رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أحمد الجسار 25 نوفمبر، 2019 0 تعليق

الحي و الميت


قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ». (رواه البخاري)، ذلك أن هذا اللسان وهذه الجوارح ما خلقت إلا لعبادة الله، فإن عطلها العبدُ عما خلقت لأجلِه، كان وجودها كالعدم، فالذاكرَ لربه حيُّ الجسدِ والروح، والغافلُ عن ذكره مَيْتٌ وإن كان بين الأحياءِ يغدو ويروح. فاشغل لسانك دائما بذكر الله.

     والذكرُ هو قوتُ القلوبِ الذي متى ما فارقها صارت الأجسادُ للأرواح قبورًا، وذكر الله هو خيرُ ما يعين على تقواه جل في علاه، وذكر الله هو أفضل ما يتحصن به الإنسان من الشيطان، قال يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عليهما السلام لبني إسرائيل: «وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللهِ». (رواه الترمذي). فأشغل لسانك دائما بذكر الله.

الدنيا مليئةٌ بالآفات

     إن الدنيا مليئةٌ بالآفات، والإنسانُ معرضٌ للمصيبات، لكنَّ العاقلَ الرشيد، يأوي بذكر الله إلى ركن شديد، إلى من بيده مقاليدُ الأرضِ والسماوات، من بفضله تتنـزل الرحمات، وبرحمته تـــُمحى الخطيئات، فبذكر الله نستدفع الآفات، ونستكشف الكربات، وتهون علينا المصيبات. إن أظلنا البلاء فإليه ملجؤنا، وإن نزلت بنا النوازل فإليه مفزعنا.

بذكرِ اللهِ ترتاحُ القلـوبُ

                             وتنـزاحُ المتاعبُ والكروبُ

وَتَنْـزِلُ رحمةُ الغفارِ غَيْثًا

                             بها تُمحى المعاصي والذنوبُ

الخير كله في ذكر الله.

قال أبو بكر - رضي الله عنه -: ذهب الذاكرونَ اللهَ بالخيرِ كلِّه.

     إن الرسلَ ما أرسلت، والكتبَ السماويةَ ما أنزلت، إلا لِتَدْعُوَ الناسَ إلى إقامةِ ذكرِ الله، فليكن لذكر الله من لسانك أوفرُ نصيب، فكذلك كان حالُ الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، قالت أمُّ المؤمنينَ عائشةُ -رضي الله عنها-: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ». (رواه مسلم).

الذكر في كل الأحوال

     ولذلك فقد شُرع لنا أن نذكر الله في كل أحوالنا، فإذا أخذ الإنسان مَضْجِعَهُ ذَكَرَ رَبَّه. وإن قرأ آيةَ الكُرْسِيِّ عند نومه فإن الشيطانَ لا يستطيعُ قُرْبَه، وإذا استيقظ ذَكَرَ الله، وعند دخوله الخلاءَ يستعيذُ بالله، وعندما يضع ثيابه يسمي الله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سَتْرُ ما بينَ أَعْـيُنِ الجنِّ وعوراتِ بني آدمَ إذا وضعَ أحدُهم ثوبَهُ أن يقولَ: بسم الله». (صحيح الجامع 3610).

     وإذا خرج العبدُ من بيته قال: بِسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ لا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ. فيُقَالُ لَهُ: كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ. (رواه الترمذي)، وإذا دخل بيته ذكر الله، وإذا جلس إلى طعامه سمى الله، فلا يشاركه في طعامه ومبيته شيطان، لأنه ذكر الرحمن جل جلاله.

     قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ». (رواه مسلم). فلا تغفل عن ذكر الله.

خيرُ الأعمالِ

     إنه خيرُ الأعمالِ وأَحَبُّها إلى الله، وأنجاها من عذاب الله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى! قَالَ: «ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى». قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رضي الله عنه -: مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ. (رواه الترمذي). فأكثروا من ذكر الله، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران 190-191)، وهكذا تذاب قسوة القلوب، وكذلك يتقي العبدُ المعاصي والذنوب، بكثرةِ ذكرِ علامِ الغيوب، تبارك في علاه.

جَاءَ رَجُلٌ إلى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ! أَشْكُو إِلَيْكَ قَسْوَةَ قَلْبِي! قَالَ: أَذِبْهُ بِالذِّكْرِ، قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد 28).

آفاتِ اللسان

     واحذروا آفاتِ اللسان، فإن أكثر المصائب منها، كان مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَلما كان قَرِيبًا مِنْهُ وَهما يسِيران أخبره النبيُّ بفضائل أعمال الإسلام، ثُمَّ قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكَ بِـمَلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ»؟ قال: بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ! قال: فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا»! فَقال: يَا نَبِيَّ اللهِ! وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». (رواه الترمذي).

فَوَائِدَ لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى

     لقد وعد الله المؤمنين والمؤمنات بأفضل موعود فقال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب 35)، فكونوا من الذاكرين الله كثيرا، فإِنَّ لِذِكْرِ اللهِ فَوَائِدَ كَثِيرَةً، لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى فَمِنْهَا: أَنَّ الذَّاكِرَ للهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ مُرَاقِبٌ للهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالإعلان، والمشغولُ بِذِكْرِ اللهِ مُبْتَعِدٌ عَنِ الْمَعَاصِي محفوظٌ مِنَ ارْتِكَابِ الْمُوبِقَاتِ بإذن الله، وَذِكْرُ اللهِ أَيْضًا سَبَبٌ لاشْتِغَالِ اللِّسَانِ عَنِ الْغِيبَةِ والهمز واللمز وغيرِها من سيئِ الكلام، وكفى بذلك فضلا لمن عَلِمَ خطرَ اللسان.

     وما دام الإنسان يذكر ربه فإن الله العظيم يذكره، قال -تعالى-: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} (البقرة 152). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ». (متفق عليه)، هذا غيض من فيضِ فوائد اشتغالِ لسانِ العبد بذكر الله، وإلا فحسنات ذكرِ الله لا يحصيها إلا الله.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك