحد من كل اثنين، وأن ثلاث مليارات شخص سوف يقتلون، وهذا ما أعلنه القس (كين بوغ) في كنيسة ماكلين للكتاب المقدس، ويُدَرسه للكثير من القادة وأصحاب القرار! ونقلت كذلك كلمات المبشر الإعلامي الإنجيلي (فولويل) أن: «هرمجيدون حقيقة وهي حقيقة مرعبة وأن المليارات من البشر سوف يموتون في محرقة هرمجيدون».

     وسردت الكاتبة قصصا كثيرة لإيضاح كيف أن الكثير من المال الذي يجمع لهذه العقيدة يستخدم لمشاريع ذات طبيعة سياسية، ولاسيما لدى التحالف المسيحي الذي يملك ألف وستمائة مركز في خمسين ولاية، وكيف أن هذا التحالف يشكل - منفردا - المنظمة السياسية الأوسع نفوذا في الولايات المتحدة؟!

اليمين المسيحي وسياسة الشرق الأوسط

      وفي الفصل الثالث عشر تقول الكاتبة: إن خلال الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية اجتمع الرئيس روزفلت في أعالي البحار مع الملك عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية. قال روزفلت للعاهل السعودي: إن هتلر والنازيين اضطهدوا اليهود، فاليهود يحتاجون إلى وطن. ولكن ماذا عن فلسطين؟

     رد الملك عبد العزيز قائلا: «ليس الفلسطينيون هم الذين اضطهدوا اليهود، النازيون هم الذين فعلوا ذلك. إن من الخطأ معاقبة الفلسطينيين بسبب ما فعله النازيون، لا يمكن أن أوافق على سلخ وطن عن شعب لإعطائه لشعب آخر».

     وتعلق الكاتبة: كان للأصوليين المسيحيين شعور آخر، عدوا نقل اليهود إلى فلسطين- حيث عاشت قلة منهم طوال الألفي سنة الأخيرة - تعني (تحقيق) النبوءة التوراتية.

عقيدة الدمار

     وفي الختام أقول: لقد أجادت الكاتبة عرض فصول الكتاب لتصل إلى وصف سعادة فئة ليست بالقليلة وذات قوى وقرار ممن يؤمنون بعقيدة لا تتحقق نبوءاتها إلا إذا اشتعلت منطقتنا حروبا ودمارا وقتلا وهرجا! وأصبحت الدماء التي تسفك وكأنها دماء لا بد أن تسفك!

     وأجادت كذلك في تبيان أن اللاسامية لا ساميتان، الأولى: تكره اليهود وتريد التخلص منهم وإبعادهم بكل الوسائل الممكنة، والثانية: تكره اليهود أيضا بَيْد أنها تريد تجميعهم في مكان محدد هو فلسطين ليكون هذا المكان مهبط المسيح في مجيئه الثاني المنتظر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك