الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية (4) قواعد الحوكمة في المؤسسات الوقفية
- تُعدُّ الرقابة من المرتكزات الأساسية لنظام الحوكمة الرشيدة وأحد أهم المعايير التي وضعتها لجنة (بازل) للرقابة المصرفية العالمية عام 1999م
- حوكمة المؤسسات الخيرية والوقفية ضرورة تتطلبها التحديات والتطورات الإدارية التي نعيشها من أجل الحفاظ على تلك المؤسسات من الانهيار
- مصطلح الحوكمة معني بتحقيق التوازن بين الأهداف الاقتصاديّة والأهداف الاجتماعيّة من جهة وأهداف المؤسسة والجماعة من جهة أخرى
ما زال حدثينا مستمرً حول الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية، وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن ضرورة الأخذ بمبدأ الحوكمة، ودَوْر الحوكمة في الحفاظ على الأصول الوقفية والخيرية، والتأثير الإيجابي للحوكمة، وأسباب حوكمة المؤسّسة الوقفيّة.
قواعد الحوكمة في المؤسسات الوقفية تستهدف تطبيق النظم والإجراءات التي تحقق أفضل حماية للمؤسّسة من الخلل والانهيار، وتجعلها في تناغم مع أولويات الدولة باعتبارها من المؤسّسات الاجتاعيّة المهمّة والمؤثرة؛ «حيث تمثّل الأوقاف قطاعاً ثالثاً وموازياً للقطاعين العام والخاصّ، يساند الدّولة في تحمُّل أعباء التعليم والصحّة ومحاربة البطالة ومكافحة الفقر، فالوقف إخراج لجزء من الثروة الإنتاجيّة في المجتمع من دائرة المنفعة الشخصيّة ودائرة القرار الحكومي معاً، وتخصيصه لأنشطة الخدمة الاجتماعيّة العامّة». وكذلك تحقق الحوكمة أفضل حماية لمصالح الواقفين والمتبرعين وأهل الخير، وحاجات المستحقين، -وهم المتأثرون بأعمال المؤسسة الوقفية والمستفيدون منها-، وتوجهات الإدارة التنفيذية وأصحاب المصالح الأخرى المرتبطة بها.أهداف حوكمة المؤسّسة الوقفيّة
«إنّ مصطلح الحوكمة بأوسع معنى له يكون معنيًّا بتحقيق التوازن بين الأهداف الاقتصاديّة والأهداف الاجتماعيّة من جهة، وأهداف الجماعة من جهة أخرى، أي أنّ الإطار العامّ للحوكمة موجود لكي يشجع على الاستخدام الأكفأ والعادل للموارد، ويعمل على تفادي سوء استخدام السّلطة، وكذلك تفادي التّحايُل على القواعد والنُّظُم واللّوائح...». وبالانتقال إلى خصوص صورة الوقف، نجد أهدافاً أساسيةً ومهمّةً كثيرةً تحقّقها الحوكمة، بالاستناد إلى مبادئها التي تمّت صياغتها في العقود الأخيرة، مع ربطها بالمبادئ الشرعيّة المقرّرة في باب الوقف، ومن هذه الأهداف على وجه العموم: 1- تعزيز مسؤولية الإدارة عن تنفيذ المعاملات بكفاءة تحقّق المتطلّبات النّظاميّة والشرعيّة. 2- تعزيز الاستقلاليّة والموضوعيّة في إبداء الرأي الشرعي من جهات التدقيق الشرعي. 3- تحقيق العدالة بين الأطراف: الإدارة، والمساهمين، وذوي العلاقة (العملاء، والموظفين، وجهات التدقيق الخارجي). 4- تعزيز الفصل بين السّلطات والوظائف المتعارضة لضمان آليّات واضحة لتحمُّل المسؤوليّة والمساءلة. 5- استكمال الإطار المؤسّسي الدّاعم لتطبيق الأهداف الأخرى، ويضمّ إنشاء المؤسّسات وإصدار التشريعات. 6- سيادة القانون، وهذا لا يتحقّق إلّا من خلال وجود تشريع حكومي يُلزم باستكمال المؤسّسات والتّشريعات وتطبيقها في واقع المؤسّسات الماليّة. قواعد الحوكمة إنَّ قواعد الحوكمة في الأصل لا تمثّل بنودًا قانونيّة، كما لا يوجد إلزام تشريعي بها من حيث المبدأ، وإنما هي مبادرات إرشاديّة وتنظيميّة لتحقيق الرشد في إدارة المؤسسات، وفقًا لمعايير عالمية أشرفت على وضعها مؤسّسات ومراكز أبحاث متخصّصة كما مرّ عند تعريفها، نتيجة مشاهدات وعمليّات رصد طويلة لحركة الاقتصاد العالمي، فكان هذا النّظام هو أفضل الأساليب التي تُدار به المؤسّسات، وإنْ كانت الثّغرات التي قد تُكتشف بعد تطبيق نظام الحوكمة يمكن سدّها ومعالجتها بلوائح إداريّة مُلزمة، مستقاة من منظومة القيم والمبادئ التي توفّرها الحوكمة.الرقابة ونظام الحوكمة
ولذلك تُعدُّ الرقابة من المرتكزات الأساسية لنظام الحوكمة الرشيدة، وأحد أهم المعايير التي وضعتها لجنة (بازل) للرقابة المصرفية العالمية عام 1999م، وتستهدف الرّقابة: توفُّر نظام ضبط داخليّ قويّ، يتضمّن مهامّ التّدقيق الداخليّ والخارجيّ، وإدارة مستقلّة للمخاطر، مع مراعاة تناسب السلطات مع المسؤوليات، وضمان الالتزام باللّوائح والقوانين والسياسات والإجراءات؛ بما يضمن حسن الأداء، ودقَّة المعلومات، وصحّة البيانات ونزاهتها، ويتّضح ممّا سبق ارتباط دور الرّقابة بالحماية، وأهميّتها لتحقيقها.معايير إدارة المؤسسة الوقفية
وحيث إنّ للمؤسسة الوقفيّة خصوصيّة، فهي مؤسسة أنشئت لغايات شرعية نبيلة؛ لذا يجب على من يتولّى إدارة أيّ مشروع وقفيّ أنْ يضع معايير وأُطُر واضحة لإدارته، كما أنّ عليه السّعي نحو التّطوير والنّماء، ويكون ذلك محكمًا وفق أُسُس ومعايير متّفق عليها، ولا تخرج عن الإطار الشرعي لعمل المؤسسة الوقفية، ومن أخصّ هذه المعايير: مستوى الرّقابة، وكفاءة الجهة التي تمارسها؛ لأنّ الأعمال الخيريّة التي لم تحظَ بأعلى مستويات الرّقابة -ولا سيما في حِقَبٍ سابقة- قد انهارت عن آخرها، وتحقّقت فيها معضلةُ قلّة الأمانة، والطّمع، والجشع، على الأخصّ إذا كان قد دخل فيها من ليس من أهل هذا الشأن منذ بدايتها، ويكثُر هذا الإفساد ولو عن حُسْن قصد في المجهودات ذات الطابع الفرديّ، أو المؤسّسات التي لا زالت أسيرةً لأنماط بدائيّة في إدارتها لهذا النّوع من الأعمال.تساؤلات مهمة
إنّ حوكمة مؤسسات العمل الخيري والوقفي ضرورة تتطلبها التحديات والتطورات الإدارية التي نعيشها، من أجل أن لا نرى انهيارات لتلك المؤسسات الوقفية ذات الأصول المالية الكبيرة، ومن هنا كان لزامًا علينا أن نطرح بعض التساؤلات قبل أن نتطرق إلى آليات سنِّ قواعد حوكمة المؤسسات الوقفية؛ وهي:- كيف يضمن المساهمون في المحافظ الوقفية، أو الصندوق الوقفي، أو المشروع الوقفي ألا تسيء إدارة الوقف استغلال تلك الأموال؟
- كيف يضمن المساهمون بأن القائمين على المؤسسة أو المشروع الوقفي يسعون إلى الحفاظ على الأصول الوقفية وتنميتها ورعايتها وتوزيعها؟ وكيف يحقق الأرباح المتوقعة إن كان المشروع الوقفي جُعل ليستفاد من ريعه؟
- هل يمكن للمساهمين الاطّلاع على التّقارير الإداريّة والماليّة السّنويّة، التي من خلالها يطمئنّون على الأداء الماليّ والإداريّ للمؤسّسة الوقفيّة التي وثقوا فيها وساهموا في مشاريعها، ليتحقَّق لهم ما قصدوه من الأجر والمنفعة للمجتمع؟
- ما مدى اهتمام إدارة المؤسّسة الوقفيّة بالمصالح الأساسيّة للوقف والواقف والموقوف عليه والمجتمع؛ بكل مجالاته الصحية والبيئيّة والأخلاقيّة، وحفظ الهوية الثقافيّة والثوابت الدّينيّة؟
لاتوجد تعليقات