رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: علاء بكر 6 مارس، 2016 0 تعليق

الدعاة والتشريعات الاقتصــادية

للأسف فقد فشا الربا في بلاد المسلمين، ووضعت ثروات أغنيائهم في بنوك أوروبا وأمريكا الربوية، وبنى المسلمون في معظم البلدان الإسلامية اقتصادهم على الربا

ينبغي على الدعاة أن يشيروا إلى وسطية الإسلام بوصفه نظاماً اقتصادياً،  يختلف عن النظام الرأسمالي الغربي والنظام الاشتراكي الشرقي، فالنظام الاقتصادي الإسلامي وإن وافقته الرأسمالية في بعض توجهاته فهو ليس برأسمالي، وإن وافقته الاشتراكية في بعض توجهاته فهو ليس باشتراكي

الدنيا في الإسلام معبر للآخرة، فيأخذ الإنسان منها ما يكفيه، ولا يهلك نفسه في تحصيل لذات الدنيا بما لا يستطيع

القوة الاقتصادية للأمة في زماننا الحاضر تعزز من مكانتها بين الأمم، ولقد رأينا أممًا مهزومة شر هزيمة في الحرب العالمية الثانية قد عادت لتتبوأ اليوم مكانة عالية بين الأمم، لما استعادت قوتها الاقتصادية.

إن أي أمة لا غنى لها عن قوة اقتصادية كبيرة تستطيع بها أن تحافظ على كيانها، وتدافع عن وجودها حرة بين الأمم، فالإعداد العسكري الذي يحفظ لأي أمة حريتها ومكانتها -على سبيل المثال- يحتاج إلى أن يكون وراءه اقتصاد قوي قادر على أن يُعِدَّ هذه الأمةَ الإعداد العسكري المطلوب منها، وتكلفة الإعداد العسكري والإنفاق على الجيوش لخوض حرب دفاعية، أو رد عدوان خارجي، أو خوض حرب وقائية، تكلفة باهظة تتطلب مئات المليارات في بعض الأحيان.

ولا يتسنى الإعداد الجيد لكل ذلك إلا باقتصاد قوي، هذا إلى جانب الإنفاق على المجالات الأخرى من تعليم وصحة ومواصلات ونقل داخلي وخارجي وصناعة وزراعة... إلخ.

وكم من أمم لها تطلعاتها وطموحاتها، ولكنها عاجزة عن تحقيقها لضعف اقتصادياتها!

ومدار الاقتصاد على زيادة الإيرادات والموارد مع ترشيد النفقات وتقليل المدفوعات، فيتحقق فائض يمكن توظيفه فيما يقوي بنيان الأمة ويدعم كيانها ويعليه.

     ولا شك أن الإسلام يفوق بعقيدته وشريعته كل الأنظمة الفاسدة العلمانية، وأنه قادر أن يغير - كما غير من قبل- المسلمين، ويفجر طاقاتهم الكامنة فيهم بما يملكه من عقيدةٍ، مبناها على الإيمان بالله والعمل لليوم الآخر، وما لديه من شريعة تجمع بين المثالية والواقعية، وتبني الإنسان الصالح الذي لا يقتصر على كونه خيِّرًا في ذاته، بل يتعدى خيرُه إلى من حوله، بعطاء لا ينقطع مهما كانت الظروف؛ إذ إنه يوقن أن عمله وعطاءه لن يضيع في الدنيا وفي الآخرة، وكيف ييأس من روح الله ويقطع الرجاء فيه عز وجل؟!

     وهذا التغيير المرجو في ظل الإسلام يكون بموافقة ما جاءت به الشريعة الإسلامية من مبادئ وتوجيهات وإرشادات، ينبغي على الدعاة نشرُها، وبيانها للناس، وتربيتهم عليها، وهي كفيلة بمشيئة الله -تعالى- بأن تؤتي أكلها، بزيادة موارد الأمة ومكتسباتها، وتقليل نفقاتها وما يهدر من أموالها، ومن ثمَّ يتحسّن اقتصادها ويقوى بنيانها. ومن هذه الأمور التي ينبغي على الدعاة توضيحُها لعموم المسلمين وتربيتـُهم عليها وحثهم على العمل بمقتضاها:

1. نظرة الإسلام للمال:

فالمالُ في الإسلام مالُ الله -تعالى- استخلف عليه الإنسان ليلبِّيَ به احتياجاته المشروعة، دون إسراف أو تبذير، وعليه استخدامُه في إعمار الأرض، وله تنميته دون إضرار بالآخرين.

والمال في الإسلام وسيلة لا غاية، والحياة الدنيا في الإسلام معبر إلى الآخرة، أمِرَ الإنسان بالسعي فيها، ولكنه سعي المطمئن؛ إذ مقادير الأمور بيد الله -تعالى- وحده، وهو ينفق ما كسب بسعيه فيما أمر الله -تعالى- به وأحلَّه.

ولهذا فالمعيشة في الإسلام مبنية على القصد وعدم الإسراف، فيأخذ المسلم من الدنيا قدرَ كفايته وينفق فيما ينفعه، قال الله -تعالى-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(الأعراف:31).

والإسلام يربط بين الإيمان وبين زيادة الرزق، وبين البركة في الرزق والاستغفار، قال -تعالى-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} (الطلاق:2-3).

وقال الله -تعالى-: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} (هود:3).

وقال الله -تعالى- عن نوح -عليه السلام-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (نوح:10-12).

2. تحريم الله -تعالى- للربا:

     فالشريعة الإسلامية تحرم الربا وتعده من أكبر الجرائم، وتشنُّ عليه حربًا لا هوادة فيها، وتتوعد المتعاملين به بالعذاب الأليم، وتعلن أن المرابين في حرب مع الله -عز وجل- قال -تعالى-: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} (البقرة:278-279).

     فالربا ظلم؛ لأنه يكدِّسُ الثروات في أيدي فئة من البشر على حساب الآخرين وجهدهم؛ لذا فالربا ممحوق البركة، قال -تعالى-: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (البقرة:276)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ» (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

وللأسف فقد فشا الربا في بلاد المسلمين، ووضعت ثروات أغنيائهم في بنوك أوروبا وأمريكا الربوية، وبنى المسلمون في معظم البلدان الإسلامية اقتصادهم على الربا الذي هو أعظم المنكرات التي يجب عليهم تركها ونبذها.

3. الهزائم وحرمان الرزق بسبب الذنوب:

     فالذنب قد يجر إلى عقوبة دنيوية وحرمان من الخير، ولقد انهزم المسلمون يوم أحد بمخالفة الرماة لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم  فانقلب النصر في أول المعركة إلى هزيمة في آخرها، فلما تساءل بعضهم: {أَنَّى هَذَا}؟ كان الجواب: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران:165). فالعبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه خاصة إذا استوجب بذنوبه غضب الله -تعالى- عليه، ومقته -والعياذ بالله- له.

4. الأمر بالسعي للرزق وبيان ثواب العمل وفضله:

فالعمل والتكسب وترك البطالة والتواكل، مأمور به شرعًا، قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} (الملك:15)، وقال الله -تعالى-: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (الجمعة:10).

     لذا خلق الله الأرض، وقدَّر فيها أقواتها، وأودع فيها معايشَ الخلق، ودعاهم أن يعمروها، وسخر لهم كل ما فيها، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} (الأعراف:10)، وقال الله - تعالى- على لسان صالح -عليه السلام-: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود:61).

     فليس لقادر على الكسب أن يترك فرصة العمل حتى وإن كان العمل شاقـًّا، أو لا يأبه الناس بصاحبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ» (رواه البخاري).

5. فرض الزكاة حق للفقير في مال الغني:

     الزكاة أحد أركان الإسلام، يقدمها من زاد كسبه عن النصاب إلى من يحتاج للمال عجزًا أو فاقة، وهي مورد ضخم لعلاج الفقر، والتخفيف من الأعباء على الدولة، يتضمن زكاة المال والزروع والحيوان والتجارة وزكاة الفطر، وهي تدريب لمن أغناه الله من فضله على البذل والعطاء لمن يحتاج لهذا البذل والعطاء. والزكاة حق للفقير لا تبرع يقدم له، وهي قدر معلوم ليس بمجهول بمقتضى الأخوة الإسلامية بينهما، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (المعارج:24-25)؛ لذا لا تعطى الزكاة لغير المسلمين، وللأسف فهي فريضة منسية عند الكثيرين.

     ودون إيتاء الزكاة يُحْرَمُ المسلمون من النصر والتمكين، قال -تعالى-: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (الحج:40-41)، إلى جانب العقوبات الأخروية، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (التوبة:34-35).

6. النفقة بغير الزكاة:

     وهذا باب واسع يفتحه الإسلام لمعالجة حاجات المجتمع، فيجعل على المسلم الغني أبوانا للإنفاق واجبة أو مستحبة غير الزكاة، كالإنفاق على الجار، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: «إِنَّ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم  أَوْصَانِي: إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ» (رواه مسلم).

     وكالكفارات التي فيها إطعام المساكين: كحنث اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة الجماع في نهار رمضان، وكالأضحية، وكالقرض الحسن لمن يحتاجه، قال -تعالى-: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} (البقرة:245)، وعموم الإنفاق والوقف الذي هو من علامات البر والصلاح.

قال -تعالى-: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (آل عمران:92)، وقال الله -تعالى-: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة:274).

     وهذا الإنفاق يخفف من العبء على الأمة بإغناء المحتاجين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ». قَالَ أبو سعيد الخدري: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. (رواه مسلم).

7. الترغيب في القناعة والرضا بالقليل:

     فالدنيا في الإسلام معبر للآخرة، فيأخذ الإنسان منها ما يكفيه، ولا يهلك نفسه في تحصيل لذات الدنيا بما لا يستطيع، أو بما يحرم عليه، ولا يتطلع إلى ما عند غيره ممن فضَّلهم الله عليه في الدنيا ابتلاءً واختبارًا، ففي الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِه،ِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» (رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني).

وقال صلى الله عليه وسلم : «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ» (رواه مسلم).

8. النهي عن الإسراف والتبذير وإضاعة المال وإن قَلَّ:

قال -تعالى-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف:31)، وقال الله -تعالى-: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} (الإسراء:27).

وفي الحديث المرفوع: «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» (رواه مسلم).

9. النهي عن البخلِ والشحِ والحرصِ على المال:

     قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} (الفرقان:67)، وقال الله -تعالى-: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (الليل:8-10)، وقال -تعالى-: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (التغابن:16).

     وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَن،ِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» (متفق عليه). فالإسلام يَحُدُّ من جشع المرء وطمعه وحرصه على المال الذي يجعل النفس لا تشبع، وتمتد يدها إلى الحرام.

10. التكفل بالنفقة على اليتامى والأرامل والمساكين:

     وهي صورة خاصة من النفقة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» (رواه البخاري)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -وَأَحْسِبُهُ قَالَ- وَكَالْقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ» (متفق عليه). ولا شك أن هذه النوعية من ضعفاء الأمة إن قام أفراد الأمة بشؤونهم خفف عن الأمة عبئًـا كبيرًا؛ إذ إنها نوعية تحتاج إلى الكفالة التامة، والرعاية الدائمة.

     فهذا عرض موجز لمفاهيم تفصيلية تتعلق بالجوانب الاقتصادية للأمة، يمكن للدعاة أن يبينوا ما فيها لمن يدعونهم، فيعرضونها بتفصيلات أكثر، وتقسيمات أشمل، أو يجمعوا بين بعض جزئياتها في عرض واحد، ويضيفوا إليها ما يرونه مناسبًا لحالة من يدعونهم، على أن تأتي مدعمة بأدلتها الشرعية العديدة من الكتاب والسنة، وبأقوال علماء الأمة ومفكريها الذين تعرضوا للحديث عن النظام الاقتصادي في الإسلام.

     كما ينبغي على الدعاة أن يشيروا إلى وسطية الإسلام كنظام اقتصادي، يختلف عن النظام الرأسمالي الغربي والنظام الاشتراكي الشرقي، فالنظام الاقتصادي الإسلامي وإن وافقته الرأسمالية في بعض توجهاته فهو ليس برأسمالي، وإن وافقته الاشتراكية في بعض توجهاته فهو ليس باشتراكي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك