رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 13 يونيو، 2017 0 تعليق

الدعاء والتضرع إلى الله أيسر الوسائل لتحقيق أمنيات أبنائنا

 

ما نزال نلتمس المناخ التربوي الرائع الذي هيأه الله -تعالى- وأعان به المربين في مواسم الخيرات من الأزمان والأماكن الفاضلة؛ حيث يكون توصيل المعاني والقيم وتثبيتها في نفوس الأبناء والمتربين أيسر وأوقع، والأبناء دائماً لهم أمنيات ومطالب، فجدير بنا أن نربط قلوبهم بمولاهم جلّ وعلا، ونعلمهم أن الدعاء والتضرع لله -تعالى- هو أيسر الوسائل وأقواها لتحقيق أمنياتهم كلها بثقة ويقين في قدرة الله تعالى، وأنّ رمضان هو شهر الدعاء والتضرع، وقد وعد الله -سبحانه- فيه بالإجابة، وأنزل هذه البشارة بعد آيات الصيام، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:186).

معنى الدعاء وأهميته

والدعاء لغةً: يطلق على سؤال العبد حاجته من الله، ويطلق من جهة الشرع على معان عدة، منها العبادة، وعلى هذا فُسر قوله -تعالى-: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} (غافر:60 ) أي: اعبدوني وأخلصوا لي العبادة. وعن ثابت، قال: قلت لأنس - رضي الله عنه -: يا أبا حمزة أبلغك أن الدعاء نصف العبادة؟ قال: لا، بل هو العبادة كلها.

المناسبة بين الصيام والدعاء

     وبين عبادة الصيام وعبادة الدعاء مناسبات وروابط لا تخفى؛ ففي ذكر استجابة الدعاء بعد آيات الصيام دلائل خاصة رائعة، قال الرازي في (التفسير الكبير): «في كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه: الأول: أنه -تعالى- لما قال بعد إيجاب فرض الصوم وبين أحكامه: «ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون»؛ فأمر العبد بالتكبير الذي هو الذكر وبالشكر، وبين أنه -سبحانه- بلطفه ورحمته قريب من العبد مطلع على ذكره وشكره فيسمع نداءه، ويجيب دعاءه ولا يخيب رجاءه.         

- الثاني: أنه أمر عباده بالتكبير أولاً، ثم رغّبهم في الدعاء ثانياً، تنبيهاً على أن الدعاء لابد وأن يكون مسبوقاً بالثناء الجميل.

- الثالث: أن الله -تعالى- لما فرض عليهم الصيام كما فرض على الذين من قبلهم، وكانوا إذا ناموا حرم عليهم ما يحرم على الصائم، فشقّ ذلك على بعضهم حتى عصوا الله في هذا التكليف، ثم ندموا وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن توبتهم، فأنزل الله -تعالى- هذه الآية مخبراً لهم بقبول توبتهم، ونسخ ذلك التشديد بسبب دعائهم وتضرعهم. (مفاتيح الغيب:3/88).

فرصة لتدريب الأبناء على الدعاء والتضرع

     إذا كان رمضان هو شهر استجابة الدعاء، فليجعله المربي فرصة لتدريب أبنائه على أداء هذه العبادة الجليلة، حتى تصير لهم عادة ثابتة ووردا يوميا لا ينقطعون عنه طوال العام. فللصائم دعوة لا ترد، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم، و دعوة المظلوم، و دعوة المسافر» – صححه الألباني : صحيح الجامع / رقم: 3030- وهناك أيضا دعوة مجابة في الثلث الأخير من كل ليلة؛ إذ الجميع مستيقظ لتناول السحور، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربنا -تبارك وتعالى- إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر» رواه البخاري ومسلم. تعليم الأبناء آداب الدعاء وضوابطه ومن ذلك:

عدم التعدي في الدعاء

     قال -تعالى-: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (الأعراف: 55)، ومعنى التعدي كما ذكر ابن القيم -رحمه الله-: «هو تجاوز الحدّ الذي حدَّه الشرع المطهر فيه، فيحصل في الدعاء من الخلل بحسب ما يحصل من التجاوز»  ثم قال: «فكل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه و أمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله». ومن أمثلة ذلك أن يدعو المرء على نفسه أو غيره بغير حق، أو أن يدعو بأمر يخالف ما قدّره الله -تعالى- له، مثل أن يقول: اللهم اجعلني ملكا من الملائكة، أو اجعلني جنياً، أو أن يدعو بإثم أو قطيعة رحم أو ما يغضب الله تعالى.

- تحري السُنّة واتباع هدْي النبي صلى الله عليه وسلم فيما ورد عنه من ألفاظ الدعاء، قال شيخ الإسلام: «المَشْرُوعُ للإنسان أن يدعو بالأدعية المأثورة؛ فإن الدُّعَاءَ من أفضل العبادات، وقد نَهَانَا الله عن الاِعْتِدَاءِ فيه، فينبغي لنا أن نَتَبِعَ ما شُرِّعَ وسُنَّ، كما أنه ينبغي لنا ذلك في غيره من العبادات، والذي يَعْدِلُ عن الدُّعَاءِ المُشْرُوعِ إلى غيره، الأحْسَنُ له ألا يَفُوتَهُ الأكْمَلُ والأفْضَلُ، وهي الأدْعِيَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ فإنَّها أفْضَلُ وأكْمَلُ باتفاق المسلمين من الأدعية التي ليست كذلك».

تعليمهم استحضار القلب والجزم بالدعاء

وربط ذلك في وجدانهم بعظيم قدرة الله -تعالى- وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة:106)، وأن يسألوا الله -تعالى- وهم موقنون بالإجابة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب الدعاء من قلب غافل لاه» – حسن: رواه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة.

تعليمهم أن يسألوا الله كل ما يتمنون

     قال المناوي: «إذا تمنى أحدكم خيراً من خير الدارين فليكثر الأماني؛ فإنما يسال ربه الذي ربّاه وأنعم عليه وأحسن إليه، فيعظّم الرغبة ويوسع المسألة، ويسأله الكثير والقليل حتى شسع النعل فإنه إن لم ييسره لا يتيسر، فينبغي للسائل إكثار المسألة، ولا يختصر ولا يقتصر؛ فإن خزائن الجود سحاء الليل والنهار، ولا يفنيها عطاء وإن جلّ وعظم؛ فعطاؤه بين الكاف والنون، وليس ذا بمناقض لقوله سبحانه: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} فإن ذلك نهي عن تمني ما لأخيه بغياً وحسداً، وهذا تمنى على الله -سبحانه- خيراً في دينه ودنياه، وطلب من خزائنه؛ فهو نظير : {واسألوا الله من فضله}».

تعليمهم ألا يستعجلوا الإجابة

وهذا الأدب مكمّل لليقين في الإجابة؛ فإن الشاكّ هو الذي يستعجل حصول مراده ويستبطيء الإجابة، وعندئذ يكون قد أتى بمانع من موانع الإجابة، عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي» (رواه البخاري ومسلم).

وعن عروة بن الزبير، عن عائشة -رضي الله عنهم جميعاً- أنها قالت: «ما من عبد مؤمن يدعو الله بدعوة فتذهب، حتى تعجل له في الدنيا أو تدخر له في الآخرة، إذا لم يعجل أو يقنط» قال عروة : قلت : يا أماه كيف عجلته وقنوطه؟ قالت: «يقول: سألت فلم أعط، ودعوت فلم أُجَبْ».

     وأخيراً عزيزي القارئ الكريم: تذكر دائماً أن الدعاء سلاح المؤمن الذي يهزم به الخطوب والكروب، وينجو به من المحن والبلايا، وكلما استمسك به كان في قوة ومنعة من الله -تعالى- الذي لا يخيب رجاء من سأله، ولا يتخلى عن عبده الذي اعتصم به وتوكل عليه وحده، قال -تعالى-: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}، فلنغتنم جميعاً عبادة الدعاء من فيض عطايا شهر رمضان الكريم أعاده الله علينا وعليكم وعلى أمتنا المسلمة بالخير والبركات.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك