الحميد المجيد
في بحثنا حول إحصاء أسماء الله الحسنى، ولاسيما ما اقترب منها في خواتيم آيات القرآن الكريم. اجتهدنا أنا وصاحبي في البحث عن كل ما كتب في هذا الموضوع من قبل، والتقينا بعد ثلاثة أسابيع.
- ماذا وجدت من دراسات سابقة؟
- قبل ذلك وجدنا شيئاً كنت أتوقعه منذ بداية بحثنا، ولكن لم أصل إليه إلا قبل أسبوع، تذكر أننا في إحصائنا للأسماء الحسنى وجدنا أن اسم الله (العظيم) هو أكثر الأسماء وروداً في كتاب الله، فقد ورد مئة وأربع وخمسين مرة، واقترن بأحد عشر اسما من الأسماء الحسنى، ولكن موضوع دراستنا هو الأسماء المقترنة، وهي التي اختتمت بها معظم آيات القرآن، فكان أكثر اسمين مقترنين هما (الغفور الرحيم)، فقد ورد هذان الاسمان مقترنين إحدى وسبعين مرة، وورد (العزيز الحكيم) سبعاً وأربعينمرة، وورد (العليم الحكيم) تسعا وعشرين مرة، و(العزيز الرحيم) ثلاث عشرة مرة، فأكثر اسمين مقترنين في كتاب الله هما (الغفور الرحيم).
- الحمد لله، هذا ما كنا نتوقعه مع أن (الغفور) ليس أكثر الأسماء وروداً ولا (الرحيم)، إلا أن (الغفور الرحيم) هي الأكثر وروداً في كتاب الله.
هكذا بدأ حوارنا وكان صاحبي متحمساً بعد فترة انقطاعات، وأخبرني أنه يقضي ساعات طويلة متواصلة دون ملل في تتبع هذا البحث.
- وماذا عن الذين كتبوا في هذا الموضوع؟
- وجدت دراسة أعدها الدكتور جمال أسطيري (كلية الآداب بني ملال) وقدمها في المؤتمر العالمي الأول للباحثين في القرآن الكريم وعلومه في موضوع (جهود الأمة في خدمة القرآن الكريم وعلومه)؛ لخص فيها أعمال من كتبوا في هذا الباب، فذكر الطبري ت(310هـ)، والنسفي ت (701هـ)، وابن كثير ت(774هـ)، والمهايمي ت(835هـ)، وأبا حفص الدمشقي الحنبلي ت (880هـ)، والجلالين (المحلي ت864هـ)، والسيوطي ت(911)، وأبا السعود ت(982هـ)، ويلاحظ أن كل هذه الجهود ذكرت الأسماء الحسنى ضمن كتب تفسير، ولم تفرد كتاباً خاصاً للموضوع، أما جهود المعاصرين فذكر منهم عبدالرحمن السعدي ت(1376هـ)، وبن عاشور ت(1973م)، وعبدالودود مقبول حنيف في أطروحة دكتوراة بعنوان: (الأسماء الحسنى ومناسبتها) للآيات التي ختمت بها من سورة النور إلى آخر القرآن وغيرهم، ثم علق الباحث فقال: «يبدو أن معظم الباحثين الذين جاؤوا بعد عبدالرحمن السعدي لايزالون يرددون هذه العلاقة أو المناسبة التي لاحظها وجعلها قاعدة، مع العلم أنه قد يكون أخذها عن ابن القيم في موضوع أعم من هذا».
قاطعته. - أنا لا أشك أن ابن القيم - رحمه الله - وضع أجمل كلمات في بيان ما اقترن من الأسماء الحسنى، فكان المنطلق لكل من جاء بعده.
- وماذا عن موضوعنا (الحميد المجيد)؟
- اسم الله (الحميد) ورد في كتاب الله سبع عشرة مرة، واسم الله (المجيد) ورد مرتين في كتاب الله.
(الحميد) اقترن بـ(العزيز) و(الغني) و(الولي) وكان الثاني مع هذه الأسماء، واقترن بـ(المجيد) مرة واحدة، وكان الأول فيهما، وذلك في قوله تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}(هود: 73). أما في سورة البروج، فقد أتى اسم الله المجيد منفرداً: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ . وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ . ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ . فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}(البروج: 13 - 16).
في اللغة. (الحميد): أي المحمود، و(الحمد) هو المدح والثناء وعكسه الذم. فالله سبحانه يحمده «يثني عليه ويمدحه» كل من في السموات والأرض، وله الحمد في الأولى والآخرة، له الحمد دائماً وكثيرا وطيباً سبحانه وتعالى، ولذلك أتى ثانياً مع الأسماء الحسنى (العزيز الحميد) فهو محمود في عزته، و(الغني الحميد) فهو محمود في غناه و(الولي الحميد) فهو محمود في ولايته للمؤمنين، ولكن مع (المجيد) أتى أولاً، وذلك واضح بمعرفة معنى (المجيد).
(المجيد) صيغة مبالغة من (المجد) الشرف الواسع، فالله سبحانه «تمجد» بأفعاله وصفاته وأسمائه و«مجده» خلقه، أي عظموه وشرفوه، (فالمجد) مرتبة تأتي بعد (الحمد) ولذلك تقدم (الحميد) على (المجيد)، وهكذا هو في صيغة التشهد«في العالمين إنك حميد مجيد».
في التفسير. وجملة «إنه حميد مجيد» تعليل لتوجه رحمته وبركاته إليهم بأن الله يحمد من يطيعه وبأنه (مجيد) أي: عظيم الشأن لا حد لنعمه؛ فلا يعظم عليه أن يعطيها لأحد وفي اختيار اسم الله (الحميد) من بين الأسماء الحسنى كناية عن رضي الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام. وقوله (إنه حميد مجيد) أي: أن الله محمود في تفضله عليكم بما تفضل به من النعم عليكم (مجيد) ذو مجد ومدح وثناء كريم.
لاتوجد تعليقات