رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 8 يوليو، 2024 0 تعليق

الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية (3) الغاية من حوكمة المؤسسات الخيرية والوقفية

  • الحوكمة تساهم في إحياء سنة الوقف وتبني مشاريعه بمساهمات مجتمعية تحت إشراف مؤسّسات مؤتمنة ذات إدارة رشيدة
  • إلزام المؤسسة الوقفيّة بتطبيق مبادئ الحوكمة يُعدُّ صمام أمان وضامنا لصدق التّقارير والميزانيّات والمعايير المحاسَبية السليمة
  • الحوكمة تعني إصلاح ما في المؤسّسة من خلل والنّهوض بها إلى الأفضل فهي منظومة إصلاح ضد منظومة فساد
 

ما زال حدثينا مستمرا حول الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية، وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن مفهوم حوكمة المؤسسات الخيرية، ثم ذكرنا مبادئ الحوكمة في القرآن والسّنّة، وعلاقته بمفهوم الرُّشد، واليوم نتكلم عن الغاية من حوكمة الجمعيات والمؤسسات الخيرية والوقفية.

        لا شك أن التطورات في التنظيم الإداري المعاصر للمؤسسات الخيرية الوقفية، جعلت من الحوكمة إطارا تطبيقيا يستهدف الرقابة والتوجيه من أجل الارتقاء بمستوى أداء تلك المؤسسات؛ حيث إن الحوكمة تعني: إصلاح ما في المؤسّسة من خلل والنّهوض بها إلى الأفضل فهي منظومة الإصلاح ضد منظومة الفساد، وتعالج أكثر من 90% من مشكلات الأداء المؤسسي كمشكلات الاستراتيجيات والأدلة والإجراءات والآليات والمؤشرات والجودة والتميز.

الأخذ بمبدأ الحوكمة

وحيث إن المكونات الرئيسة للحوكمة هي: (الهياكل والإجراءات والسلوكيات)، فالأخذ بمبدأ حوكمة الجمعيات الخيرية يحقق استغلال الموارد المتاحة بأفضل طريقة، واعتماد الكفاءة والخبرة والمصداقية والعدل والشفافية. ولا شك أن القواعد الفقهية -في جوهرها وتطبيقاتها- أصول ومبادئ أساسية لإدارة المؤسسات الخيرية وحوكمتها؛ ففيها فقه الأموال الخيرية وفقه التعامل في المؤسسات الخيرية، وفيها العدل والمساواة والشفافية وغيرها من المبادئ المنظمة والمراقبة للعمل الخيري؛ فالعمل الخيري من المهمات الشرعية، وهذا المجال من الوظائف الدينية والاجتماعية التي تتطلب علماً شرعيا وبصيرة، ولا تبرأ الذمم إلا إذا نفذت الأعمال وفق ضوابط الشرع وقواعده، فإنّ من المنتظر من تطبيق هذا النّظام أن يحقّق الأهداف الخاصّة الآتية: 1- تحسين قدرة المؤسسة الخيرية وزيادة قيمتها. 2- فرض الرّقابة الفعّالة على أداء المؤسّسة الخيرية وتدعيم المساءلة المحاسَبيّة عليها. 3- ضمان مراجعة الأداء التشغيلي والمالي والنّقدي للمؤسّسة الخيرية. 4- تقويم أداء الإدارة العليا وتعزيز المساءلة ورفع درجة الثقة فيها. 5- تعميق ثقافة الالتزام بالقوانين والمبادئ والمعايير المتفق عليها. 6- زيادة ثقة المتبرعين الحاليّين والمرتقبين في المؤسسة الخيرية. 7- الحصول على التّمويل المناسب والتنبّؤ بالمخاطر المتوقّعة. 8- تحقيق العدالة والشفافيّة ومحاربة الفساد. 9- مراعاة مصالح الأطراف المختلفة وتفعيل التواصل معهم.

إنشاء مركز للحوكمة

لذا أضحى لزاما إنشاء مركز للحوكمة لمؤسسات القطاع الثالث (الخيري والوقفي والتطوعي)، يعني نشر ثقافة الحوكمة، ويدرب على مبادئه وتطبيقاته.
  • ثالثًا: دَوْر الحوكمة في الحفاظ على الأصول الوقفية والخيرية
لا شكَّ بأن حوكمة المؤسسات الوقفيّة ضمان لحماية الأموال الموقوفة، ورعاية لمقاصد الواقفين وأصحاب المصالح في إيجاد المؤسّسات الوقفيّة وتشغيلها، وترغيب الخيِّرين في المساهمة والبذل والعطاء، فنظام حوكمة المؤسّسة الوقفيّة يمكِّن الدّاعمين والواقفين من مراقبة تبرّعاتهم والاطمئنان على أصول أوقافهم، ويُلزم النّاظر أو مجلس النّظارة بإدارة المشروع إدارة رشيدة؛ ممّا يشجِّع المتبرعين والواقفين على إنشاء مشاريع وقفيّة كبيرة ودائمة ومستمرة العطاء.

التأثير الإيجابي للحوكمة

       هذا التأثير الإيجابي لحوكمة المؤسسة الوقفيّة يمكن ربطُه بمفهوم البيئة الاستثمارية أو مناخ الاستثمار إذا صحّ التعبير؛ لأنّ الاستثمار في الوقف استثمارٌ في الشأنْ الأخرويّ، وهو الأهمّ على الإطلاق في حياة المسلم، والأصل فيه الإقبال عليه، لولا ما قد يكبّل إرادته أحياناً من عدم الثقة بالقدرات الإدارية للمؤسسات الخيرية التي تجعل كثيرين يحجمون عن المشاريع الكبيرة، ويتضح هذا أكثر إذا علمنا أنّ من أكبر المتغيّرات المؤثّرة في تحسين البيئة الاستثماريّة بشكل عام، وبمعناها الاقتصادي المحض، الحالة التشريعيّة والقانونيّة التي تطمئن المستثمر الجديد على استثماره، ووضوح حقوقه وحدود مسؤوليته ومنفعته، وخلوّ مستقبل استثماراته من المفاجآت السيّئة، وهذا كلّه يجعل حوكمة المؤسّسات الوقفيّة من حتميّات تنظيم العمل الخيري وضروريّاته في الوقت الرّاهن. كما أنّ إلزام المؤسسة الوقفيّة بتطبيق مبادئ الحوكمة، يُعدُّ صمام أمان وضامنا لصدق التّقارير والميزانيّات، من خلال الإفصاح والشّفافية، والمعايير المحاسَبية السليمة، التي تعدُّ مرتكز الحوكمة السليمة، وفي ذلك حماية من تلاعب العاملين في المؤسسات الخيرية والوقفية، ومحافظة على أموال الواقفين، وحقوق الموقوف عليهم؛ لذا نرى أن الحوكمة هي الإطار الصحيح لتطوير أداء المؤسسات الوقفية والحفاظ على أصولها، التي من خلال تطبيقاتها نحقِّق المقاصد والغايات التي من أجلها شُرع نظام الوقف في الإسلام.

أسباب حوكمة المؤسّسة الوقفيّة

حدّدت الأدبيّات قنوات عدّة يمكن من خلالها أن تؤثّر حوكمة الشّركات على النموّ والتنمية، ومن ذلك ما يلي: 1- زيادة فرص الحصول على التّمويل الخارجي من قِبل الشركات، ويمكن أن يؤدّي إلى زيادة معدّلات الاستثمار، وتحقيق معدّلات نموّ أعلى، وزيادة توليد فرص العمل. 2- خفض تكلفة رأس المال وما يرتبط بها من ارتفاع مستوى تقييم الشركة؛ ممّا يجعلها أكثر جاذبيّة للمستثمرين، ومن ثم تحقيق المزيد من الاستثمارات؛ ممّا يؤدّي أيضاً إلى المزيد من النموّ والمزيد من توليد فرص العمل. 3- الأداء التشغيلي بطريقة أفضل من خلال تخصيص الموارد وإدارة أفضل، وهذا يخلق ثروة أكثر عموماً. 4- بناء علاقات أفضل مع جميع أصحاب المصلحة عموماً، وتقليل مخاطر حدوث الأزمات عموماً والماليّة خصوصا، التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على التكاليف الاقتصاديّة والاجتماعيّة.

دّواعي الحوكمة ومسوّغاتها

ومع إدراكنا للفرق بين الوقف والشّركة التجاريّة الربحية في طبيعتهما الشرعيّة والقانونيّة، إلا أنّنا في ضوء التلخيص السّابق، يمكننا جمع الدّواعي والمسوّغات التي تحفّز باتّجاه حوكمة المؤسّسات الوقفية بالنقاط الآتية: 1- تعزيز ثقة الواقفين والمجتمع بأداء المؤسسة الوقفية، وما يقود إليه من تنشيطها وتفعيلها. 2- تحقيق الرقابة الفعالة على أعمال المؤسسة الوقفية وأنشطتها. 3- تقويم الأداء وفق معايير محددة تتحقَّق من خلالها الشفافية التامَّة. 4- إحياء سنة الوقف، وتبني مشاريعه بمساهمات مجتمعية، يُسهم أصحابها وهم مطمئنون على وضع أموالهم تحت إشراف مؤسّسات مؤتمنة ذات إدارة رشيدة. 5- تقديم تقارير مالية وإدارية ذات شفافية ونزاهة، تُبنى عليها الخطط المستقبلية والقرارات اللازمة. 6- تطوير الأداء، وتحسين الأساليب، وابتكار الوسائل للوصول إلى التميُّز في المؤسسة الوقفية. 7- التحديث ومواكبة الإنتاج الفكري والعلمي، واعتماد النّظم الإداريّة الحديثة في تحقيق غايات الوقف ومصالحه.

قواعد الحوكمة في المؤسسات الوقفية

       تستهدف تطبيق النظم والإجراءات التي تحقق أفضل حماية للمؤسّسة من الخلل والانهيار، وتجعلها في تناغم مع أولويات الدولة بعدِّها من المؤسّسات الاجتماعيّة المهمّة والمؤثرة؛ حيث تمثّل الأوقاف قطاعاً ثالثاً وموازياً للقطاعين العام والخاصّ، يساند الدّولة في تحمُّل أعباء التعليم والصحّة ومحاربة البطالة ومكافحة الفقر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك