الدعوة إلى الإسلام والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة
مكن الله هذه الأمة في ماضيها المجيد، وسيمكن لها في مستقبلها السعيد شريطة أن يرفض كل مسلم المظاهر الجاهلية جميعا
إن الإسلام هو الدين الأزلي الجامع الذي تواترت رسالات الأنبياء على إظهاره، فكانوا دعاة دين واحد، وشرائع متعددة تعاقبت، فكان لكل قوم هاد، ولكل قوم شرع ومنهاج حتى ختم الله - تبارك وتعالى - بالرسالة المحمدية المصدقة لدعوات الأنبياء الأولين - عليهم السلام - هذه الرسالة السمحة تخاطب الناس كافة، وهي صالحة لكل زمان ومكان، رسالة جمعت فأوعت واتسعت فأرشدت كل جنبات الحياة، إن نشرها والدعوة إليها واجب على أبناء الإسلام، حتى يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وينعموا بمنهج الله تعالى، الذي ينظم الحياة ويوجهها ويصونها ويأخذ الناس بحكم رب الناس ملك الناس إله الناس؛ كي يوفر لهم الحياة الطيبة المبنية على قاعدة الإيمان الخالص والعمل الصالح، قال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} (النحل: 97).
ولا يمكن أن يكون عمل صالح إلا بإيمان خالص، وبغير القاعدة التوحيدية الصحيحة، لا يمكن أن يقوم بناء إسلامي سليم؛ لذلك لا بد من حمل لواء الدعوة الإسلامية الصحيحة، وعلى جميع المسلمين أن يستشعروا عبوديتهم لله وحده لا شريك له، فينسوا أنفسهم في سبيله، ويتذكروا أخوّتهم الإسلامية التي جمعت المهاجرين والأنصار، ووحدت قلوب المسلمين الأولين بعروة الله الوثقى، وهي: القرآن الكريم الذي عصمه الله من التحريف والتزييف وجعله مصدقاً لما بين يديه من الكتب الإلهية ومهيمناً عليها، وخاتماً لها، هذا الكتاب الفاصل بين الحق والباطل وبين المعروف والمنكر وبين الأثرة والأنانية.
جاء الوعد الحق بأن الباطل زهوق، وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين، وفيه تبيان الصراط المستقيم والشعائر الإلهية التي تدعو الفرد للفضيلة وتوجهه نحو الحياة التي تقوم على العدالة والإخاء.
- فالصلاة: تجديد للصلة بالله - عز وجل - وترسيخ لمعاني الالتزام بالحق، ونهي عن الفحشاء والمنكر.
- والصوم: زيادة على ما فيه من أسرار، تحمل للصبر على الشدائد والمشاق وتطويع للرغبات والشهوات.
- والزكاة: عبادة مالية توظف الأموال والثروات في سبيل التكافل الذي أمر به الإسلام، ومشاركة المعسر في ثروة الميسور، بجزء معلوم للسائل والمحروم.
- والحج: عبادة كبرى تجمع بين المادة والروح احتفاء بتوحيد الله - عز وجل - ورمزاً لوحدة أمة الإسلام والتقائهم حول رب واحد ودين واحد وقبلة واحدة.
والإسلام الصحيح وحده هو القادر على رفع الإنسان إلى القمة الشاهقة بغرس التوحيد الخالص والإيمان الصادق في قلبه؛ ليتمكن من تأدية واجب الأمانة التي كلفه الله - تعالى - به بلا وساطة وسيط.
ومن هنا كان لهداية الإسلام أسلوب قويم، وأن مفتاح الإصلاح في الإسلام هو التوحيد، فالدعوة الإسلامية تبدأ بغرس الإيمان في قلب الإنسان وتجعل المؤمنين مراقبين لله - عز وجل - في أقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم، وهؤلاء الأفراد الذين تزودوا بصحوة التوحيد والعقيدة هم اللبنات التي تعمر الحياة، وتنظم المجتمع، فتجربة الإنسان عبر التاريخ الإسلامي للأهواء والبدع قد باءت بالفشل، سواء كانت صوفية أم عقلانية بعيدة عن الكتاب والسنة.
وما على أبناء الإسلام - ولا سيما بعد أن مرت الأمة بتجارب مريرة - إلا أن يكرسوا جهودهم من أجل العودة بالمسلمين إلى الإسلام الصحيح، والسير خلف العلماء الصالحين القادرين على قيادة الناس بالكتاب والسنة بما وهبهم الله - تعالى - من قوة روحية ومعنوية، هؤلاء العلماء الملتزمون قولا وعملا بمبادئ الإسلام يعدون مسؤولين مسؤولية كاملة أمام الله - عز وجل - والأمة جميعاً عن تبصير الناس بدين الحق، وتحت قيادتهم يمكن للمسلمين في أنحاء الأرض أن يقيموا المجتمع الإسلامي المتحد القادر على تطبيق رسالة الله الشاملة، والقضاء على كل نظام لا تتفق أسسه مع مضمون «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وشريعتها الإسلامية التي يجب على كل دولة إسلامية تطبيق مبادئها، وجعلها منارا يهتدي بنوره الحاكم والمحكوم على السواء في المجال التربوي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري، واتخاذ الخطوات العملية لتضامن المسلمين وإزالة التناقضات بينهم تحقيقا لقوله تعالى: {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} (المؤمنون: 52).
ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فأولها صلح بالاعتماد في شؤونهم كلها على الكتاب والسنة، وعلينا نحن إذا أردنا حياة العزة الإسلامية سابغة، أن نتعاون على البر والتقوى فيما بيننا، ونجتمع على تعاليم ربنا وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم ، ونتحاب في الله - عز وجل - ونرجع عند الاختلاف إلى الله والرسول تنفيذاً لقوله- عز وجل: {فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} (النساء: 59).
وحينئذ تمتد أمواج الحق لتبدد ظلام الباطل فينبلج نور الفجر معلناً عن يوم جديد تشرق فيه أشعة الإسلام لتكشف زيف جيوش الظلام ويهتف هادي التوحيد: «شعارنا الوحيد: إلى الإسلام من جديد»، فتتجدد الآمال وتمتلئ المساجد بالركع السجود كباراً وصغاراً ورجالاً ونساءً، مثلما كانت عليه أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضوان الله عليهم - وتعج قاعات المحاضرات في الجامعات والمدراس والجمعيات بمن يستمع الذكر والحكمة فآذان صاغية، وقلوب واعية متيقنة بأن المستقبل للإسلام، وأن دولة الخلافة على منهاج النبوة لا بد آتية لا ريب فيها، وترتفع الهامات والرؤوس وتتطهر النفوس مستعلية بالإيمان على الدنيا وأصحابها، وعلى الباطل وأعوانه، وتنحني رؤوس الموحدين لله رب العالمين إيذاناً بأن جيلاً قرآنياً سلفياً صالحاً قد ولد من جديد بعاطفة إيمانية تأبى إلا أن تفرض نفسها وتبرز وجودها وتبرهن على حياتها وحيويتها؛ لأنها ليست من صنع البشر، ولكنها من صنع الله - عز وجل - الذي ألف بها بين عباده الصالحين: {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم} (الأنفال: 69).
وبهذه الوحدة الإيمانية لن تغلب هذه الأمة، ولن تقهر، ولن تهتز حتى ولو تألبت عليها الأمم، واجتمع عليها أهل الأرض جميعاً، وقد مكّن الله - تعالى - لهذه الأمة في ماضيها المجيد، وسيمكّن لها في مستقبلها السعيد شريطة أن يرفض كل مسلم كل مظاهر الجاهلية، وجميع أشكال العقائد الأرضية، والنظم البشرية في سائر مناحي الحياة، ويعتقد أنه لا خلاص إلا بالانخراط تحت لواء التوحيد، وتسليم الأمة وجهها لله - عز وجل - امتثالاً لأمره: {ادخلوا في السلم كافة} (البقرة: 208).
عند ذلك تقوم دولة الإسلام العالمية وتعلو كلمة الله - عز وجل - فتغشى وجوه المنافقين والمشركين قترة سوداء؛ لأنهم ربطوا مصيرهم بغير الإسلام، وأعطوا ولاءهم لغير الله، وسلموا قيادهم لأعوان ماركس، ولينين، وسارتر، وفرويد من دعاة الإلحاد والإباحية، ولدعاة المهاترات والسخافات والقيل والقال من الشيوعيين واليساريين والقوميين والعلمانيين، وعند ذلك تكون الساحة للإسلام وأبنائه، تملؤها أفواج العابدين المخلصين وجموع المزكين المجاهدين، وأحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ولا يبقى للباطل وجود بيننا بارتفاع صوت الحق مدوياً: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} (الإسراء: 81)، وتولي أذناب الصليبية والإباحية الأدبار من عالمنا الإسلامي: {كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة} (المدثر: 50 - 51)، وتضيق بهم الأرض بما رحبت، وتلفظهم البشرية جزاء عبثهم بها قروناً كثيرة، فلا يجديهم شرق ولا غرب، وتلعنهم الجن والإنس بما نقضوا من عهود الله - تعالى - ومواثيقه، وعند ذلك تتفجر شرايين اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين غيظاً علي ما يعاينونه من عزة الإسلام وقوة أتباعه، وخذلان الباطل وتنكيس أعلامه، ولا سيما إذا شاهدوا راية التوحيد والإيمان ترفرف فوق «رومية» عاصمة أهل الصلبان، التي هي اليوم مقراً لبابا الفاتيكان، وتأمل معي هذا الأثر الصحيح: عن أبي قبيل: كنا عند عبدالله بن عمرو بن العاص وسئل: أي المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أم رومية؟ فدعا عبدالله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتاباً، قال: فقال عبدالله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي المدينتين تفتح أولاً: أقسطنطينية أم رومية؟ فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «مدينة هرقل تفتح أولاً، يعني القسطنطينية»(1).
وستكون رايات الجهاد ضد المشركين والكفرة وأصحاب البدع ترفرف في أنحاء العالم الإسلامي. وستكون دعوة التوحيد ناصعة مهما عبث العابثون والمضللون والخرافيون وأذنابهم، وقد خيب الله أمل كبير القساوسة المجرم «الزويمر» الذي يقول وهو يتبجح: لقد انتهت هذه الحركة كاملة، ولقد ثبت الآن أن وجودها السياسي كان مجرد تمثيلية رائعة.
ولكن الله غالب على أمره، فهذه المملكة العربية السعودية ونرى السلفية قائمة دينياً وسياسياً وثقافياً واقتصادياً، ومشرفة على البيتين، ومحاربة الدخلاء والمنافقين، وستظل السعودية بإذن الله الدولة الإسلامية الرائدة مهما حقد عليها الأعداء.
الهوامش:
1 - أخرجه أحمد وصححه الحاكم ووثقه الذهبي.
لاتوجد تعليقات