رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: بقلم: علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل 14 يونيو، 2011 0 تعليق

الخلاف المعتبر وأثره على الفتوى

 

الخلاف المعتبر هو الخلاف السائغ، ووجوده بين الأمة ظاهرة طبيعية لا بأس فيها ولا توجب فرقة ولا تناقضاً ولا تحزباً ولا معاداة، فهو اختلاف التنوع كما يعبر عنه محققو العلماء.

وهو معلم من معالم كمال الشريعة وصلاحها لكل زمان وإنسان ومكان، وهو الخلاف المبني على موارد الاجتهاد المعتبر، وهي: ما ترددت بين طرفين واضحين وأصلين شرعيين، الحق متردد بينهما، وبه حصل الإشكال والخلاف. فقد يكون الخلاف قريباً، كالاختلاف في أمر مشروع لكن هل هو واجب أم مستحب؟ وأيضاً الخلاف في غير المشروع هل هو محرم أم مكروه؟! وقد يكون بعيداً كالاختلاف في شيء هل هو محرم أم مباح أم واجب؟!

وشيخ الإسلام لما ذكر اختلاف التنوع، أورد أنه على وجوه:

1- منه ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين مشروعاً، كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة؛ فزجرهم عن الاختلاف رسول الله[ وقال: «فكلاكما محسن» رواه البخاري.

ومثله الاختلاف في صفة الأذان والإقامة والتشهد والاستفتاح.

2- ومنه ما يكون كل من القولين هو في معنى القول الآخر، لكن العبارتين مختلفتان، ثم الجهل أو الظلم يحمل على حمد إحدى المقالتين وذم الأخرى.

3- ومنه ما يكون المعنيان غيرين، لكن لا يتنافيان، فهذا قول صحيح، وهذا قول صحيح، وإن لم يكن معنى أحدهما هو معنى الآخر، وهذا كثير في المنازعات جداً.

4- ومنه ما يكون طريقتين مشروعتين، ورجل أو قوم قد سلكوا هذا الطريق، وآخرون قد سلكوا الآخر، وكلاهما حسن في الدين، ثم الجهل أو الظلم يحمل على ذم إحداهما أو تفضيلها بلا قصد صالح، أو بلا علم، أو بلا علم وبلا نية.

       اختلاف أهل الشام والعراق في حروف القرآن، الاختلاف الذي نهى عنه النبي[ فكان جمع عثمان رضي الله عنه القرآن على حرف واحد وترك ما سواه سنة راشدة، وخطة موفقة حمده عليها الناس، وشكره عليها أصحاب النبي[، وكان بها المقصد العظيم من عدم اختلاف الأمة، في كلام ربها، بل أضحى المسلمون في أقصى الدنيا وأدناها كلهم يقرأ كلاماً واحداً لربهم كما يصلون إلى قبلة واحدة، ويتعبدون الله بدين واحد. والشيخ ابن تيمية لما عرض لهذا قال: نهى النبي[ عن الاختلاف الذي فيه جحد كل واحد من المختلفين ما مع الآخر من الحق؛ لأن كلا القارئين كان محسناً فيما قرأه، وعلل ذلك بأن من كان قبلنا اختلفوا فهلكوا، فأفاد ذلك بشيئين:

1 ـ أحدهما: تحريم الاختلاف في مثل هذا.

2 ـ والثاني: الاعتبار بمن كان قبلنا، والحذر من مشابهتهم.

       واعلم أن أكثر الاختلاف بين الأمة الذي يورث الأهواء تجده من هذا الضرب، وهو: أن كل واحد من المختلفين كان مصيباً فيما يثبته، أو في بعضه، مخطئاً في نفي ما عليه الآخر، كما أن القارئين كل منهما كان مصيباً في القراءة بالحرف الذي علمه، مخطئاً في نفي حرف غيره؛ فإن أكثر الجهل إنما يقع في النفي الذي هو الجحود والتكذيب، لا في الإثبات؛ لأن إحاطة الإنسان بما يثبته أيسر من إحاطته بما ينفيه؛ ولهذا نهيت الأمة أن تضرب آيات الله بعضها ببعض،؛ لأن مضمون الضرب: الإيمان بإحدى الآيتين، والكفر بالأخرى، إذا اعتقد بينهما تضاداً؛ إذ الضدان لا يجتمعان. وهذا الذي ذكره الشيخ متين وله اعتبار قوي في موارد الاختلاف غير المعتبرة.

ـ وكذلك الاختلاف مع قيام الدليل القطعي في ثبوته أي في صحته، والقطعي في دلالته سواء كان نصاً أو ظاهراً، غير محتمل، فالخلاف فيه غير معتبر ولا يلتفت إليه؛ لأن مورد الاجتهاد في الدليل غير القطعي ثبوتاً أو دلالة، والذي ربما تطرق إليه الخلاف للتفاوت في مدارك الناس، ومراتب القوة والضعف، والصحة والفساد، والوضوح والاحتمال، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد في الدليل ودلالاته. فمثلاً حرمة الربا والتشديد على أهله، في ربا الفضل أو النسيئة أو هما معاً أمر قطعي الثبوت والدلالة، وليس هذا نظرياً، بل في مسائله الواقعية العملية، فالخلاف فيها غير وارد، وإن ورد فهو غير معتبر به، ثم من خالف فيه من العلماء فيعتذر له ولا يوافق في خلافه؛ للأصل الذي أشرت إليه.

       وكذلك من مواضع الخلاف غير المعتبر الخلاف على ما انعقد الإجماع عليه من الصحابة والتابعين أو تابعيهم بإحسان؛ فإن الأصل الثالث من أصول الأدلة الشرعية الإجماع، والإجماع المعتبر هو ما عليه السلف الصالح وهو ما حصل في القرون الثلاثة؛ إذ بعدهم كثر الخلاف وانتشرت الأمة؛ ولهذا اعتبر العلماء كثيراً من الخلاف والحالة هذه شذوذاً مطرّحاً غير معتبر به.

       والخلاف النازل أو الناشئ - في غير النوازل- الأصل عدم اعتباره حتى يرجع إلى أصول الخلاف العلمية أو العملية، فأما الخلاف العالي بين الصحابة والتابعين أو فقهاء الإسلام المعتبرين فإنه معتبر لقيام دواعي اعتباره، وسلامتهم من قوادح ذلك من الهوى والتعصب والجهل.. وخلاف التضاد يجمع أنواعاً من الخلاف المذموم الذي أكثر صوره غير معتبرة، وخلاف التضاد هو في القولين أو المذهبين المتنافيين إما في الأصول أو في الفروع.

       وتكثر صوره وأفراده في الفروع في قولين متضادين أحدهما بالوجوب والآخر بالحرمة، أو أحدهما بالاستحباب والآخر بالكراهية، أما في الأصول فأفراده ظاهرة وكثيرة كقولٍ بالسنّة وآخر بالبدعة، ولا شك أن الحق واحد، والمصيب فيهما واحد. والله المسؤول أن يلهمنا ويرشدنا، ويدلنا إلى محبوباته، ويحذرنا مسخطاته.. آمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك