الداعية.. مكانته.. وصفاته.. ومشكلاته.. وعلاجها(1)
الإخلاص هو أنفع سلاح وأمضاه للداعية؛ فينبغي أن يكون الدافع الوحيد للداعية هو التقرب إلى الله - عز وجل - وابتغاء وجهه
كتبه: محمد عامر سهيل لقمان التيمي
إن الدعاة القائمين بنشر الدعوة الإسلامية إلى كافة الإنسانية، هم الشموع التي تحترق لتضيء للناس طريق الهداية والحق والضيا، وهم وعي الأمة المستنير، وفكر الأمة الحر، وهم قلب الأمة النابض، وأطباء القلوب المريضة، والنفوس الجريحة؛ بل هم قادة سفينة النجاة في وسط الرياح الهوجاء، والأمواج المتلاطمة، والداعي إلى الله هو المبلغ للإسلام، والمعلم له، والساعي إلى تطبيقه، وهو الذي يدل الناس على ربهم، ويحدو بهم لتطبيق مبادئ الإسلام، التي هي في خلاصتها دعوة إلى مكارم الأخلاق، إقامة العدل بين الناس.
ومن ثم كانت الدعوة من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله؛ ولذلك اختار الله للقيام لها صفوة الخلق وأحبهم إليه وهم الأنبياء والمرسلون، وأقرب الناس إليه تعالى بعدهم أمثلهم بهم طريقة وأشبههم لهم سلوكا في العلم والعمل، ومكانة الداعي في الإسلام مكانة عظيمة، وقوله في الدعوة أحسن الأقوال في ميزان الله الذي هو أصدق وأعدل الموازين، قال سحبانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَـلِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(فصلت: 33).
روى عبدالرزاق في مصنفه عن معمر عن الحسن أنه قال في تفسير هذه الآية: «هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين، هذا خليفة الله» (ابن كثير: 4/102).
وفضل الدعاة ظاهر في كل جانب من جوانب دعوتهم ووظيفتهم: فموضوع دعوته هو الدلالة على الله وكيفية الوصول إلى جنته ورضاه، والنجاة من سخطه وغضبه، كما قال مؤمن آل فرعون: {وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الغفار}(غافر: 41 - 42)؛ ولذلك كان قولهم أحسن الأقوال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللهِ}، وأما وظيفتهم ومهمتهم؛ فهي أشرف الوظائف على الإطلاق؛ لأنها وظيفة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أشرف البشر وأكرمهم عملا: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ۖ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(الأنبياء: 7)، {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}(النساء: 165)، فمهمة الدعاة هي مهمة الأنبياء والمرسلين، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم من المصلحين {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(يوسف: 108)، وأما من حيث الأجر والثواب، فقد وعدهم الله بالأجر الكبير والفضل الكثير، بالغلبة في الدنيا، والفلاح يوم الدين: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}(غافر: 51).
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي يوم خيبر: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم»(صحيح مسلم، رقم الحديث: 2406)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا»(صحيح مسلم، رقم الحديث: 2674)، وقال صلى الله عليه وسلم : «معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر»(الطبراني، وقم الحديث: 20)، ولما كان الدعاة الصادقون المخلصون قوما يعيشون لدعوتهم، ولأمتهم، ولمجتمعهم، فدعوتهم همهم بالليل والنهار، وهي فكرهم في النوم واليقظة، وشغلهم الشاغل في السر والعلن، يؤثرون من أجلها التعب والنصب، ويضحون في سبيلها بالوقت والجهد والمال؛ بل وبالمهج والأرواح، ويستعذبون في سبيل نشرها وإبلاغها البلاء الشديد والعذاب الأليم، لسان حالهم: مناي من الدنيا علوم أبثها، وأنشرها في كل باد وحاضر، دعاء إلى القرآن والسنن التي تناسى رجال ذكرها في المحاضر، فقد استحقوا بذلك تكريم الله لهم وتشريفه إياهم بقوله تعالى فيهم: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَـلِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(فصلت 33)، وكفى بهذا فضلا وكرما، والحمد لله رب العالمين.
صفات الداعية
صفات الداعية، هي صفات المسلم التي بينها الله -تعالى- في القرآن، وفصلها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في سننه، وهي لازمة لكل مسلم، وما عليه إلا أن يعرض نفسه عليها ليزن نفسه في ميزانه ليعلم ما عنده منها، وما لم يصل إليه منها، ونريد هنا في الأسطر القليلة القادمة أن نسلط الضوء على بعض تلك الأخلاق، التي يجب على الداعية إلى الله التخلق بها، وليست من خصائصه فقط، ولكنها من واجب طبيعة عمله؛ فإذا تخلى الداعية عن تلك الأخلاق، فقد يحرم من ثمار دعوته ولا تقر عينه. ها هي الصفات الشريفة التي ذكرتها في السطور الآتية بشيء من الإيجاز بالأدلة الشرعية:
الإخلاص: وهو أنفع سلاح وأمضاه؛ فينبغي أن يكون الدافع الوحيد للداعية هو التقرب إلى الله - عز وجل - وابتغاء وجهه كما أشار قوله تعالى: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ}(يوسف: 108)؛ فلا تكون دعوته عصبية لجماعة، أو هيئة، أو يدعو لنفسه لا يدعو إلى الله، وبمقدار إخلاص الداعية في دعوته يكتب له القبول والبقاء والنفع في الدنيا والآخرة، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، وقد سمعنا وشاهدنا كثيراً من الدعاة وكثيرا من الدعوات اندثرت فما بقي لها أثر ولا لأصحابها من خبر {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا}(مريم:، 98).
والدعوة إلى الله - عز وجل - عبادة يشترط لها ما يشترط لسائر العبادات، وهو الإخلاص، قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}(الزمر: 3)، وقال النبيصلى الله عليه وسلم : «إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه» (النسائي: رقم الحديث: 3106).
صحة العقيدة: فلابد أن يكون الداعية مهتديا إلى الحق، وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه، والعقيدة الصحيحة هي عقيدة السلف الصالح - رضي الله عنهم - قال تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا}(البقرة: 137)، وقال صلى الله عليه وسلم : «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ» (الترمذي، رقم الحديث: 58)، والسنة هي ما تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عقائد وأخلاق وأعمال وأقوال؛ فالدعوة إلى السنة دعوة إلى اعتقاد السلف، وفهم السلف للكتاب والسنة، والالتزام بما كان عليه السلف الصالح من هدي ظاهر، وأخلاق باطنة، وأعمال مرضية، وأقوال زكية.
لاتوجد تعليقات