رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رجب أبو بسيسة 17 فبراير، 2019 0 تعليق

الداعية الحقيقيُّ

 

الداعيةُ الحقيقِيُّ: هو مَن يَتَفاعلُ معَ التحدياتِ التي تهددُ المجتمعَ، ولا يَنشغلُ عنها بِسَفَاسِفِ الأمورِ، انظرْ للصحابةِ لما قيل لهم: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} (آل عمران: 173)؛ وذلك تَحَدٍّ كبيرٌ، أَنْ تَجْتَمِعَ عليهم قبائلُ العربِ؛ فَلَمْ يُرْهِبْهُمْ ذَلكَ التحدي، بل {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}؛ فالدعوةُ إلى الحقِّ والتضحيةُ في سبيلِهِ مِن مَعالِي الأمورِ التي يَهُونُ في سبيلِها كُلُّ شَيْءٍ، وقَدْ صَدَقَ رسولُ الله[؛ إِذْ قالَ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا».

يَسعى في الإصلاح والتغيير

الداعيةُ الحقيقِيُّ، يَسعى في الإصلاح والتغيير، ويستفرغُ الْجُهْدَ في النِضالِ عن مجتمعِهِ المسلمِ، يَستحضرُ قولَ اللهِ -تَعَالَى-: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88).

يَغْتَنِمُ الفرصَ والظروفَ

     الداعية الحقيقي، يَغْتَنِمُ الفرصَ والظروفَ، ولا يَنْشغلُ عنها بِلَعْنِ الظَلَامِ، كما يَفْعَلُ أَهلُ الإحباطِ والمنهزمون، يَستحضرُ قولَ الله -تعالى-: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (الأعراف: 164)؛ فَلَمْ يَلتفتوا إلى التَّثْبِيطِ وَالتَحبيطِ، وكذلك يستحضِرُ قصةَ أَنَسِ بنِ النَّضْر رضي الله عنه؛ إِذْ يقولُ أَنَسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه : غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ»؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ - يَعْنِي أَصْحَابَهُ - وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ، - يَعْنِي المُشْرِكِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ»؛ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ؛ فَقَالَ: «يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ»، قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ، قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (الأحزاب: 23) إِلَى آخِرِ الآيَةِ.

يضيء الطريق للآخرين

     الداعيةُ الحقيقِيُّ، يسعى لإضاءةِ الطريقِ للآخرين، وتنبيهِ الغافلِ، وإرشادِ الحائرِ، وتحذيرِ الجاهلِ بِلُطْفٍ ولِينٍ، يَستحضر قول الله -تعالى-: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (الشورى: 15)، وقوله -تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل: 125).

هَمُّهُ نصرة الإسلامُ

     الداعيةُ الحقيقِيُّ: هَمُّهُ الإسلامُ يَنتصرُ، والدينُ يَعلو، والأُمَّةُ تُعِيدُ هيبَتَها، وعزتَها؛ فَيَأْلَمُ لمصَابِها، ويسعى في إزالتِهِ، ويفرحُ لفرحِهَا ويسعَى في تعزيزِهِ وزيادَتِهِ، يَسْتَحْضِرُ قولَهُ -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104)، ويعزِّزُ نَفسَه بالأملِ الذي وَعَدَهُ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ» (رواه أحمد، وصححه الأرنؤوط).

حماسه متجدد

- الداعيةُ الحقيقِيُّ: الحماسُ عندَهُ متجدِّدٌ ولَا يَضْعُفُ، بل كلما ازدادت التحدياتُ يَزدَادُ الإصرارُ عندَهُ لِلبذْلِ والعَمَلِ، قُدْوَتُهُ في ذلك: مصعبٌ، وسعدٌ، وجعفرٌ، وزيدٌ، وابنُ مسعودٍ، وابنُ عباسٍ، والصحابةُ جميعُهم، ضَحُّوا بِأوقاتِهِم، وأموالِهِم، وبَاعُوا الْمُهَجَ رخيصةً في سبيلِ انتشارِ الإسلامِ، وذُيوعِهِ.

لا يَعرفُ لغةَ الإحباطِ

     الداعيةُ الحقيقيُّ، لا يَعرفُ لغةَ الإحباطِ واليأْسِ، بلْ قَلْبُهُ مُفْعَمٌ بِالأَمَلِ والرجاءِ المقرونَيْنِ بالحركةِ، مُستبْصِرٌ بِنُورِ الوَحْيِ والعلمِ، يستحضرُ قولَ الله -تعالى-: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر: 9)، ويخشى أن يُصيبَهُ نَصِيبٌ مِن قولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»، شعارُهُ: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (الممتحنة: 4)، يَرَى في كل تَحَدٍّ فرصةً، وفي كلِّ شدةٍ فرجًا، وهَمُّهُ إيجادُ مَنْفَذٍ ومَدْخَلٍ لِلْإِصْلَاحِ والخيرِ.

لا يختلق المعاذير

     الداعيةُ الحقيقيُّ، لَا يسلُكُ مَسْلَكَ اختلاقِ المعاذيرِ وتسويغ الكسلِ؛ فالناس مِن حَوْلِهِ يقولون كيف نستقيمُ أمامَ هذهِ الفتن؟ وهو يقول: بل كيفَ لا نَسْتَقِيمُ؟!، يستحضِرُ في ذلك تاريخ أُمَّتِهِ، وكيفَ كانت تَمُرُّ بالمحنِ والفتنِ، ثُمَّ يُقَيِّضُ اللهُ لَهَا مِن أَبنائِهَا مَن ينهضون بها، أمثالُ صلاحِ الدين، وقطز، وبيبرس، ومحمد الفاتح، وغيرهم، إذا سمِعَ الناسَ يقولون كيف نعملُ؟ فهو يقولُ كيفَ لا نعملُ؟ ولِمَ لا نعمَلُ؟!، يستحضرُ قولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ»، الناسُ يقولون: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} وهو يقول: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}.

صابر مجاهد

الداعية الحقيقي، يَرَى الانتماءَ للدين عَمَلًا مقرونًا بالصبرِ والمجاهدَةِ، وأنَّ الحاكِمَ على الواقعِ هو العِلْمُ وليس الْجَهْلُ، وكذلك الوحيُ وليس الهوَى، داعيةٌ حَقِيقي وليس مجرد مُنتمٍ لا يعملُ.

     واعلم أنَّ عَدَّ السلبيات يستطيعه كُلُّ أَحَدٍ، وهي وظيفةٌ ومهنةٌ سهلة يجيدها الكسالى وأصحاب الهمم الضعيفة، واقرأ إن شئت قولَ الله -تعالى- في ذم المنافقين المثبطين المتربصين: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

يبث روح الأمل والتفاؤل

     أما الداعية الحقيقي فيبقى فيه بث روح الأمل والتفاؤل، ممتثلًا قولَ الله -تعالى-: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين: 26)، ساعيًا للعمل على تحسين الأوضاع، ومقاومة الفساد، والظلم، والشر، وَفْقَ قواعد الشريعة، مواجهًا التحديات كلها، وإلا فلو أَنَّ كلَّ مَن يعمل أصابه الإحباط واليأس هل ستتحسن الأمور، ويزول الفساد وينقشع ؟! بالطبع لا.

     فأحيانا يُصَدِّرُ له خصمُه الإحباطَ حتى يَمَلَّ ويترك العمل، تأمل –مثلًا- قولَ رأس المنافقين في غزوة الأحزاب: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} (الأحزاب: 13)؛ فلماذا قال يا أهل يثرب، رغم تغير اسمها قبل أربع سنوات من الغزوة؟! لماذا في ذلك الوقت؟! إنه التحبيطُ والتثبيط للمؤمنين.

     الداعية الحقيقي العاقل، هو من يدرك أن اليأسَ هزيمةٌ قبل الهزيمة، وبريدُ خرابٍ وهلاك؛ فالمؤمن شأنه عظيم، وقلبه عامرٌ معلقٌ بالله، ويُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ، يستحضر قول الله -تعالى-: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب: 22).

وهو يعلم أنه لم يقَدِّمْ جديدًا عندما يشكو السلبيات ويعدِّدُها؛ فالجميعُ يعلمها، بل وبعضهم يجيدُها ويتأقلم معها، لكنه يعلم أن  الرجلَ الفَطِن هو الذي يبعث الأملَ في النفوس، ويقاوم حالةَ الإحباطِ، ويسعى لإيقاظِ الهمم وبذل الوسع.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك