الدعوة إلى الله -تعالى- أعظم السبل لمرضاته
الدعوة إلى الله أفضل سبيل وأحسن طريق يوصل إلى الله -جل وعلا- وإلى رضاه وإلى اتباع نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم-، والدعوة إلى الله منهج الأنبياء والرسل، قال الله -عز وجل-: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (163 النساء)، وقال -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}، وقال -سبحانه وتعالى-: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ}.
والدعوة إلى الله -تعالى- كانت أحب عمل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وأحب عمل إلى أصحابه - صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة 122)، فأمر الله -جل وعلا- أصحاب رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن ينفر بعضهم للدعوة وبعضهم يجلسون عندالنبي يكتبون ما يوحي إليه وما يتكلم به من حديث، وما يوجه به من أحكام، يحيطون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كأنما على رؤوسهم الطير، يستمعون للإجابة عن الأسئلة، وإذا بدأت الآيات تتنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - عرفوا ذلك وأنصتوا وطأطؤوا رؤوسهم، ثم يسرّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيتلو عليهم ما سمعه من جبريل -عليه السلام- وهكذا حياتهم وعمرهم المبارك كله.
دعوة خاصة ودعوة عامة
والله -جل وعلا- أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليدعوا إلى الله دعوة خاصة ودعوة عامة، دعوة خاصة بفئة من الناس ودعوة أعطته أسلوب الداعي إلى الله -جل وعلا-: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، فهم أولى، فإن كان لديك خير وشيء فيه نفع أولى الناس فيه أقاربك، {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، فهذا أمر من الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ليسلك هذا المسلك قال في الآية الأخرى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
الحسنة والسيئة لا يستويان
ثم بين -جل وعلا- أن الحسنة والسيئة لا يستويان: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، وقال -تعالى-: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} لا تستوي هذه الأمور؛ فالله -جل وعلا- لا يساوي بين من دعا إليه وبين من تخاذل: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} ليسوا سواء أبدا، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون} (البقرة 277)، فلا خوف عليهم في المستقبل ولا يحزنون على الماضي، وقال -سبحانه-: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (فاطر: 32).
أعظم سبيل وأحسن منهج
فالدعوة إلى الله أعظم سبيل وأحسن منهج وآمن طريق، وأحب إلى الله -جل وعلا- من أمور كثيرة وأعمال عظيمة؛ لأن الدعوة إلى الله نفعها متعد، فمن اهتدى على يدك، أو حفظ القرآن عليك، أو حفظ حديثا منك، أو عرف حكما من أحكام الشرع منك، أو قذف الإيمان في قلب أحدهم بسببك فأبشر أنت مثلهم في الأجر، فإذا علم الناس القرآن وعلمتهم الحق فلك مثل أجرهم، فأجرك مستمر مادامت هذه الدعوة سارية وقائمة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا» أخرجه مسلم في صححيه، فكل من باشر القتل كان إثمه على ابن آدم الأول الذي بدأ القتل، ومن فعل فعلتهم فلهم كفل من العذاب، وهكذا حتى تقوم الساعة.
الداعية إلى الله
وهذا الداعية يجب أن يكون مقبولا محبوبًا، وأن يكون لطيفا في دعوته، هادئا في كلماته غير حاد، ولا ينظر للناس نظرة غضب وشزر ونظرة عداوة ولو كانوا عصاه، حتى لو كان أحدهم يشرب الخمر، أو حليقا مسبلا، تبسم في وجهه لعل الله أن يهديه على يدك، لا تقطب في وجوه الناس أبدا قال -تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، والصبر على الدعوة وعلى تكراراها، تقول امرأة أنا تعبت من عيالي، لا يصلون الفجر، ماذا أفعل؟ قلت اليوم صبرت واجتهدت وقام واحد واثنان وكل يوم يقوم منهم واحد وكل يوم يسجل لك أجر يوميا.
صبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الدعوة
لقد صبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الدعوة وعلى الأذى، حاربوه، وأبو لهب كان يمشي على القبائل ويقول لهم: هذا رجل كاذب لا تأخذوا منه شيئا، وكان يحثو عليه التراب، لكن صبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان الله -عز وجل- يصبره ويورد عليه القصص مطولة مرة ومقصرة أخرى، ليثبت به فؤاده ويذهب عنه - صلى الله عليه وسلم- ما يجده، ففي الدعوة لا تغضب وإن كان كبر عليك إعراضهم.
صبره صلى الله عليه وسلم ومصابرته
الله أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعوتهم والصبر عليهم، وقد يهتدون فيما بعد؛ فلكل أجل كتاب، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاءه ملك الأخشبين قال له: يا محمد تريد أن أطبق على قريش الأخشبين؟ ما هما الأخشبان؟ جبال مكة، قال بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، صبر - صلى الله عليه وسلم- وصابر وسمع وامتلأت أذناه من كلام المشركين، قالوا: ساحر، مجنون، كاهن، أساطير الأولين، ولكن صبر حتى أظهر الله له هذه الدعوة وما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أسلمت العواصم الثلاث - مكة والمدينة والطائف.
خلافة أبي بكر - رضي الله عنه
ثم جـاء الخلـفـاء واستـلموا الـراية فأبوبكر سَيَّر أول جيش بقيادة أسامة بن زيد لما أمَّره النبي على الجيش وتوفي قبل أن يتحرك فأنفله أبو بكر، قالوا يا خليفة رسول الله، كيف تنفذ الجيش والناس في زمن الردة؟ قال والله لأنفذن هذا الجيش ولو أخذت الكلاب بخلاخل نساء المدينة؛ فنفذ الجيش.
خلافة عمر - رضي الله عنه
ثم استلم عمر القيادة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - رأيت البارحة رؤيا كأن حبالا تدلى من السماء فأخذ به رجل فصعد، ثم أخذه رجل آخر فصعد، ثم أخذه رجل ثالث فضرب الناس بعطن - فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف أولت هذا؟ قال: أنا قبضت ثم أخذه أبو بكر، ففي أخذه ضعف، ثم أخذه عمر فجيش الجيوش وانطلقت شرقا وغربا، وفرح الأنصار وضرب الناس بعطن - أي أَمِنَ الناس، وصاروا يربون المواشي وكبرت الخلافة، ويربون الإبل والغنم -والعطن هو سماد الإبل والغنم.
الدعوة إلى نجاح
فالمقصود أن الدعوة إلى الله في نجاح ورقي، وقد تقوى في بلد وتضعف في آخر، جاء في الحديث: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم». كان العلم والتعليم والخير والدعوة كلها في الشام ومصر والآن انتقلت إلى الجزيرة العربية إلى هذه الديار، كانت بلادا قفرا ليس فيها شيء، بل صحراء؛ فأصبحت فيها جامعات وعلم ودعوة، والعقيدة السلفية منتشرة في الخليج كله وانتشرت في بقية الدول؛ هل في مصر دعوة سلفية؟ نعم هناك دعوة سلفية كبيرة، وهناك جماعة أنصار السنة المحمدية، قبل 40 عاما كانت عندهم ثلاثة مساجد فقط، كان أحدها خمارة في التوفيقية ثم اشتروها وحولوها لمسجد، الآن كم مسجد عندهم؟ كم تتصورون؟ أنصار السنة عندهم ما يزيد عن أربعين ألف مسجد، وهناك أنصار السنة في السودان مثلا لها خير عظيم، وهناك الدعوة السلفية في الهند، بنغلاديش سريلانكا وغيرها، وجدنا دعوة سلفية في دول كثيرة، بعد انهيار الشيوعية، وجدنا الدعوة السلفية هناك رغم تشديدات الروس هناك، ووجدنا كتبنا وأشرطتنا هناك، ووجدنا مسجداً للسلفية إمامة شاب لا يكاد يبلغ أربعين سنة والذي خلفهم دون الأربعين يدعون إلى الله، فهناك دعوة سلفية، وبفضل الله انتشرت وزادت في البلاد الإسلامية، وفي الصين وجدنا مسجدا للسلفية، أقبلت على الصف مكتملا والقائمون عليهم كلهم خريجو الجامعة الإسلامية، وأنظر في خلفية فيها مسجد فوجدت ثيابا يلبسونها أثناء الصلاة، وانطلقنا لمقاطعة أخرى المسجد إذا أقبلت عليه كأنه قلعة، إن كان المحافظ مسلما يسمح لهم بأن يؤذنوا، فهو مسجد ضخم جدا، دخلت فيه وإذا به خمس عشرة حلقة للقرآن الكريم، وجدت فيها قراءات متعددة ويشاركون في المسابقة الدولية في المملكة العربية السعودية منذ خمس سنوات.
لاتوجد تعليقات