رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد إسماعيل المقدم 17 أبريل، 2018 0 تعليق

الحياء مـن أجـل الصفـات وأعظمهـا التي يتحلى بها المرء المسلم


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الحياء خيرٌ كله»؛ لذلك فالحياء من أجلِّ الصفات وأعظمها التي يتحلى بها المرء المسلم، وإنه ليجنب المرء من فعل المعاصي والمنكرات؛ ذلك بأن الإنسان إذا خشي الله -عز وجل- وعلم أن الله يراقب أفعاله وأقواله في السر والعلانية استحي من فعل القبائح والمعاصي، وإن خلا بنفسه وأمن نظر الناس إليه.

رائد الخصائص الأخلاقية

     روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء»، ويكفي الحياء خيرًا كونه على الخير دليلا؛ فعن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحياء لا يأتي إلا بخير»، وفي رواية: «الحياء خير كله»، وبين النبي صلى الله عليه وسلم اقتران الإيمان بالحياء؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الإيمان والحياء قرنا جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر»، وقال صلى الله عليه وسلم : «الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان»، ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من الأنصار يعظ أخا له في الحياء حتى كأنه يقول قد أضر بك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير».

أبهى زينة

      كما بين صلى الله عليه وسلم أن الحياء أبهى زينة يتزين بها الإنسان فقال صلى الله عليه وسلم: «ما كان الحياء في شيء إلا زانه»؛ فالجوهر المصون بالحياء كالدر والجوهر المصون والمكنون في الوعاء، وبين صلى الله عليه وسلم أن خلق الحياء مما دعا إليه ورغب فيه، وأثنى عليه الأنبياء أجمعون؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم : «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»؛ فبين صلى الله عليه وسلم أن خلق الحياء مما توارد عليه الأنبياء أجمعون وتوافقوا، وتناقلته عنهم الأمم قرنا بعد قرن، وتوارثوه بينهم وتواصوا به جيلا بعد جيل، إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت»، والحياء من خلق الأنبياء -عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام-؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم في صفة موسى -عليه السلام- كان موسى رجلا حييا ستيرا لا يرى شيئا من جلده استحياء من الله -تبارك وتعالى-، بل جاء في وصف سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها وكان إذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه.

الحياء قسمان

الحياء قسمان؛ فهناك حياء فطري جبلي غريزي يوجد في كل إنسان كاستحيائه من التكشف أمام الناس على سبيل المثال.

     أما النوع الآخر من الحياء، فهو الحياء الإيماني الكسبي الذي يمنع الإنسان من قبائح الأفعال، ويحجزه عن التقصير في حقوق أصحاب الحقوق استحياء من الله -تبارك وتعالى- ومن المثول بين يديه ولعلمه أن الله مراقبه ومطلع عليه؛ فهذا هو الحياء الإيماني الذي يكتسبه الإنسان بالمراقبة وبالمحاسبة وبعلمه بأن الله -عز وجل- معه حيث كان.

     وفي هذا الحديث حديث أبي سعيد رضي الله عنه بين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ الذروة في نوعي الحياء، فقد كان في قمة من الحياء الفطري صلى الله عليه وسلم، وشاهد ذلك قوله رضي الله عنه :، «كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها»، والمقصود أنه كان في الحياء الفطري أشد من تلك العذراء البكر التي مكثت في خدرها التي كيف يكون حياؤها إذا خلت بزوجها الذي كان أجنبيا عنها من قبل لأول مرة، كيف يكون حياؤها وهي في خدرها إذا واجهت زوجها أول مرة؛ فكان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها.

     أما الحياء الكسبي، فقد كان صلى الله عليه وسلم أيضا يتسنم الذروة العليا في هذا الخلق العظيم؛ فكان إذا رأى شيئا يكرهه يمنعه حياؤه من التكلم فيه والنطق به، لكن كان يتغير وجهه الشريف من كراهته هذا الشيء ولم ينطق بذلك أو يتكلم به، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا رأوا تغير وجهه عرفوا بذلك أنه يكره ذلك الشيء؛ فما أعظم خلقه صلى الله عليه وسلم!

الصحابة وخلق الحياء

     وقد تربى الصحابة -رضي الله تعالى عنهم - خير أمة أخرجت للناس - على هذا الخلق وتلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا الصديق الأكبر أبو بكر رضي الله عنه يقول: «يا معشر المسلمين استحيوا من الله؛ فوالذي نفسي بيده إني لأذهب في الفضاء لقضاء الحاجة فأتقنع بثوبي حياء من ربي -عز وجل-»، وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه يقول: «من قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه»، ويقول: «من استحى استخفى، ومن استخفى اتقى، ومن اتقى وقي»، وهذا عثمان رضي الله عنه  قد اختصه الله -تبارك وتعالى- في هذا الخلق العظيم بمزية بين سائر الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فهو الذي يقول في شأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء من الإيمان، وأحيى أمتي عثمان»، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: «ألا أستحي من رجل والله إن الملائكة لتستحي منه»، ويقول أبو موسى رضي الله عنه : «إني لأدخل البيت المظلم لأغتسل فيه من الجنابة فأحني فيه صلبي حياء من ربي -عز وجل-»، وهذه أم المؤمنين عائشة -رضي الله -تبارك وتعالى عنها-، تقول: «كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي واضعة ثوبي وأقول: إنما هو زوجي وأبي؛ فلما دفن عمر رضي الله عنه والذي نفسي بيده ما دخلته إلا مشدودة على ثيابي حياء من عمر رضي الله عنه.

أقسام الحياء

الذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة: الله -تبارك وتعالى- ثم الناس، ثم نفسه.

الحياء من الله -تعالى

     فأما الحياء من الله -تعالى-؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «استحيوا من الله»، قالوا: إنا لنستحي من الله يا رسول الله والحمد لله؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «ليس كذلك وإنما من استحيا من الله -تعالى- حق الحياء؛ فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى وليذكر الموت والبلا، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء».

     لما قيل لبعضهم عظني؛ فقال: إذا كنت عصيت الله خاليا بعلمك أن الله يراك فقد اجترأت على أمر عظيم، وإن لعلمك أو اعتقادك أن الله لا يراك فقد كفرت. قال ابن المبارك لجليس له «راقب الله -تعالى-»؛ فسأله عن تفسيره فقال: « كن أبدا كأنك ترى الله -عز وجل-». ولما سئل بعضهم كيف أو بم أستعين على غض البصر؟ قال: «بعلمك أن نظر الناظر إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه».

     وهذه المعاني كلها هي التي أجملها الله -تبارك وتعالى- وبينها في كلمة الإحسان، فما أكثر ما وردت هذه الكلمة في القرآن ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينها وفسرها تفسيرا لا يستطيع أن يصل إليه مخلوق من المخلوقين؛ لما أوتي من جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، جاء تفسيره حينما سأل جبريل -عليه السلام- رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

الحياء من الناس

     أما الحياء من الناس فقد عظَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه أيما تعظيم! وبلغ من تعظيمه إياه أن جعله حكمًا على أفعال العباد؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم : «البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس»؛ فجعل الاستحياء من الناس مقياسا ومعيارا للبر وللإثم، وهو القائل صلى الله عليه وسلم حينما استوصاه أحد الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فقال: «أوصيك أن تستحيي من الله كما تستحيي رجلا صالحا من قومك»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فلا شك أن الإنسان يستحيي من أهل المروءة وأهل الدين وأهل الصلاح، وهذا المخلوق لا يطلع إلا على ما يره من عملك؛ فكيف بالله الذي لا يخفى عليه شيء من عملك؟!

دواء للقلب

     وقد جعل السلف -رضي الله عنهم- مجالسة من يستحيون دواء للقلب وسببا لاكتساب هذا الخلق الفاضل، يقول بعضهم: «أحيي حياءك بمجالسة من يستحيون»، ويقول بعضهم أيضًا: «لو أن الرجل لم يصبه من أخيه المؤمن سوى أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه ذلك»، يعني لكفاه ذلك من بركة صحبة الصالحين أنك تستحيي أن تفعل القبائح أمامهم؛ فيكون ذلك زاجرًا لك عن الوقوع فيها.

استحياء الإنسان من نفسه

     قسم آخر من أقسام الحياء هو أن يستحيي الإنسان من نفسه، وهذا من أشرف أنواع الحياء، فإن الإنسان يستحيي ممن يكبر في نفسه وممن يعظم قدره وهيبته في قلبه؛ ولذلك تجد الإنسان لا يستحيي من الحيوان ولا من الصبي الصغير، وإنما يستحيي العبد من رؤية الكبار الذين يكبرون في نفسه، ويستحيي من الجماعة أكثر مما يستحيي من الفرد؛ فلأجل ذلك إذا استحيا العبد من الناس ولم يستحيي من نفسه، وفعل القبائح إذا خلا بنفسه؛ فهذا يدل على أن نفسه عنده أخس من غيره كما يقول بعض السلف -رحمهم الله-: من عمل في السر عملا يستحيي منه في العلانية؛ فليس لنفسه عنده قدر»؛ فهذا الإنسان ليس لنفسه عنده قدر ولنفسه عنده أخس من غيره فلا يبالي بها إذا خلا بها، بل الأكمل و الأعلى أن يصور الإنسان من نفسه كأنها نفسا أخرى تراقبه وتراه؛ فيمنعه ذلك من التمادي في معاصي الله -تبارك و تعالى.

لذلك على المرء أن يقوي هذا الشعور بالاستحياء من الله -تبارك وتعالى- وينميه بمجالسة الذين يستحيون من الله، وبمجانبة أماكن المعاصي واللهو والفجور التي تقتل الحياء في القلب قتلا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك